أثار إعلان إيران بنقلها اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ إلى مناطق آمنة قبل الضربة الأمريكية على مفاعل فوردو ردود فعل واسعة النطاق، خاصة وأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية طالبت الجانب الإيراني بضرورة معرفة مكان اليورانيوم المخصب بعد نقله في ذلك المكان الآمن، وهو ما أثار المخاوف حول استئناف إيران لبرنامجها النووي مرة أخرى حتى لو تم التوصل لاتفاق مع الجانب الأمريكي. وذكرت صحيفة ذا ناشيونال نقلًا عن مختصين أن إيران لن تتمكن من صنع قنبلة نووية "لسنوات"، حتى لو نجحت في حماية اليورانيوم المخصب لديها من الضربات الجوية، بسبب الأضرار التي ألحقتها القاذفات الأميركية بمنشأة فوردو، حيث يمكن لأجهزة الطرد المركزي تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء عالية بما يكفي لصنع قنبلة. وأضافت الصحيفة أنه بعد التقارير التي تفيد بأن إيران تمكنت من إزالة 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ من فوردو، هناك اعتقاد بأن ذلك سيسمح لطهران بمواصلة برنامجها النووي بمجرد توقف القصف. وفي هذا الإطار أكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بأن "الضربات لا يمكن أن تدمر المعرفة التي اكتسبتها إيران على مدى عقود، ولا أي طموح للنظام لاستخدام تلك المعرفة لبناء سلاح نووي". وفي تصريح أمام البرلمان، أضاف أنه "بمجرد أن تتمكن من تخصيب اليورانيوم إلى 60٪ فإن هذه المعرفة لن تضيع، بل ستكون خطوة نحو الحصول على سلاح متطور". ودعا طهران أيضًا إلى "تهدئة هذا الأمر والتفاوض" لأن البديل سيكون "صراعًا أكثر تدميرًا وبعيد المدى، والذي يمكن أن تكون له عواقب لا يمكن التنبؤ بها". لكن عددا من الخبراء قللوا من احتمالية حصول إيران على السلاح النووي خاصة بعدما أصبحت خطوات تحويل اليورانيوم إلى سلاح نووي أكثر صعوبة على إيران، فبدون تخصيب اليورانيوم إلى 95٪، يستحيل إحداث تفاعل متسلسل وانفجار نووي، وفقًا لما نقلته الصحيفة عن هاميش دي بريتون جوردون، خبير الأسلحة النووية. وأضاف أن "تحويل هذا اليورانيوم المخصب إلى يورانيوم عسكري بنسبة 95٪ يتطلب منشأة بها أجهزة طرد مركزي وكل المعدات الأخرى". واعتبر أن هذه معدات معقدة للغاية، وتحتاج إلى المعرفة اللازمة لتشغيلها، ولا تملك إيران القدرة على صنع سلاح نووي، ومن غير المرجح أن تتمكن من ذلك لفترة طويلة، ربما لسنوات. وأشار مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إيران سوف "تتخذ تدابير خاصة" لحماية برنامجها في حالة الحرب، وأن النظام أخطرهم بالفعل بموقع جديد للتخصيب كان من المقرر أن يتفقدوه قبل بدء الهجوم الإسرائيلي. لكن رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أشار إلى أن القصف الأمريكي قد دمّر البرنامج. وقال: "بالنظر إلى الحمولة المتفجرة المستخدمة، والطبيعة شديدة الحساسية للاهتزازات لأجهزة الطرد المركزي، يُتوقع حدوث أضرار جسيمة". وتشير التقارير الاستخباراتية إلى أن إيران كانت قريبة من تخصيب اليورانيوم إلى 95٪ في غضون ثلاثة أيام باستخدام أجهزة الطرد المركزي في فوردو، ولكن مع تدمير هذه الأجهزة الآن سيكون من الصعب تحقيق ذلك. وتشير التقارير إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية تعلم أن إيران تمتلك كميات من اليورانيوم المخصب بدرجة عالية مخبأة، ربما في أصفهان، وهو ما كان أحد الأسباب التي أدت إلى حملة القصف التي شنتها. وسوف تحتاج إيران إلى إعادة بناء المنشآت، ورغم أن هذا قد يستغرق عدة أشهر، فإن العديد من الأجزاء سوف يتعين استيرادها، مع وضع وكالات الاستخبارات في حالة تأهب قصوى، بالإضافة إلى صعوبة الأمر في ظل مقتل ما يصل إلى 17 عالمًا نوويًا، وتدمير أوراق بحثية ومختبرات. ورغم أن لديها بعض المعرفة المؤسسية المتبقية، إلا أنه سيكون من الصعب إعادة بنائها. وتعد المشكلة الرئيسية التي تواجه إيران هي أنها تحتاج إلى تحويل سادس فلوريد اليورانيوم المخصب إلى معدن صلب مرة أخرى، وهو ما يتطلب تدمير المختبرات والمصانع التي تم تدميرها الآن. ويبدو أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية نجحت في التسلل إلى مؤسسات النظام الإيراني النووية، مما يجعل من الممكن لخصوم إيران أن يعرفوا أو يتمكنوا من معرفة أين ذهب اليورانيوم. واعترف دي بريتون جوردون، العقيد السابق في الجيش البريطاني، بأن "من الممكن إخفاء اليورانيوم بسهولة إلى حد ما لأنه لا يصدر إشعاعات قوية للغاية"، وإذا تم قصفه فسوف يسبب تداعيات إشعاعية قليلة للغاية. لكن ماريون ميسمر، الخبيرة النووية في مركز تشاتام هاوس للأبحاث، قالت إن من غير المرجح أن تدمر منشأة فوردو ومواقع التخصيب الأخرى التي تعرضت للهجوم البرنامج الإيراني بأكمله. وزعمت أن الهجمات من شأنها أن "تشجع إيران في سعيها للحصول على الأسلحة النووية، حيث من المرجح أن يُنظر إليها الآن على أنها الضمانة الأمنية الوحيدة". وأضافت داريا دولزيكوفا، المتخصصة في الشؤون النووية في معهد الخدمات الملكية البريطانية، أن التدمير المادي للبنية التحتية للبرنامج والاغتيالات "لن تكون كافية لتدمير المعرفة الكامنة الموجودة في البلاد". وفي أفضل الأحوال، قد تتمكن إيران من إنتاج "جهاز نووي مرتجل" بسرعة باستخدام اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪، ولكن هذا لن يكون أكثر من قنبلة قذرة من شأنها ببساطة نشر الإشعاع حول منطقة ما دون إحداث تأثير مميت بشكل خاص. وقالت الدكتورة ميسنر إنه في حين أن القنبلة القذرة لا تتطلب سوى حمولة تقليدية وبعض المواد المشعة، فإن ذلك يتعارض مع هدف إيران المتمثل في امتلاك ترسانة نووية. وأضافت: "إن استخدام جزء من مخزونها المحدود لصنع قنبلة قذرة سيكون إهدارًا للوقت. كما أن عواقب استخدام قنبلة قذرة ضد إسرائيل ستكون وخيمة للغاية علي الأرجح. فالقنبلة القذرة لا تُشكل قوة ردع".