رئيس جامعة بنها يتفقد سير الامتحانات بكليتي الآداب والتجارة - صور    محافظ بني سويف يستقبل رئيس المجلس القومي للمرأة    ضبط 4 متهمين بسرقات متنوعة في الشرقية والإسماعيلية والسويس    «مستقبل مصر».. نقطة الانطلاق لتحقيق حلم الدلتا الجديدة    «الإسكان»: طرح 15 ألف وحدة سكنية ضمن مبادرة «سكن لكل المصريين»    قبل عيد الأضحى 2025.. هل ارتفعت أسعار الأضاحي؟ رئيس الشعبة يجيب    وزير الخارجية: 100 مليون دولار لتمويل البنية التحتية لدول حوض النيل الجنوبي    توقف الرحلات الجوية بمطار شيريميتييفو شمال موسكو إثر هجمات أوكرانية    قوات الاحتلال تطلق النار على وفد دبلوماسي أوروبي عند المدخل الشرقي لمخيم جنين    تصعيد دموي جديد في بلوشستان يعمق التوتر بين باكستان والهند    بابا الفاتيكان يناشد لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة    "سيتم الإعلان على الملأ".. شوبير يعلن موعد رحيل زيزو عن الزمالك رسميا    "لمدة شهر؟ غير صحيح".. الزمالك يفجر مفاجأة بشأن موعد رحيل الرمادي    «سيظل أسطورة».. شوبير يلمح إلى رحيل نجم الأهلي    «بنسبة 100%».. شوبير يكشف مفاوضات الأهلي مع مدافع سوبر    القبض على صيدلي هارب من 587 سنة سجن بمحافظة القاهرة    مصرع طفل داخل بيارة بالإسماعيلية    رسالة جديدة من مها الصغير بعد انفصالها عن أحمد السقا    إنفوجراف | أبرز تصريحات الرئيس السيسي خلال احتفالية موسم حصاد القمح 2025    «فار ب 7 أرواح» يفاجىء أبطاله بإيرادات ضعيفة بعد 49 ليلة عرض (تفاصيل وأرقام)    في اجتماع استثنائي.. «التأمين الشامل» يناقش طلبات النواب حول «تحديات المنظومة» ببورسعيد    وزير الصحة يستجيب لاستغاثة أب يعاني طفله من عيوب خلقية في القلب    بعثة بيراميدز تطير إلى جنوب إفريقيا استعدادا لمواجهة صن داونز في دوري أبطال إفريقيا    إزالة 12 مخالفة بناء بمدينة الطود ضمن أعمال الموجة 26    محافظ القليوبية يَشهد إحتفالية ختام الأنشطة التربوية بمدرسة السلام ببنها    تحرير 151 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    «الحماية المدنية» بالفيوم تنجح فى إنقاذ "قطتين" محتجزتين بأحد العقارات    مباحث تموين المنوفية تضبط كيانات مخالفة لإنتاج وتوزيع منتجات غذائية    وزير خارجية تركيا: الحرب الروسية الأوكرانية تشهد نقطة تحول على طريق الحل الدبلوماسي    «التضامن الاجتماعي» تشارك في احتفالية «جهود الدولة في تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة» بالنيابة الإدارية    لمواليد برج الحمل.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من مايو 2025    خلال 24 ساعة.. ضبط 49941 مخالفة مرورية متنوعة    ضبط شركة سياحية غير مرخصة بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين    قبل أيام من حلوله.. تعرف على أبرز استعدادات السكة الحديد ل عيد الأضحى 2025    «حبة الكرز».. كيف علق جوارديولا على إهدار دي بروين لأسيست مرموش أمام بورنموث؟    "هندسة بني سويف الأهلية" تنظم زيارة لمركز تدريب محطة إنتاج الكهرباء بالكريمات    السيسي: تمهيد الأراضي الزراعية أمام القطاع الخاص لدفع التنمية    تراجع سعر الجنيه الاسترلينى بمنتصف تعاملات اليوم الأربعاء 21-5-2025    بعد زواج 26 عاماً.. أحمد السقا يعلن انفصاله عن مها الصغير    وزير الثقافة يستقبل ولي عهد الفجيرة لبحث آليات التعاون الثقافي وصون التراث ويصطحبه في جولة بدار الكتب بباب الخلق    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    فتاوى الحج.. دليلك في حالة المرض    أسعار الحديد والأسمنت في السوق المصرية اليوم الأربعاء 21 مايو 2025    محافظ أسيوط يتفقد مدرسة النيل الإعدادية ويكرم أوائل دوري المدرسة الرياضي    اليوم العالمي للشاي.. قصة اكتشافه وأساطير متعلقة به في الثقافة الصينية    استخراج جسم معدني خطير من جمجمة طفل دون مضاعفات بمستشفى الفيوم الجامعي    بالصور- محافظ أسيوط ينقل مريضة بسيارته الخاصة لاستكمال علاجها    هل يجوز سفر المرأة للحج بدون مَحْرَم؟..الأزهر للفتوى يجيب    أحمد سيد زيزو في جلسة تصوير برومو مع الأهلي    محمود الخطيب يرد على تساؤلات من أين يأتي الأهلي بأمواله؟    وزير الخارجية الأمريكي: لم نناقش ترحيل الفلسطينيين إلى ليبيا    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    المستشار محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية اجتهاد وليس كتابا مقدسا.. لا شيء في العالم عليه إجماع    مقتل رقيب إسرائيلي من الكتيبة ال82 خلال معارك في غزة    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    ملحن آخر أغنيات السندريلا يفجّر مفاجأة عن زواج سعاد حسني وعبدالحليم حافظ سرا    «منصة موحدة وكوتا شبابية».. ندوة حزبية تبحث تمكين الشباب وسط تحديات إقليمية ملتهبة    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العملاق مصطفى بيومي.. أديب عشق الكتابة
نشر في البوابة يوم 10 - 02 - 2025

فقيرة تلك اللغة التى لا تٌنبت صبارًا أو ريحانًا على قلوب تآلفت، تحابت، انصهرت واندمجت حتى صارت قلبًا واحدًا ثم تفتتت على صخرة يسمونها سنة الحياة، مزقها جبروت الذى يطلقون عليه "الحقيقة الوحيدة" فى هذه الدنيا! أحببت الأستاذ مصطفى بيومى كما لم أحب أحدًا بعد والدي، واستمعت إليه بشغف، تتلمذت على يديه دون أن يقصد هو ذلك أبدًا. أستمع إليه عبر الهاتف فأدون ما يقول بالحرف، اجتمع معه فى صحبة دون ثالث، يشاطرنا المحبة والأنس والسمر، فتتحول ذاكرتى الهشة إلى حافظة واعية لكل كلمة نبس بها أستاذي، فأعود إلى بيتى ناثرًا كل ما رٌزقت به من اللآلئ والنفائس على صفحات أجندتى الأثيرة فلا تضيع هذه الكنوز أبدًا.
الأستاذ مصطفى بيومى هو الإنسان البسيط؛ "إنسان" بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان عظيمة وسمو جعل الله الملائكة تسجد له! إنسان لا حد لوضوحه، لا نهاية لعطائه، أديب عشق الكتابة، موسوعى أدمن القراءة، ناقد يزن حروفه بميزان الذهب، جاد حد الصرامة، متواضع دون ابتذال، اعتاد السكينة، يعشق الجمال، معطاء، ربما يجور على نفسه وحقه كثيرًا!
يقرأ ويكتب فى خلوته المقدسة، ناسكًا متعبدًا، لا يروم إلا الصفاء والهدوء، لا يرجو من دنياه إلا أن يظل ممسكًا بقلمه، ليكتب حتى يلقى ربه! الكتابة شغفه، عشقه الأول والأخير، لا يسعى إلى مجد أو شهرة، يحترف الصمت، ينصت باهتمام، ينصح بإخلاص، لا يريد جزاءً ولا شكورًا.
