«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اهتمام واسع بصدور الجزء الثانى من «أحلام فترة النقاهة» لأديب نوبل نجيب محفوظ «3»
نشر في الشروق الجديد يوم 09 - 09 - 2015

اهتمام واسع لصدور جزء ثان «أحلام فترة النقاهة» للأديب العالمى نجيب محفوظ، الذى سيصدر قريبا عن دار الشروق، من نقاد وكتاب كبار، مثل د. حسين حمودة أستاذ الأدب بجامعة القاهرة، الذى جلست معه أربع ساعات نتحدث عن «أحلام فترة النقاهة» الجزء الأول والثانى.
وطوال الجلسة يؤكد د. حمودة رئيس تحرير دورية نجيب محفوظ التى تصدر فى ديسمبر من كل عام، أن «أحلام فترة النقاهة كنز حقيقى للإبداع فى العالم»، و«أن الجزء الثانى من الأحلام التى ستنشر استكمالا لإبداع محفوظ فى الجزء الأول».
ولمست سعادة بالغة من الكتابين الشابين المتميزين أحمد مراد وحسن كمال، وكذلك اهتمام من الكاتب حلمى النمنم رئيس دار الكتب والوثائق القومية، وشعرت بسعادة صافية من الأديب الكبير بهاء طاهر حينما عرف نبأ صدور الجزء الثانى من الأحلام.
ولنا أن نعرف أن نجيب محفوظ ذكر بهاء طاهر فى كراسة تدريباته، حسب د. يحيى الرخاوى الذى كتب فى مقالاته عن تلك الكراسة: «هل يا ترى جاء اسم بهاء طاهر عفوا بعد اسم الشاعر بهاء زهير، هذا كثيرا ما يحدث فى التدريبات، لكننى أعرف مكانة بهاء طاهر عند شيخنا «يقصد نجيب محفوظ»، وحين يقدر شيخ الرواية راويا بهذا التميز فهو أمر يستحق الاحترام والعناية، مع أننى لم أر وجه شبه بينهما، فكلاهما متميز بطريقته، وهذا من أروع ما نصادفه عند المبدعين الحقيقيين».
وفى السطور التالية نستكمل نشر آراء كتاب وأدباء حول أحلام فترة النقاهة: بهاء طاهر، أحمد مراد، حسن كمال، وحلمى النمنم.
بهاء طاهر: «أحلام فترة النقاهة» أجمل ما كتبه محفوظ
صدور جزء ثان من «أحلام فترة النقاهة» للأديب الكبير نجيب محفوظ خبر مفرح لكل القراء فى العالم، وهى خطوة جميلة من دار الشروق لحرصها على نشر عمل جديد لأديب نوبل، خاصة أنها تخص أحلام فترة النقاهة أجمل وأبدع ما كتب محفوظ، حيث نجد فيها الصوفى والشعرى والمزج بينهما. والأديب نجيب محفوظ يحمل فى وعيه وفكره وأدبه حضارتين، هما الحضارة الإسلامية من جهة والحضارة الفرعونية من جهة أخرى، مما أثر فى نتاجه وأدبه بشكل لافت، فضلا عن تأثره بالفلسفة بشكل كبير، لذلك فهو من أكثر الروائيين المصريين تسطيرا لتاريخ مصر القديمة فى رواياته. وكتابات نجيب محفوظ فتحت باب الحلم لثورة 25 يناير، حيث عبر عن هموم المواطن البسيط، وحياته اليومية فى معظم رواياته، إضافة إلى المزج بين العامية والفلسفة المستوحاة من قضايا وهموم الحارة، وظهر ذلك فى شخصية الفتوة.
