مع حلول العام الهجرى الجديد، تتجدد الدعوة لاستلهام القيم النبيلة والرسائل السامية التى حملتها سيرة النبى محمد صلى الله عليه وسلم، ويبرز المسرح كواحد من أبرز الفنون التى استطاعت أن تقدم هذه السيرة بأسلوب بصرى إبداعى يلامس وجدان الجمهور ويغوص فى أبعادها الروحية والإنسانية، فعلى مدار عقود، شكل المسرح منبرا فنيا وثقافيا لنقل ملامح السيرة النبوية، ليس فقط عبر التوثيق التاريخى، بل من خلال طرحها فى قوالب درامية غنية بالصور الشعرية، والرمزيات البصرية، والأداء الوجدانى. أعمال تناولت محطات في حياة النبي محمد وقد تنوعت التجارب المسرحية التى تناولت سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم بين عروض احتفالية ك «الليلة المحمدية»، وأوبريتات درامية ذات طابع إنشادى وروحانى، وصولا إلى أعمال مسرحية كاملة تناولت محطات من حياته الشريفة، مركزة على القيم التى أرساها من تسامح، وعدل، ورحمه، وأسهم عدد من كبار المخرجين والمؤلفين فى إبداع هذه الأعمال، ليقدم النبى الكريم كرمز للإنسان الكامل، لا فى بعده الدينى فحسب، بل أيضا فى بعده الأخلاقى والإنسانى، ما أضفى على هذه العروض أبعادا تتجاوز السرد التاريخى إلى ما هو وجدانى وتأملى. وفى السطور التالية وبهذه المناسبة المباركة، نفتح نافذة على أبرز الأعمال المسرحية التى ألقت الضوء على السيرة النبوية، ونرصد كيف تفاعل المسرح مع شخصية النبي صلى الله عليه وسلم، مؤكدين على الدور الثقافى للفن فى تعزيز القيم الروحية والوطنية فى آن واحد. أحب سيدنا النبى.. عرض يعيد الروح للمديح النبوى على الخشبة تأتى تجربة فرقة «المصطفوية للمدائح النبوية» فى زمن يبحث فيه الخطاب الدينى عن وسائل أكثر تأثيرا وانتشارا، لتطرح نموذجا فنيا متفردا يمزج بين المسرح والروحانية، ويعيد تقديم السيرة النبوية وقيم الإسلام فى قالب جمالى مؤثر، كما فى عرضها اللافت «أحب سيدنا النبى». الفرقة التى أسسها الشيخ مصطفى عبدالمجيد قبل أكثر من عشرين عاما، وتضم نحو 75 شابا وفتاة من المنشدين والممثلين والمطربين، يقودها حاليا الفنان حمدى أبو العلا، الذى أحدث نقلة نوعية فى شكل وطبيعة عروضها، فحولها من محافل إنشادية تقليدية إلى أعمال مسرحية نابضة بالحياة والتعبير. العرض لا يكتفي بتمجيد السيرة النبوية، بل يتخذ من حب النبى «صلى الله عليه وسلم» نقطة انطلاق لفهم أعمق لفكرة الحب فى الإسلام، الحب الذى لا يقتصر على العلاقة الروحية مع النبى فقط، بل يمتد ليشمل كل ما فى الوجود: الإنسان، والمكان، والآخر المختلف، فالحب النبوي – كما يصوره العرض – يولد التسامح، ويؤسس لقيم التعايش والسلام ونبذ الكراهية، ويمنح الإنسان روحا محبة للحياة والخلق. وأهم ما يميز هذا العمل هو خروجه عن النمطية السائدة فى الأمسيات الدينية، فهو عرض مسرحى متكامل يجمع بين الأداء التمثيلى، والحركة، والإنشاد، والإلقاء الشعرى، ويستدعى لحظة «الحضرة» فى صيغة درامية، ما يتيح للجمهور التماهى مع الحالة الشعورية والانخراط فى التجربة، لا كمشاهد سلبى بل كجزء من الطقس الروحى. ولا يقل المكان أهمية عن المضمون، إذ حرص أبو العلا على تقديم العرض فى مواقع تراثية وتاريخية مثل قصر الأمير طاز، وبيت