لا أستطيع أن أضع "كان" فى جملة على شرفها يتربع الأستاذ هادئًا مطمئنًا. فليس إنصافًا أن نتجاوز فى حق مَن أعطى كل سنوات عمره للفكر والإبداع والثقافة والوطن دون انتظار لمردود أو مكاسب أبدًا فنعده من "الأموات" وننكر خلوده!
"ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون".. وأنا "على حسن" أشهد الله على أن هذا الإنسان العظيم جاهد فى سبيل الكلمة، بذل جٌل ماله من أجل الكتاب والثقافة، عمل بكل طاقته من أجل أمة يؤمن إيمانًا راسخًا بأنها "الأمة المصرية" تستحق كل ما هو أفضل وأعظم مما هى فيه.
لم يكتف العملاق مصطفى بيومى بطاقاته الجبارة فى المثابرة والمداومة المذهلة على القراءة والكتابة فى صومعته، فإذا به يتجاوز طاقته هذه إلى الحد الذى لم يحتمل بنيانه الضعيف وجسده الضئيل وعزوفه عن الطعام لساعات طويله، واكتفائه بالتدخين والكافايين من شاى وقهوة فانهار هذا الجسد ولم يصمد طويلًا أمام أحلام جبارة ورغبات مهولة يريدهما صاحبه الجبار، ويطوق إلى تحقيقهما!
إنه الأستاذ مصطفى بيومي؛ الذى كتب الله لى أن أصبح أحد تلاميذه المخلصين، وهو ينكر أن له تلاميذ!
ليس لأنه لم يكن أستاذًا لكل الذين اقتربوا منه، ينهلون من علمه وأدبه وثقافته الموسوعية، وإنما لتواضعه، حد إنكاره أنه أستاذ، له حواريون!
ينكر أستاذيته فيقول: (.... ليس لى تلاميذ أبدًا. لم أفكر يومًا فى هذا، بل ليست مطروحة فى مخيلتى نهائيًا، بل العكس صحيح، لو أن هناك علاقة تجمع بينى وبين شخص، يصغرنى بثلاثين عامًا فى المجال الثقافي، فإنى أتعلم منه، التعليم المتبادل هو الأصح والأهم. إذا تفوقت على هؤلاء الشباب بالقراءة والثقافة بحكم السن، فإن هؤلاء الصغار على وعى عظيم بإيقاع الحياة، لأنهم الأصغر سنًا، والأقدر على التكيف، وهى ميزة مهمة، ربما لا نستفيد منها. إن فكرة الأستاذية فى المجال الأدبى أو النقدي، غير جيدة؛ ربما تكون مقبولة فى المجال الأكاديمي، حين تناقش رسالة الماجستير أو الدكتوراة مع أستاذك، فتتأثر به وبفكره، مثل شكرى عياد، لويس عوض، عز الدين إسماعيل، عبد المحسن طه بدر، كل هذه الأسماء العظيمة، تستطيع بحكم وظيفتها الأكاديمية، أن تمارس الأستاذية على طلابها داخل الجامعة، لكن نجيب محفوظ مثلًا، وهو مَن هو فى الأدب والرواية، هل له تلاميذ؟ الحقيقة أن نجيب محفوظ أب كبير، والحقيقة أيضًا أنه يُخَرِّج لنا أبناء كثر، لكنهم مختلفون عنه، وهذا أعظم ما فيه. الخراب العظيم حين يحب الابن والده فيقلده؛ الأستاذ يعلم تلاميذه منهجًا، أساسه هو أنك لابد أن تكون مختلفًا عني. هذه هى تجربتى مع الأستاذ نجيب محفوظ، الذى أحبه جدًا، ولكن لم أفكر لحظة واحدة فى تقليده.).
هذا هو فكر الأستاذ؛ الملتزم دائمًا بالإنسان، والمهموم بقيمته وإعلاء شأنه، لم يكن يومًا ملتزمًا بنظرية سياسية، أو قضية دينية، أو مذهب أخلاقي، أو شعارات، إن التزامه الوحيد ككاتب هو التزامه بالإنسان، ويؤمن أشد الإيمان بأن الإنسان مخلوق عظيم، فى قوته وضعفه، جدير بالتعاطف أيًا كان وضعه.