وبهذه المناسبة أتمنى أن يتغير الخطاب الثقافى إلى الأفضل، فمازلنا نتعامل مع الثقافة كأنها أمر شرفى يتلخص فى جوائز ومهرجانات واحتفالات، لكن لم نفكر فى تحويلها إلى جزء من المجتمع، وأتذكر عندما كنت فى الثانوية كان الدكتور طه حسين وزيرا للمعارف، وكان يرى أن فى القراءة الحرة ثلث المناهج التعليمية، وهو ما قام بتطبيقه أثناء ولايته للوزارة، وقد وزعت علينا فى المدارس كتب مجانية للقراءة فقط، وبفضل هذه التجربة بدأ الكثير من الناس يهتم بالقراءة والثقافة، وتقرر بعدها دراسة عبقريات العقاد وكفاح طيبة لنجيب محفوظ، وتعلم التلاميذ اللغة من كلمات كبار المثقفين فى المجتمع، لكن الآن للأسف يتم فرض على التلاميذ نصوص أكل الدهر عليها وشرب وعدم ربطهم بالثقافات المعاصرة.
سعيد جدا بصدور الجزء الثانى من «أحلام فترة النقاهة»، وأشكر دار الشروق على جهدها فى صدور هذه الأحلام بالذات؛ لأنها بها خلاصة الجدل الفلسلفى الذى مارسه نجيب محفوظ فى أعماله خاصة «أصداء السيرة الذاتية»، وفى «أحلام فترة النقاهة» أيضا.
حلمى النمنم: نجيب محفوظ.. اكتشاف جديد
مجموعة جديدة من «أحلام فترة النقاهة»، تم اكتشافها أخيرا، وسوف تقوم «دار الشروق» بنشرها قريبا فى كتاب، بحكم أن نجيب محفوظ منح الدار حق نشر كل أعماله، وكانت جريدة الشروق نشرت قصة هذه الأحلام الجديدة، التى تتجاوز المائتى حلم، لذا فإن تناول مضمون هذه الأحلام بالدرس والتأمل، يتوقف إلى أن يتم نشرها.
الأحلام الجديدة لم يكتبها محفوظ بخطه، كما هو الحال فيما سبق من بعض الأحلام التى نشرت له، بمجلة «نصف الدنيا» أولا، تلك الأحلام كان يكتب بعضها بخط يده، وكان واضحا مدى المعاناة التى تكبدها فى الكتابة بعد العملية الإرهابية التى تعرض لها، الأحلام الجديدة تثبت أن خياله وموهبته فى السنوات الأخيرة كانت أقوى من قدرة يده على الكتابة، فراح يملى على بعض المحيطين به، خاصة الحاج صبرى سكرتيره الذى أكد فى حواره للشروق أن «محفوظ كان يحفظ الحلم ثم يمليه كلمة كلمة بدقة شديدة».
تفتح مجموعة الأحلام أفقا جديدا حول عمر المبدع، وهل للموهبة سن تتألق عندها أو تتوقف.. هل المسألة مرتبطة بالسن أم بالحالة الذهنية والنفسية؟ كان محفوظ على حافة التسعين من العمر وهو يملى تلك الأحلام وربما تجاوزها، وهى سن يراها كثيرون منا، مناسبة للتقاعد وللتوقف عن أى إنجاز، والجلوس على أريكة فى حديقة لانتظار ملاك الموت، لكن محفوظ يكذب ذلك التصور، وإن لم يكن الأول فى ثقافتنا المعاصرة الذى يفعل ذلك، ظل لطفى السيد يتمتع بذاكرة حية والتفكير العميق وهو فى التسعين، وكذلك كان دكتور إبراهيم بيومى مدكور رئيس مجمع اللغة العربية، ونعرف الآن أن دكتور طه حسين كان يجهز فى صيف سنة 1972 وكان جاوز الثمانين، لمواصلة كتابه «الأيام» حتى يصل به إلى الجزء الثامن وكتاب «الفتنة الكبرى» ليصبح فى أربعة أجزاء.
لا يرتبط الإبداع بمرحلة عمرية، بل بحالة ذهنية فى المقام الأول، نجيب محفوظ نفسه توقف عن الكتابة بين عامى 1952 و1957، حتى تصور أنه لن يعود إليها ثانية، وكان عفيا وشابا.