السحيمي، وشارع المعز، مؤمنا بأن لهذه الأماكن «لغة خاصة» تتفاعل مع العرض وتمنحه بعدا رمزيا وروحانيا أعمق، دون الحاجة إلى ديكورات مصطنعة، فالمكان يصبح هنا «ديكورا حيا» يشارك فى الأداء. يقول أبو العلا عن ولادة هذا العمل: «كتبت ذات يوم عبارة «أحب سيدنا النبى» من منطلق وجدانى خالص، قرأها الفنان خالد جلال عندما كان مديرا لمسرح الغد، وقرر أن نبدأ تنفيذ العمل فورا، ومن هنا انطلقت التجربة، وحققت نجاحا غير متوقع، ووجدت نفسى فى هذا اللون من العروض الذى يمزج الفن بالعقيدة». وتوالت بعد ذلك أعمال أخرى مثل: «فتح الفتوح سيدنا النبى»، و«لحظة صفا فى رحاب المصطفى»، و«الأنوار المحمدية»، التى تعكس كل منها جانبا مختلفا من السيرة النبوية، كعلاقة النبى بزوجاته أو بالناس فى الشارع أو بتعامله مع الآخر المختلف، وكلها أعمال تتجاوز التلقى السطحى إلى نقل رسالة قيمية واضحة تتلاءم مع متطلبات العصر. ويؤكد أبو العلا أن هذه العروض تمثل وسيلة فعالة لتجديد الخطاب الدينى، بعيدا عن التنظير الجاف، فهى تمس وجدان الناس بلغة الفن الذى يخاطب الروح والعقل معا، مضيفا لو وجد وعى حقيقى بأهمية هذه العروض، لكانت الفرقة تجوب محافظات مصر كافة، فالجمهور متعطش لهذا اللون الصادق من الفن الدينى الذى لا يكتفي بالعظة، بل يلمس القلوب بصدق التجربة. تبدو تجربة «أحب سيدنا النبى» نموذجا يراهن على الفن كوسيلة تربوية وتنويرية، فى زمن تطرح فيه أسئلة كثيرة حول كيفية استعادة القيم فى ظل زحام الحياة، وتؤكد أن المسرح قادر على حمل الرسالة الدينية بأدوات العصر، بعيدا عن الخطاب التقليدى، وبروح تمزج بين الجمال والمحبة والإيمان. أوبريت الليلة المحمدية «الليلة المحمدية» السادسة.. أوبريت يخلد السيرة ويحتفى بالفن الهادف جاء أوبريت «الليلة المحمدية» السادس عام 1990 ليواصل تقليدا فنيا وروحيا بدأ فى السبعينيات، جمع بين الإبداع الفنى والاحتفاء الدينى فى أرقى صوره، وقد مثل هذا الأوبريت، الذى حمل توقيع المخرج جلال الشرقاوى، ذروة النضج لهذا اللون من العروض، حيث تلاقت عناصر الدراما والغناء والإنشاد والشعر فى عمل واحد يخاطب الوجدان والعقل معا. رسالة تتجاوز الاحتفال لم يكن الأوبريت مجرد احتفال دينى تقليدى، بل شكل عملا توعويا يستدعى القيم المحمدية التى تحتاجها الأمة آنذاك، ولا تزال فى أمس الحاجة إليها اليوم: الرحمة، العدل، الإخاء، والتسامح، ووسط تحديات تلك الفترة سياسيا وثقافيا، كانت هذه الرسائل أكثر من مجرد مضامين فنية، كانت دعوة لإعادة بناء الذات الجمعية للأمة الإسلامية على هدى السيرة النبوية. تميز الأوبريت بمشاركة عدد كبير من نجوم الصف الأول فى الغناء العربى، ما أضفى عليه زخما وجاذبية فنية عالية، حيث تألق محمد قنديل بصوته الأصيل، وشاركت عفاف راضى برقتها المعتادة، فيما حمل محمد الحلو ومحمد ثروت وياسمين الخيام عبء الأداء العاطفى الروحانى، حضور وردة الجزائرية أعطى بعدا عربيا للأوبريت، كذلك مشاركة المطرب عبدالله الرويشد من الكويت، التى فتحت الباب نحو تعاون فنى عربى شامل فى المناسبات الدينية. التمثيل دراما بإحساس إيماني من الناحية الدرامية، تميز الأوبريت بمقاطع تمثيلية حملت مضامين