تكمن عظمة الإنسان فى هذا المزيج الفذ، خليط القوة والضعف، فلا يوجد بشر معقمون، ماكينة ألمانية تمشى على قدمين دون خطأ أو عيب، فإذا أردت هذه النوعية من البشر، فأنت تسطح الشخصية الإنسانية!
هذا الأديب العاشق للكتابة، هو فى الحقيقة عاشق للتطهر؛ يرى الأزمات التى يحياها تفجر مجالًا للكتابة الجيدة، هذه الكتابات "الجيدة" تُعد نوعًا من العلاجات زهيدة الثمن. اندماج الكاتب فى عمل أدبى جديد، هو نوع من التطهر، يحدث بالاندماج والكتابة. ربما هذه الكتابة لن تأتى بالمال والشهرة، لكنها تحدث إشباعًا لا مثيل له، يجعل الكاتب متوافقًا مع الحياة، قادرًا على المواصلة. التطهر الحادث بالكتابة، هو حائط صد ضد الأمراض النفسية، ونعمة عظيمة منحها الله لعدد قليل جدًا من الناس، هم الكتاب الحقيقيون، أما هؤلاء الذين لا يكتبون ولا يقرأون، هم مشغولون دائمًا بما يتعرضون له من أزمات، وشعور بالضعف وعدم القدرة على الصمود، على التأثير، على الاستيعاب والتحقق والاستمتاع بالحياة.
كيف سيقضى راهب الفكر والأدب حياته السرمدية دون أن يمارس الشيء الوحيد الذى عشقه فى حياته؟ كيف سيصبر مصطفى بيومى على فراق كتابه وقلمه؟ كيف ستمر عليه الساعات والأيام دون أن يعيد قراءة "المسيح يصلب من جديد" و"الإخوة الأعداء"؟.. أنا على يقين أن اللحظة الأولى للأستاذ مصطفى بيومى فى عالمه الجديد الرحب السماوي، سوف يفتش عن أحبابه وأصدقائه، سوف ينادى على كازانتزاكيس، نجيب محفوظ، تشيخوف، يحيى حقي، النفري، يوسف إدريس، البحتري، صلاح جاهين. سوف يعيش معهم فى صومعتهم، جنتهم، عالمهم السحري، سوف يقدمون إليه نخب الترحيب وسلامة الوصول، والانعتاق من عالم دنيوى أنوى مشوه!
أكاد أجزم بأن هؤلاء الأنبياء الأفذاذ يقودهم "أبو العلاء المعري" سوف يرقصون رقصة "زوربا" ترحيبًا بصديق لهم طال انتظارهم له. إنه حفل استقبال أسطورى لهذا الإنسان الوديع الفذ "مصطفى بيومي"، فى أجواء شتوية يعشقها الأستاذ، وكم تمنى أن يكون العام كله "ديسمبر".
أرى الآن بعينى الدامعتين "الأستاذ" بين أيديهم مرحبين به، يسألونه: "ماذا تحب أيها الصديق الذى طال انتظارنا له وتمنينا قدومه؟".
وها أنا أسمع "الأستاذ" يجيبهم فى خجله المعتاد قائلًا: لنبدأ بسورة "الجن" بصوت صديقى الأثير الشيخ "محمد رفعت" ثم نستمع إلى طقطوقة "يمامة بيضا" التى وضع فيها صديقى المصرى اليهودى "داوود حسني" كل عصير الشجن الممكن تخيله، أسمعها بصوته إن أمكن، أو بصوت الست "منيرة المهدية" أو لصاحب الصوت الأجش الصادق الشيخ "زكريا أحمد".. فأنا أحب "يمامة بيضا" لأنها تعبر عن الفقد الجميل، وأنا تركت فى الدنيا أناس أحببتهم وأحبوني، أعتقد أنهم مثلكم يا رفاق، يشتاقون إليً كما كنتم تشتاقون إليً وزيادة!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.