الاكتشاف الجديد لمحفوظ يلقى بالمسئولية علينا، سواء كنا باحثين أو ناشرين، وهى التواضع العلمى والتريث حين نطلق حكما بأن لدينا الأعمال الكاملة لمبدع أو مفكر بعينه، بات عندنا ولع خاص بهذه التسمية «الأعمال الكاملة»، ومعظم إن لم يكن كل من قيل إن أعمالهم الكاملة نشرت، تبين بالبحث أنها ليست كاملة، وأن هناك أعمالا أخرى لصاحبها لم يتم رصدها، ولا جمعها، فضلا عن نشرها؛ كانت إحدى دور النشر اللبنانية قامت بنشر ما أسمته الأعمال الكاملة لمحفوظ فور حصوله على نوبل، وكانت تسمية متعجلة، وأتمنى أن لا تكون أحلام فترة النقاهة، هى آخر الاكتشافات بالنسبة لعظيم الإبداع والكتابة نجيب محفوظ.
أحمد مراد: نجيب محفوظ أديب صعب التكرار
الأستاذ نجيب محفوظ من الكتاب الذين بدأوا الكتابة ولديهم مشروع، وهذا نادر فى عالم الأدب. كان له هدف من البداية، سواء عندما كتب عن مصر القديمة أو عندما انتقل إلى عالم الحارة المصرية. ثم تأتى «أحلام فترة النقاهة» تتويجا لمشروع محفوظ الأدبى، حيث مارس قمة الإبداع فى منطقة جديدة من عالم الكتابة وهى تجربة مثيرة لسببين: الأول أن محفوظ لآخر يوم فى عمره ظل يبدع، الثانى أن محفوظ وصل لقمة الاختزال والتجريب.. عادة التجريب الأدبى يتم فى مرحلة متقدمة من حياة الكاتب إلا أن محفوظ جرب طريقا جديدا فى لحظة فارقة عصيبة من حياته، وهو أديب وصل بالفعل للقمة.
أتصور أن الأستاذ نجيب محفوظ لو ما يزال معنا كان ليقول: «ما زلت أشعر أن لدى الكثير.. مازلت أريد التجريب وطرق مناطق وأساليب جديدة.. لولا العمر».
حسن كمال: محفوظ مبدع القصة القصيرة
أحلام فترة النقاهة أو ما يمكن أن نطلق عليها حقائق فترة النقاهة.. وهنا فى رأيى هى فترة نقاهة من كل صراعات الحياة وضغوطها.. الفترة التى تجلس فيها وحيدا مع نفسك لتتأمل شريطا طويلا من ذكرياتك محاولا إعمال عقلك فى كل ما مر بك.. وعندما نتكلم عن عقل وقلب وفكر العم نجيب محفوظ ستخرج لنا تلك الرؤى حاملة عشرات المعانى التى يلخصها ما كتبه منعكسا على رؤيتك الشخصية للعالم من حولك.
كما يحدث فى الأحلام وفى الحياة أيضا نجد تنوعا فى الأشخاص والأماكن والجو النفسى، فتارة تجد نفسك مشاركا بطل الحلم فى خوفه أو فى حيرته أو فى لحظة الإحباط التى تمر به وتارة تعيش معه لحظة أمل وسعادة، ثم تتخلص من الحلم نفسه ومن المكتوب لتجد أنه قدم لك فى كل حلم جرعة مكثفة من فلسفته تفرض عليك أنت أيضا أن تتعلم كيف ترى العالم من حولك.
وكنت دائما أرى أن نجيب محفوظ فى القصة القصيرة مبدعا كبيرا كما هو فى الرواية، وعندما شرعت فى قراءة تلك الأعمال التى أملاها هو بنفسه فى فترة كان عاجزا فيها عن الكتابة تأكدت من ذلك، فهو يقدم فيها نموذجا لما يطلق عليه القصة القصيرة جدا والتى تأتى دائما فى سطور معدودة لكنها تحتاج إلى قراءة متأنية ومتعددة، فمن هى المرأة الفاتنة التى سعى وراءها لكنه لم يستطع الوصول إليها أبدا، ومن تلك الأخرى التى ترتدى ملابس الرجال ثم تشهر مسدسها ومن هى الفتاة التى جذبها إلى صدره لكنه لم يستطع أن يخطو معها الخطوة التالية عندما بدأت الضجة.. ربما هذا الحلم تحديدا يثير فى داخلى شجونا خاصة قد تكون وليدة هذه الفترة التى لم يعشها هو معنا، ولم يعرف أن حلمه هذا وصف حالة جيل بأكمله عاش واقعا متطابقا.