عميقة، أبرزت جوانب من السيرة النبوية، وسلطت الضوء على مواقف أخلاقية وإنسانية بارزة، حيث شارك فى تجسيد هذه المشاهد نخبة من كبار الفنانين، منهم: نادية رشاد، مديحة حمدى، محمد وفيق، أشرف عبدالغفور، محمود الحدينى، بينما شكل ظهور سعاد عبدالله مفاجأة مبهجة للجمهور المصرى، لما تحمله من ثقل فنى فى منطقة الخليج. كتب النص الشعرى عبدالرحمن الأبنودى، أحد أبرز شعراء العامية فى مصر، الذى امتلك قدرة فريدة على المزج بين البساطة والعمق، وتضمن الأوبريت أيضا أبياتا من بردة شقيقه محمد الأبنودى، فى تحية للشعر الصوفى، أما الموسيقى، فقد وضع ألحانها الدكتور جمال سلامة، الذى نجح فى ترجمة الإحساس الشعرى إلى نغمات تخاطب الروح وتلامس القلوب، مع الحفاظ على طابعها التراثى. نقل الأوبريت عبر شاشة التليفزيون المصرى بإخراج مرئى متقن من شكرى أبو عميرة، الذى حرص على إظهار العمل بروح احتفالية ومهيبة، دون أن يفقده بساطته وإنسانيته، وقد أسهم ذلك فى وصول الأوبريت إلى الملايين داخل مصر وخارجها، ليصبح جزءا من ذاكرة جماعية ترتبط بالمولد النبوى الشريف. ليست «الليلة المحمدية» السادسة مجرد عرض مسرحى غنائى، بل وثيقة فنية تخلد لحظة روحانية، وتعيد تقديم السيرة النبوية فى قالب معاصر يجمع ما بين الأصالة والتجديد، فهو عمل يذكرنا بأن الفن حين يرتبط بالقيم يمكن أن يتحول إلى رسالة خالدة تتوارثها الأجيال. كأنك تراه.. عرض يلامس السيرة النبوية برؤية معاصرة فى عام 2017، شهد مسرح الطليعة عرضا مسرحيا استثنائيا بعنوان «كأنك تراه»، من إنتاج فرقة الطليعة التابعة للبيت الفنى للمسرح، وإخراج الفنان ماهر محمود، الذى اختار أن يبحر فى السيرة النبوية الشريفة، لكن من زاوية جديدة تدمج بين الفن والرسالة. جاء العمل فى قالب غنائى درامى، يسلط الضوء على جوانب إنسانية من حياة النبى محمد – صلى الله عليه وسلم – ليس فقط من خلال المديح، بل عبر إسقاطات على واقعنا الاجتماعى اليوم، حيث ناقش العرض قضايا معاصرة تثقل كاهل المجتمع، متخذا من قيم التسامح والمحبة التي دعا إليها النبي إطارا للحل والتأمل. طرح العرض سؤالا محوريا: هل نتصرف فى حياتنا وكأن النبى يرانا؟، وهو تساؤل يعكس البعد الأخلاقى والوجدانى للنص، ويمنح العمل بعدا تربويا وإنسانيا عميقا، يجعل من المشاهدة تجربة وجدانية وعقلية فى آن واحد. العمل من تأليف نسمة سمير، وشارك فى بطولته الفنانين: محمد يونس، ماهر محمود، علاء النقيب، أمنية حسن، سلمى هشام، إلى جانب عدد من الفنانين الشباب الذين أضفوا حيوية وروحا خاصة على العرض. شباب في عين الرسول.. يروي بطولات شباب الصحابة على خشبة مسرح البالون، تألقت الفرقة الغنائية الاستعراضية التابعة للبيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية، فى تقديم العرض المسرحى الغنائى الاستعراضى «شباب فى عين الرسول»، وذلك فى 31 مايو 2018، من خلال تجربة فنية تجمع بين الإنشاد والتمثيل والفنون الاستعراضية، وتستحضر سيرة شباب المسلمين الذين نشأوا فى كنف الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. قدم العمل رسالة فنية سامية تسلط الضوء على النماذج المشرقة من شباب الصحابة، الذين أحاطوا برسول