سار على خطى والده ليصبح رمزا من رموز الإنشاد الديني ورواده في مصر والوطن العربي بأسلوبه المتميز الفريد, هو مداح الرسول، وشيخ المداحين، د. أحمد الكحلاوي، الخبير الوطني للإنشاد الديني, فعلى مدار سنوات طويلة تمكن من ترسيخ اسمه كأحد أهم المنشدين، وحمل بصوته الدافئ ورسائله الروحانية أعمق معاني المديح النبوي, وورث عن والده، الشيخ محمد الكحلاوي، حب مدح النبي الكريم، واستطاع من خلال مسيرته الفنية المزج بين الأصالة والابتكار والتجديد، ليظل الإنشاد الديني حيا ومرتبطا بكل الأجيال.. في هذا الحوار، نقترب أكثر من رحلته الفنية، ونتعرف على فلسفته في الإنشاد ودوره في نشر القيم النبوية العظيمة. كيف تستعد لأداء الإنشاد الديني في المناسبات الكبيرة مثل المولد النبوي؟ وهل هناك فرق في الأداء مقارنة بالأوقات الأخرى؟ الغناء الديني بالنسبة لي لا يرتبط بمناسبات معينة، إذ أمارسه بشكل مستمر لعدة أسباب, أولا، من خلال الحفلات المختلفة في الدول العربية والأجنبية، ثانيا بحكم تعييني كخبير وطني للإنشاد الديني من قبل رئيس الوزراء الأسبق، حيث أتابع فرق الإنشاد وأشرف على سير عملها, كما توليت رئاسة لجنة تحكيم مسابقة "إبداع" التي تنظمها وزارة الشباب والرياضة هذا العام في الإنشاد الديني، وأيضا لجنة تحكيم مسابقات الإنشاد التي تنظمها هيئة قصور الثقافة على مستوى محافظات مصر, وهذا يعني إن الإنشاد والمديح، سواء من خلال الغناء أو التحكيم أو التدريب، جزء لا يتجزأ من حياتي، لكن مولد حضرة سيدنا النبي له طابع خاص, فهو حياتنا وسر سعادتنا، وعندما أمدحه أشعر كأنني ملك متوج، لأنه الذي سمح لي بمدحه, وكما يقال "لا يزار ولي إلا بإذنه"، فكيف بحضرة مولانا النبي حين يأذن لي – الفقير - بمدحه؟, وهذا العام، بإذن الله، لدي العديد من الاحتفالات، وأبرزها احتفال في قصر ثقافة الأنفوشي بالإسكندرية، بدعوة كريمة من السيد محافظ الإسكندرية، الفريق أحمد خالد، وسيكون الدخول مجانا بالتعاون مع الهيئة العامة لقصور الثقافة. كيف يمكن توظيف الفن لإحياء ذكرى المولد النبوي بأسلوب حديث مع الحفاظ على أصالة الإنشاد الديني؟ إذا كان الفن القوة الناعمة، فإن الإنشاد الديني يمثل القوة الناعمة الواعية, فقد تجاوز المديح اليوم القوالب التقليدية التي كانت تركز على المدح الوصفي لحضرة النبي، مثل "يا كحيل العين" وغيرها, وأطالب فرق الإنشاد والمنشدين بالتركيز على التطبيق العملي للسيرة النبوية الشريفة, فماذا يمكن أن يقال بعد وصف الله تعالى له في قوله: "وإنك لعلى خلق عظيم"؟, لا شيء أقوى من ذلك, وفي إحدى قصائدي، قلت: "على قدري أصوغ لك المديح - ومدحك صاغه ربي صريح"، فيجب أن يأخذ الإنشاد منحى آخر, فعندما نسأل الشباب: "ماذا تعرفون عن الرسول الذي بعث فيكم؟", سنجد أن المعرفة قشور والمعلومات سطحية، بينما سيرة النبي مليئة بالمواقف والعبر والتحديات, والسؤال الذي يجب أن يطرح في كل احتفال بالمولد هو: "ماذا فعلنا في إتباع سنة النبي؟"، هذا هو جوهر الاحتفال الحقيقي عبر تدبر سيرته وسنته، وفقهه في العبادات والمعاملات والشريعة، وهذا ما ينبغي أن يجسد من خلال الفن. كيف يمكن ترجمة القيم المحمدية وأخلاق الرسول إلى نصوص وألحان تعكس عظمته وتؤثر في النفوس؟ عند صياغة القيم المحمدية في لحن أو أغنية، أحرص أن تعكس النصوص والألحان تعاليم النبي, مثلا في إحدى قصائدي استخدمت النص: "أنت فينا، أنت فينا، لا نعذب يا حبيبي وأنت فينا"، وهو مستوحى من قوله تعالى: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم". كما أنشدت: "أنا لها، أنا لها، صلوا على من قال لها صلوا عليه وسلموا، صلوا عليه ورددوا خلف المؤذن أشهد أن ألا إله إلا الله، محمد رسول الله". يجب أن يركز الإنشاد على تعاليم وقيم ودستور سيدنا محمد في كل جوانب الحياة، بما في ذلك التعامل مع جميع أفراد المجتمع بمختلف أطيافه وتصحيح الأفكار المتشددة، من خلال فهم سيرة النبي بطريقة علمية عملية تنفع الناس, والدي، رحمة الله عليه، شيخ المداحين محمد الكحلاوي، كان يقول: "اللهم اجعل فى مدحي الأثر", فما كان يقدمه ليس مجرد غناء. كيف تختار الكلمات التي تمدح بها الرسول؟ وهل تتبع معايير معينة في انتقاء النصوص التي تتوافق مع روح المناسبة؟ حياة سيدنا النبي مليئة بالإعجاز والدروس، وأدعو جميع المنشدين لقراءة السيرة النبوية بعمق, ومن خلال هذا الفهم العميق، سيشعرون ب"الوجد المحمدي" الذي يدفعهم لاختيار الكلمات التي تليق بالرسول، وبصفتي "شيخ المداحين" والخبير الوطني، أستلم العديد من النصوص من المؤلفين وأستبعد النصوص الوصفية التقليدية، موجها المؤلفين للبحث بعمق في السيرة النبوية لكتابة نصوص تليق بسيدنا محمد، وبالتالي تتاح الاختيارات المتنوعة والانتقاء سواء من القصائد القديمة أو الحديثة, فلدينا شعراء موهوبين مثل سراج الدين عبد القادر ومحسن درويش وفوزي القزاز وفوزي الليثي، وأحرص على الجلوس معهم حتى نصل إلى نصوص ذات قيمة، فهدفنا محو الأمية الثقافية لدى بعض الشباب، وتحويل الأغنية من مجرد متعة سماعية إلى مادة تربوية تعلم النشء وتصحح المفاهيم, فالإسلام والإنشاد القويم يتطلبان التوازن، دون إفراط أو تفريط. أيهما تفضل أكثر.. القصائد التراثية أم النصوص الحديثة؟ كل ما كتب عن حضرة النبي، سواء كان معاصرا أو قديما، يحتل مكانة خاصة في قلبي واهتمامي, وافضل الجمع بين القصائد التراثية والنصوص الحديثة, فالقصائد التراثية تحمل عمقا تاريخيا وأصالة تعكس تراثنا، بينما النصوص الحديثة تقدم تجديدا وتواكب تطلعات الأجيال الشابة, المزيج بينهما يعزز من تأثير الإنشاد ويجعل الرسالة أكثر شمولية. ما أحب القصائد التي تتغنى بها في مدح الرسول؟ حصلت على الدكتوراة في قصيدة "البردة" للإمام البوصيري، التي تعد من أبدع ما كتب في مدح خير البشر, وأحب أيضا قصائد سيدنا حسان بن ثابت، شاعر النبي صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى أعمال الإمام أبو العزائم، ومحيي الدين بن عربي، وقصائد أهل آل البيت مثل تلك التي كتبها سيدنا الحسن والحسين، وكذلك قصائد السيدة زينب والسيدة نفيسة, كلها قصائد تحتل مكانة خاصة في قلبي. اقرأ أيضا: «حور» وسط البلد.. فرقة بنات تمنح السكينة لمساكين الأرض ما المسئولية التي تقع على عاتق المنشدين في تقديم محتوى يعكس القيم والأخلاق النبوية بشكل صحيح وملهم؟ بالتأكيد، المسئولية كبيرة جدا, وكما أشرت، نحن نسعى لتغيير المنهج نفسه, وعندما كنت رئيس لجنة تحكيم الإنشاد الديني في مسابقة "إبداع" تحت رعاية وزارة الشباب والرياضة، كنت صارما مع بعض الشباب، وشددت على ضرورة الحفاظ على التراث المصري، ووضعت شرطا أساسيا بأن يختبر المتسابق من خلال عمل تراثي، ويمنع التلاعب في الموسيقى واللحن، والهدف الحفاظ على تراثنا وتقديمه بأعلى جودة، مع الحفاظ على أصالة القيم النبوية. كيف يمكن للموسيقى المصاحبة لقصائد مدح الرسول أن تؤثر على روحانية العمل وتجعلها أقرب للجمهور؟ بعض الناس يؤدون الأغنيات الدينية دون دراسة ووعي، مما يؤثر على جمال وهيبة ومعنى الكلمات, عندما أعمل على قصائد مدح الرسول أركز على الكلمات التي تذكر مأثره وصفاته، وأستخدم موسيقى خفيفة لتدعيم المعني دون أن تطغى على جلال الممدوح, وأطالب المنشدين بأن يكونوا حذرين، فمع الحاجة إلى الحداثة والتقنية الحديثة في المديح، يجب أن تظل الكلمة الأساس، وتكون الموسيقى ملائمة لتظل جزءا داعما وليس طاغيا على معنى وقيمة النص. ما الأنماط الموسيقية والآلات المناسبة لمرافقة الإنشاد الديني؟ لا توجد آلة ممنوعة لمرافقة الإنشاد الديني, أذكر واقعة لوالدي - رحمة الله عليه - حينما اضطر لتوظيف آلة الأورج لغياب عازف الناي وقتها عن الحفل، وأدى بها دور الناي، مما دفع سيد مكاوي إلى مداعبته قائلا: "يا أستاذنا، أنت خليت الأورج يسلم"، المهم معرفة كيفية توظيف الآلات الموسيقية بشكل يتناسب مع معنى وقيمة النص، دون إحداث صخب، فالإنشاد الديني ليس مرتبطا فقط بالناي والعود والقانون والدف، بل يمكن إستخدام توزيعات موسيقية متنوعة بشرط أن تبقى ضمن حدود تحترم القيم والمعاني. هل تعتقد أن الإنشاد الديني يمكن أن يكون وسيلة للتقارب بين الثقافات المختلفة؟ بالتأكيد، فهو يساهم في تجاوز الفجوات الثقافية وتعزيز التسامح والتفاهم بين مختلف الشعوب, المهم هو فهم ما نقدمه بوضوح, وهناك مشروع يتم تنفيذه حاليا عن دستور حضرة النبي، وهو ترجمة فعلية لما ينادي به العالم وتطالب به حقوق الإنسان, فإذا قرأنا وفهمنا هذه المبادئ بشكل صحيح سنكتشف أنها تتحدى العولمة بفاعلية، حيث تبرهن أن الدين كان سباقا في تقديم القيم الإنسانية الأساسية. كيف ترى استقبال الجمهور العالمي للإنشاد الديني؟ على حسب ما يقدم له, فهناك تجارب مثل تجربة سامي يوسف الذي قدم أعمالا دينية استقبلها الجمهور في العالم بترحيب واسع، أيضا المطرب العالمي كات ستيفنز الذي أصبح يعرف الآن بيوسف إسلام، انتقل من تقديم موسيقى الروك إلى الأناشيد الدينية، مما ساهم في نشر الدين الإسلامي بلغة سلسة وجذابة عبر الأغنيات, وكان استقبال العالم له رائعا، لأن الرسالة قدمت من نجم عالمي محبوب، بالإضافة إلى استخدام تقنيات حديثة وموسيقى ملائمة تسهم في توصيل الرسالة بفعالية, وكان سببا في إسلام العديد من الأشخاص خلال احتفالية قام بها. هل هناك مشاريع جديدة تعمل عليها حاليا؟ هناك عدد من الأعمال الجديدة، من بينها أوبريت عالمي بعنوان "أنا مؤمن" يشارك فيه عدد كبير من الفنانين، منهم محمد الحلو، المطرب السوداني حسن والمبتهل وائل الفشني, ومن المقرر أن يشارك في الكوبليه الأخير المطرب العالمي كات ستيفنز, ونسعى أن تكون هذه الملحمة عملا عالميا بارزا.