يقول حلم الأستاذ:

وتلقيت‏ الدعوة‏ بذهول‏ وبفرح‏ شامل. وما‏ أن‏ دخلنا‏ الدور‏ التحتانى حتى جذبتها‏ إلى صدرى، ولكنى لم‏ أخط‏ الخطوة‏ التالية‏ لسماع‏ ضجة‏ غريبة‏.
واقتحم‏ المكان‏ نساء‏ ورجال‏ وشباب‏، وتفرقوا‏ فى الحجرات‏،‏ ثم‏ جاء‏ رجل‏ من‏ رجال‏ الأمن‏ ووقف‏ عند‏ الباب‏ زاعما‏ الحفاظ‏ على القانون ‏وكدت‏ أفقد‏ عقلى من‏ الذهول‏ وضاعف‏ من‏ ذهولى أنى رأيتهم‏ يغنون‏ فى حجرة‏، كما‏ رأيتهم‏ يرقصون‏ فى حجرة‏ أخرى،‏ ونظرت‏ إلى فتاتى مستغيثا‏ بها‏ فوجدتها‏ هادئة‏ باسمة‏.‏ وعند‏ ذلك‏ قررت‏ الهرب‏، غير‏ أنى رأيت‏ رجل‏ الأمن‏ عند‏ الباب‏ فتسمرت‏ فى وضعى فريسة‏ للذهول‏ وخيبة‏ الأمل‏.
وأنا لست ناقدا ولا حتى كاتبا فى حضرة أعمال الأديب الكبير، إلا أننى شاب من هذا الجيل.. سعى وراء الفاتنة التى سحرته وأخذ خطوة واسعة فى حلمه للحصول عليها إلا انه لم يتمكن من الوصول إليها بعد أن ثارت الضجة والفوضى والتى وصفها الأستاذ فى حلمه.. وانتهى بى الأمر مثلى مثل الآلاف متسمرا فى مكانى.. فريسة للذهول وخيبة الأمل.. منتظرا الحلم الجديد.
المدهش فى الأمر أن الحلم التالى مباشرة انتهى بالآتى:

عند‏ ذلك‏ رسخ‏ يقين‏ بأن‏ الشمس‏ ستشرق‏ غدا‏ على أرض‏ خضراء‏ وجو‏ نقى.
رحم الله الأستاذ.
صبرى حافظ: أحلام فترة النقاهة القديمة والجديدة
حينما عدت إلى (أحلام فترة النقاهة) فقرأتها مجتمعة، وجدت أننى بإزاء فعل من أفعال التشبث بالكتابة من كاتبنا الكبير نجيب محفوظ، كالتشبث بالحياة التى تتسرب من بين الأصابع. وتتكشف فيها ذكريات الماضى، فى الجمالية أو العباسية، أو حتى مكاتب الحكومة التى قضى فيها عمرا، عن خواء أو سراب. وحتى الكتابة نفسها هى الأخرى، فقدت جسدها الراسخ الرصين الذى شكلت الثلاثية بجرمها الضخم مركزه، ولم تعد سوى شذرات حكمة، أم تراها أضغاث أحلام! ولكنها شذرات من نوع مغاير لتلك التى شكلت بنية روائية فريدة فى آخر أعمال محفوظ التى كتبها قبل الاعتداء الغادر على حياته، أى (أصداء السيرة الذاتية)؛ لأن أول ما نلاحظه عليها من اختلاف عما سبقها من أعمال كاتبنا الكبير هو غياب العناوين من تلك الأحلام، ومحفوظ أستاذ فى اختيار العناوين، وفى اختيار أسماء الشخصيات. فلا شىء فى عالمه يفلت من التدقيق والإثراء بالدلالات. أصبحت الأحلام مجرد أرقام لا تخضع لأى ترتيب بعينه. وليس ثمة إلا العنوان الأساسى (أحلام فترة النقاهة) الذى يذكر بالاعتداء الغشيم الغادر وأثره على الكاتب والكتابة معا.