الله حبا ووفاء، فأحبهم ورعاهم وعلمهم، وينطلق العرض من مقولة «الشباب فجر الحياة»، التى تغنى بها بصوته العذب المنشد والمداح د. أحمد الكحلاوى، لتشكل افتتاحية مؤثرة تعبر عن فكر العرض ورسائله الإنسانية والدينية. دراما تمزج بين الحاضر والماضى اعتمد النص على مزج سردى درامى بين الحاضر والماضى، من خلال أسرة مصرية معاصرة «أب وأم وولد وبنت» تتفاعل مع وقائع تاريخية يرويها خال العائلة – الذى جسده الفنان أحمد عبدالوارث – وقام بدور الراوى إلى جانب الفنانين أحمد ماهر ومديحة حمدى، ليتحول المسرح إلى منصة تستعرض قصص أبطال شباب فى زمن النبوة، حيث قدموا أروع أمثلة الإيمان والتضحية والفداء. أسامة بن زيد.. القائد الصغير استعرض العرض سيرة الصحابى الجليل أسامة بن زيد، أصغر قائد جيش فى عهد الرسول، والذى نشأ فى كنف النبى، وكان مقربا منه للغاية حتى لقبه ب«الحب» نظرا لمكانته الخاصة، إذ كان النبى يقول: «اللهم أحبهما فإني أحبهما» فى دعائه للحسن والحسين وأسامة، وقد قاد أسامة جيشا كبيرا ضم كبار الصحابة لغزو الروم، وهو فى العشرين من عمره فقط، ليعود مظفرا بالنصر. أبناء عفراء.. بطولة رغم الصغر وروى الفنان أحمد ماهر قصة الشهيدين الشقيقين معوذ ومعاذ أبناء عفراء، اللذين قدما مثالا نادرا فى البطولة خلال غزوة بدر، حين تمكنا من القضاء على أبى جهل رغم حداثة سنهما، واستشهد معوذ لاحقا على يد عكرمة بن أبي جهل، ثأرا لما فعله أبوه. أسماء بنت أبى بكر.. ذات النطاقين قدمت الفنانة إيمان إمام شخصية أسماء بنت أبى بكر، واحدة من أوائل المؤمنات بالإسلام، التى لعبت دورا محوريا فى هجرة النبى من مكة إلى المدينة، حيث لقبها الرسول ب«ذات النطاقين» بعدما شقت نطاقها نصفين لإعداد الزاد والسقاء للنبى وأبيها، وقدم العرض أسماء كقدوة حقيقية للفتيات المسلمات فى الصبر والثبات والمثابرة. عبدالله بن الزبير.. شهيد الكعبة جسد الفنان أحمد عزمى شخصية عبدالله بن الزبير، أول مولود فى الإسلام، وأحد أبرز شباب الصحابة، الذى نشأ فى بيت النبوة، وتربى على يد خالته السيدة عائشة رضى الله عنها، حيث شارك عبدالله فى الفتوحات الإسلامية الكبرى كمعركة اليرموك، وكان يطمح لإعادة بناء الكعبة وفق وصية النبى، إلا أن ذلك فهم خطأ، فانتهى به الأمر شهيدا على أعتاب بيت الله الحرام. عبدالرحمن بن عوف.. أحد العشرة المبشّرين كما قدم الفنان أحمد الشريف شخصية الصحابى عبدالرحمن بن عوف، أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن كبار التجار والمجاهدين فى الإسلام، والذى شهد كل الغزوات الكبرى وكان محل ثقة الخليفة عمر بن الخطاب، فجعله ضمن الستة أصحاب الشورى لاختيار الخليفة من بعده. رؤية فنية.. ورسائل للشباب المعاصر حرص العرض على تقديم الشباب فى زمن الرسول كنماذج مضيئة يجب على شباب اليوم الاقتداء بها، لما قدموه من قيم سامية فى الإيمان، والجهاد، والعلم، والتضحية، ما يسهم فى بناء شخصية قوية وفاعلة فى المجتمع المعاصر. «شباب فى عين الرسول» عمل فنى متكامل يجمع بين الغناء والإنشاد، والدراما والسرد، ويشارك فى بطولته الفنانين: مديحة حمدى، أحمد ماهر، أحمد عبدالوارث، رضا إدريس، إيمان إمام، أحمد عزمى، لبنى