حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم أمس الجمعة أن يهدئ المخاوف الأوروبية بشأن وقف إمدادات الغاز بعد أن قالت بروكسل إنها ستقف إلى جانب السلطات الجديدة في كييف إذا نفذ الكرملين تهديدا بوقف إمدادات الغاز لأوكرانيا. ورفعت روسيا -التي أثارت الشهر الماضي غضب القوى الغربية بضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية لأراضيها- أسعار الغاز الذي تضخه لأوكرانيا وقالت إن كييف لم تدفع فواتير لموسكو قيمتها 2.2 مليار دولار. وأعاد هذا إلى الأذهان "حروب غاز" سابقة عندما أدت الخلافات بين البلدين إلى وقوع مشاكل في الامدادات لغرب أوروبا. وقد يؤدي تكرار هذا السيناريو إلى الإضرار بروسيا ودول الاتحاد الأوروبي التي تشتري منها الغاز لان موسكو تعتمد في إيراداتها العامة على بيع الغاز لأوروبا. وقال بوتين في تصريحات بثها التلفزيون خلال اجتماع مع مجلس الأمن الروسي "أريد أن أكرر: لا ننوي ولا نخطط لوقف إمدادات الغاز لأوكرانيا... نضمن الوفاء بكل التزاماتنا لمستهلكينا الأوروبيين." وتسببت الأزمة في أسوأ توتر في العلاقات بين روسيا والغرب منذ انتهاء الحرب الباردة عام 1991 وقد تفاقمت عقب الاطاحة بالرئيس الأوكراني المدعوم من موسكو فيكتور يانوكوفيتش بعد أن رفض إقامة علاقات أوثق مع الاتحاد الأوروبي. وبعد أن احتلت القوات الروسية شبه جزيرة القرم الشهر الماضي قال مسوؤولون من حلف شمال الأطلسي إن موسكو تحشد جنودها على الحدود مع شرق أوكرانيا الذي يغلب على سكانه الناطقون بالروسية. ويحتمل أن يكون ذلك التحرك تمهيدا للاستيلاء على المزيد من مناطق البلاد. ونفى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يوم الجمعة أن تكون هذه نية الكرملين. ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن لافروف قوله "لا يمكن أن تكون لدينا مثل هذه الرغبة. إنها تتعارض مع المصالح الرئيسية للاتحاد الروسي. نريد أن تتمتع أوكرانيا بسلامة أراضيها ضمن حدودها الحالية لكن مع احترام كامل للمناطق." وقالت وزارة الخارجية الروسية إن لافروف حث نظيره الأمريكي جون كيري يوم الجمعة على أن تستغل واشنطن نفوذها لإقناع الحكومة الأوكرانية بالامتناع عن استخدام القوة ضد محتجين في المناطق الشرقية والجنوبية في أوكرانيا. وأضافت الوزارة أن لافروف قال لكيري في مكالمة هاتفية إنه يتعين على واشنطن استخدام نفوذها "لتجنب استخدام القوة وللضغط على (الحكومة في كييف) للحوار مع ممثلين من المناطق لتوفير الشروط التي تسمح بإجراءإصلاح دستوري كامل." وتدخل الكرملين في القرم بعد الإطاحة بيانوكوفيتش عقب أسابيع من الاحتجاجات في العاصمة اتخذت طابعا عنيفا في منتصف شهر فبراير شباط. وحلت محله حكومة تريد علاقات أوثق مع الغرب لكن موسكو تقول إنها حكومة غير مشروعة وتمارس التمييز ضد الناطقين بالروسية. وقال المدعي العام الروسي يوم الجمعة إن موسكو لن تقوم بترحيل يانوكوفيتش الذي وصفه بأنه "الرئيس الشرعي" لأوكرانيا ليواجه اتهامات بقتل المتظاهرين. ورغم أن التوتر لا يزال متأججا في شرق أوكرانيا حيث استولى نشطاء مؤيدون لروسيا على مبان حكومية هذا الأسبوع في مدينتين فان محور الأزمة بين موسكو والغرب بدأ يتحول لقضية الغاز الشائكة. ويمر جزء كبير من الغاز الذي تضخه روسيا لأوروبا عبر الأراضي الأوكرانية. وقالت موسكو إنها ستقطع الامدادات عن أوكرانيا إذا لم تدفع الأموال التي تدين بها. لكن وزير الطاقة الأوكراني يوري برودان أبلغ البرلمان أن الاتحاد الأوروبي سيتضامن مع كييف للحد من تأثير أي قطع أو تقليص للإمدادات لأوكرانيا. وقال برودان "لا يمكن لأوكرانيا أن تدفع مثل هذا الثمن السياسي الذي لا يمت للاقتصاد بصلة." وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية يوم الجمعة عقوبات على سبعة انفصاليين من القرم وعلى شركة للغاز مقرها شبه الجزيرة المطلة على البحر الأسود وذلك ردا على ضم روسيا المنطقة الأوكرانية. وهذه الخطوة التي أعلنت في بيان هي ثالث مجموعة من العقوبات التي تفرضها الولاياتالمتحدة بسبب الأزمة الأوكرانية. وتستهدف تبني نهج متشدد قبل محادثات مزمعة بين مسؤولين كبار من الولاياتالمتحدةوروسياوأوكرانيا والاتحاد الأوروبي تعقد في جنيف يوم الأربعاء. ولا يمكن التنبوء بالتداعيات في حالة تقليص موسكو امدادات الغاز الطبيعي لأوكرانيا. وقالت دول الاتحاد الأوروبي إنها ستغير مسار خطوط الأنابيب التي توصل الغاز الروسي لها لتضخ الغاز إلى أوكرانيا وستكون الكميات ضئيلة لكنها ستحد من تأثير أي قطع روسيا للامدادات. وقال برودان " نتفاوض مع الاتحاد الأوروبي بشأن تغيير مسار الامدادات لتصل لأوكرانيا." وفي شرق أوكرانيا استمر احتلال نشطاء مؤيدون لروسيا لمبان حكومية في مدينتي دونيتسك ولوهانسك. ويريد هؤلاء النشطاء انفصال الاقليمين عن كييف. وانتهت يوم الجمعة مهلة حددتها السلطات في كييف للمحتجين لانهاء احتلال المباني لكن لم تتحرك الشرطة الأوكرانية حتى الآن لطردهم. ويقول مسؤولون أوكرانيون إن روسيا قد ترسل جنودا للأقاليم الشرقية بحجة حماية هؤلاء المحتجين من الملاحقة القضائية في كييف فيما يسمونه تكرارا "لسيناريو القرم". وتنفي موسكو هذه المزاعم. وزار أرسيني ياتسينيوك رئيس الحكومة المؤقتة التي ستجري انتخابات رئاسية في 25 مايو المقبل مدينة دونيتسك وجدد تعهدات بإجراء تعديلات دستورية لمنح الأقاليم المزيد من السلطات. وتقاوم كييف الدعوات التي تدعمها موسكو بالتحول الكامل للنظام "الاتحادي" وتخشى أن يؤدي هذا إلى انهيار الدولة بأكملها.