ومع ذلك، ولأنها صادرة عن نجيب محفوظ الذى يقف عالمه الأدبى كله على أرضية راسخة من الفلسفة، استطاع أن يشيد بها عالما سرديا له خصوصيته وثراؤه. فمحفوظ دارس للفلسفة بالمعنى العميق للكلمة، وهو الأمر الذى أنقذ عالمه من الاندثار كعوالم كثيرين ممن كتبوا القصة والرواية قبله أو بعده. وبرغم غياب العناوين، واعتباطية التتابع، استطاع محفوظ أن يشيد فى تلك الأحلام عالما قائما على الخط الفاصل بين الواقع والحلم والكابوس. مترع بالاسترابات الغامضة، وأمشاج من ذكريات قديمة، ورغبة مستمرة فى استعادة الزمن المفقود، وتقديم صورته على مرايا الواقع الراهن. عالم يعيش فيه الإنسان تحت نوع غامض من الحصار، حصار محكم لا مهرب منه، أقرب ما يكون إلى العالم الذى شيده صامويل بيكيت فى (انتظار جودو) أو (لعبة النهاية). لكن ما يميزه عن عالم بيكيت الذى يبدو محايدا، أن إنسانه يعانى من إحساس مرير بالمطاردة، وإجهاض مستمر للتوقعات. يفتح بابا مألوفا فيتكشف عن هوة أو عن خطر؛ ويبصر أحبة قدامى فلا يأبهون له، ولا يتعرفون عليه، ويعرضون عنه. أهى الغربة الأزلية؟ أم هو الزمن؟
إنه فى أغلب الأحيان الزمن، ولكنه الزمن بالمعنى الفلسفى الذى نجده عند هايديجر فى (الوجود والزمن). لأننا أمام إنسان محاصر فى حاضر لا مهرب منه، إلا التوق إلى زمن ضائع، تبدد هو الآخر. محاصر فى حاضر مترع بالإحباط وخيبة الأمل، تملأه القمامة، وتسوده قوانين الغابة والقوة الغاشمة. ويجد الحالم نفسه دوما فى موضع الاتهام؛ أو التورط ثم الإدانة لأمر لا ذنب له فيه ولا جريرة. يحن دوما إلى عالم غنى بذكريات الزمن الأول، وبالحنين إلى ما دار فيها من تبادل للأشواق والعواطف والأحلام، وقد بدت الآن، أى زمن الكتابة نائية ومستحيلة.
فالواقع الراهن، بما فى ذلك حاضر المدينة التى أحبها وتغنى بها، يعانى هو الآخر من التردى، فقد هَرِم الحى القديم، وتبدد رونقه، وملأت الزبالة طرقاته. وتؤكد الأحلام واحدا بعد الآخر استحالة استعادة الحى، أو حتى البيت إلى رونقه القديم. وكأن الإنسان محاصر فى حاضر كئيب/ سجن لا فكاك منه. لذلك نجد أن كثيرا من تلك الأحلام مسكون بهاجس الموت، وبأطياف من ماتوا، بصورة توشك أن تكون فى مستوى من مستوياتها تناولات مختلفة لقضية الموت فى عمقها الفلسفى. لأن العمل كله مكتوب من منظور كهل هدّه الزمن، فوهن منه الجسد، ولكن الروح لا تزال وثابة تتطلع إلى المزيد. وهذا ما جعل العمل كله أقرب إلى الشذرات السردية ذات النكهة الفلسفية المترعة بحكمة عمر من التجارب والخبرات والتواريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.