الشيخ، أحمد الشريف، هادى خفاجة، سيد عبدالرحمن، سحر عبدالله، العمل من فكرة وإنشاد وألحان د. أحمد الكحلاوي، وتأليف وأشعار سراج الدين عبدالقادر، وإخراج صلاح لبيب. الحسين ثائرا وشهيدا.. المسرحية التى هزها الأزهر وبقيت حلما مؤجلا رغم مرور أكثر من خمسة عقود على كتابتهما، لا تزال مسرحيتي «الحسين ثائرا» و«الحسين شهيدا»، من أبرز وأشهر ما كتب الشاعر عبدالرحمن الشرقاوى فى المسرح الشعرى، عملان تخطيا حدود الشعر إلى قلب الدراما، مستلهمين سيرة الإمام الحسين رضى الله عنه وثورته في وجه الظلم، ومأساته الكبرى فى كربلاء، لكن هذا الحلم المسرحى اصطدم بعقبات رقابية ودينية حالت دون ظهوره كاملا على خشبة المسرح. فى عام 1972، حاول المخرج الراحل كرم مطاوع أن يحقق حلم الشرقاوي بتقديم «الحسين ثائرا» على خشبة المسرح القومى، وأجرى بالفعل بروفات يومية للعرض استمرت 30 يوما كاملة، استكملت خلالها جميع عناصر الإنتاج المسرحى من ديكور وموسيقى وسينوغرافيا، لكن دون أن يفتح شباك التذاكر للجمهور. لم تكن أزمة العرض فنية، بل دينية فى المقام الأول، إذ واجه العرض فتوى صادرة عن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، تمنع تجسيد آل البيت والعشرة المبشرين بالجنة على خشبة المسرح أو فى أى عمل فنى، إلا بصيغة الراوى فقط، وهى فتوى أصابت المشروع فى مقتل، وأوقفت مسيرته قبل أن تنطلق، رغم مكانة العمل وأهميته الأدبية والدينية. شارك فى بروفات العمل كوكبة من نجوم المسرح المصرى، من بينهم: الفنان عبدالله غيث فى دور «الحسين»، وأمينة رزق فى دور «السيدة زينب»، ويوسف وهبي بدور «وحشي»، إلى جانب عبدالرحمن أبو زهرة وحمزة الشيمى، وكان «كرم مطاوع» يؤدى أحد أدوار البطولة إلى جانب الإخراج، إلا أن الحلم تلاشى فى صمت، رغم اكتمال ملامح العرض. لم يتوقف الأمر عند كرم مطاوع فقط، فقد حاول الفنانون نور الشريف وأحمد ماهر إحياء النص المسرحى مجددا، لكن محاولاتهما قوبلت بالرفض ذاته، حيث رفضت الجهات الرقابية أى محاولات لتجسيد شخصية الإمام الحسين، رغم السماح بعرض أعمال أخرى تناولت شخصيات دينية مثل «السيدة مريم» و«يوسف الصديق» على الشاشات العربية. وحتى المخرج جلال الشرقاوي، لم يستطع كسر الحظر، فقد تقدم بطلب رسمى إلى الأزهر الشريف لمراجعة الفتوى، وأجرى حوارا مع شيخ الأزهر حينها، ما أثار جدلا واسعا داخل أروقة مجمع البحوث الإسلامية بين مؤيد للفكرة ومعارض لها، إلا أن القرار النهائى بقى كما هو: منع العرض. وفى واحدة من أعذب مقاطع النص الشعرى الذى كتبه الشرقاوى، يقول الإمام الحسين على لسانه: «فلتذكرونى عندما تغدو الحقيقة وحدها حيرى حزينة/ وإذا بأسوار المدينة لا تصون حمى المدينة/ لكنها تحمى الأمير وأهله والتابعين/ فلتذكرونى حين تختلط الشجاعة بالحماقة/ وإذا غدا النبل الأبى هو البلاهة/ وبلاغة الفصحاء تقهرها الفكاهة». ظلت هذه المسرحية إلى اليوم ضمن قائمة الأعمال المحظور تقديمها فى المسرح المصرى، لما تحمله من حساسية دينية وسياسية معا، لكنها رغم كل شىء، بقيت علامة فارقة فى مسيرة عبدالرحمن الشرقاوى، ومحطة يتوقف عندها كل من يكتب أو يقرأ عن المسرح الشعرى والدراما الدينية فى العالم العربى.