أصيبت أروقة الحكم في أوروبا بعدوى الشارع الغاضب على العدوان الإسرائيلي على غزة، وتعالت الأصوات الأوروبية الرسمية منددة ومحذرة دولة الاحتلال من استمرار الحصار الخانق المفروض على سكان القطاع، والعدوان الغاشم الذي يحصد المزيد والمزيد من الشهداء والمصابين كل ساعة. وبدا الدول الأوروبية مؤخرا شبه موحد ضد إسرائيل، على مستوى بيانات الإدانة بالإضافة إلى المطالبات بمراجعة عدد من الاتفاقيات المبرمة مع تل أبيب، إلى آخره مما يمكن أن نطلق عليه تغيرا مفاجئا وملحوظا في المواقف الأوروبية تجاه العدوان على غزة، المستمر منذ السابع من أكتوبر 2023. وبدأ الاتحاد الأوروبي في محاولة الضغط على إسرائيل، وأكدت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، أن اتفاقية التجارة بين التكتل ودولة الاحتلال ستخضع للمراجعة، في ظل الوضع الكارثي في قطاع غزة. وأوضحت كالاس أن أغلبية قوية من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المجتمعين في بروكسل يؤيدون مثل هذه المراجعة لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد وتل أبيب، في ضوء الأحداث في القطاع الفلسطيني. ووصفت كالاس خلال مؤتمر صحفي في بروكسل أمس الثلاثاء المساعدات التي سمحت إسرائيل بإدخالها إلى غزة، بأنها " قطرة في محيط" في ظل الوضع الكارثي بغزة، لافتة إلى أنه يجب أن تتدفق المساعدات على الفور، دون عوائق وعلى نطاق واسع، لأن هذا هو المطلوب. وأشارت كالاس إلى أن عقوبات الاتحاد الأوروبي على المستوطنين الإسرائيليين الذين يمارسون العنف أعدّت بالفعل، لكن دولة عضوًا تعرقلها حتى الآن، دون أن تسمي هذه الدولة. وفي نفس السياق، قال وزير خارجية هولندا كاسبار فيلدكامب، إن القلق الذي نشعر به حيال الوضع في غزة يتشاطره معنا على نطاق واسع الاتحاد الأوروبي، مضيفا أن الضغط يتزايد على إسرائيل والمساعدات الواصلة إلى قطاع غزة لا تزال قليلة جدا، موضحا أنه يجب السماح بدخول مساعدات إنسانية ضخمة إلى قطاع غزة. وأوضح قائلا: "نضغط على الاتحاد الأوروبي لمراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل"، مشيرا إلى أن بلاده تدعو مع فرنسا ودول أخرى إلى فرض عقوبات على المستوطنين العنيفين في الضفة الغربية. وارتفعت أمواج التعاطف مع غزة، لتمتد إلى إعلان دول أوروبية عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث أكد رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا بايرو، أمس الثلاثاء، التحرك للاعتراف بدولة فلسطينية، كما تنوي فرنسا والمملكة المتحدة وكندا فعله قريبًا، "لن يتوقف". وأوضح بايرو، أمام مجلس النواب الفرنسي: "للمرة الأولى، قررت ثلاث دول كبرى.. بريطانياوفرنسا وكندا، أنها ستعترض معًا على ما يحدث" في قطاع غزة و"أن تعترف معًا بدولة فلسطين". وأضاف "هذا التحرك الذي انطلق، لن يتوقف". وجاءت تصريات بايرو خلال رده على ماتيلد بانو، زعيمة كتلة حزب "فرنسا الأبية"، التي سألته عما إذا كان ينوي "الاعتراف بدولة فلسطين بعدما لم يبق هناك من فلسطينيين"، بحسب تعبيرها للتنديد بممارسات إسرائيل بحقهم. وقبل هذه التصريحات كانت هناك موقف قوي من قادة الدول الثلاثة فرنساوبريطانيا وكندا، حيث أكدوا "لن يقفوا مكتوفي الأيدي" في مواجهة ما وصفوه ب"الأفعال المشينة" التي ترتكبها حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو في غزة، مهددين باتخاذ "إجراءات ملموسة" إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري ولم تسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. وفي سابقة نادرة، استدعت وزارة الخارجية البريطانية، السفير الإسرائيلي تسيبورا حوتوفلي بسبب العدوان على غزة وعنف المستوطنين في الضفة الغربية. وأعلنت الخارجية البريطانية أن المملكة المتحدة علقت مفاوضاتها التجارية مع إسرائيل، وفرضت عقوبات على مستوطني الضفة الغربية، موضحة أن مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين المملكة المتحدة وإسرائيل "متوقفة رسميًا... بأثر فوري"، مضيفةً أنه "من غير الممكن المضي قدمًا في المناقشات حول اتفاقية تجارة حرة جديدة ومُحسّنة مع حكومة نتنياهو التي تنتهج سياساتٍ فاضحة في الضفة الغربيةوغزة". وسبق الموقف الأوروبي الغاضب ضد إسرائيل، توتر العلاقات بين تل أبيب وواشنطن، حيث كشفت مصادر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خير إسرائيل بين إنهاء الحرب في غزة أو التخلي عنها. وأوضحت المصادر لفضائية "العربية" أن الضغط الأمريكي لإبرام صفقة في غزة جاء بعد ضغط خليجي غير مسبوق.