تعتبر الحدود الأردنية السورية..خير شاهد على عذابات وآلام وجراح اللاجئين السوريين الذين تشردوا من أوطانهم وقطعوا المسافات الطويلة والطريق الصعاب من أجل الوصول إلى الأردن للاحتماء به من بطش النظام السوري والحرب الدائرة هناك ، التي لاتزال تحصد في طريقها الأخضر واليابس ولا تفرق بين الأطفال والشيوخ والنساء. وعلى الرغم من قلة ومحدودية الموارد الاقتصادية للأردن ، إلا أنه لايزال يمد يد العون لأشقائه من اللاجئين السوريين ولم يقل كفى حيث يستضيف منذ اندلاع الأزمة السورية في منتصف مارس 2011 وحتى الآن ما يزيد على 600 ألف لاجيء وهو ما أضفاء أعباء كبيرة عليه ، فيما يؤكد مسئولون أردنيون على أن إجمالي عدد السوريين في المملكة يتجاوز المليون و300 ألف سوري. وتستقبل قوات حرس الحدود الأردنية على مدار الأربع والعشرين ساعة المئات من اللاجئين السوريين من مختلف الأعمار بالترحاب ، حيث تضمد جراحهم وتقدم الخدمات اللازمة لهم فيما يعد منفذ (الحدالات) غير الشرعي على الجبهة الشمالية الشرقية للحدود مع سوريا شاهد عيان على الدور الذي تقوم به هذه القوات. وفي مشهد تقشعر منه الأبدان وتدمع له الأعين عبر المئات من اللاجئين السوريين مساء أمس الأول الاثنين الساتر الترابي على الواجهة الشمالية الشرقية للحدود الأردنية السورية والذي يتجاوز ارتفاعه المترين فيما لم يستطع سواد الليل الكالح أن يخفي مدى المعاناة التي تكبدوها في طريق الوصول إلى الأردن. وقد استقبلت قوات حرس الحدود الأردني بقيادة العميد حسين الزيود هؤلاء اللاجئين بحضور وفد من مجلس النواب الأردني برئاسة رئيس لجنة الشئون الخارجية الدكتور حازم قشوع والأمناء العامين لعدد من الأحزاب الأردنية يرافقهم ممثلو بعض وسائل الإعلام المحلية والأجنبية والعربية من بينهم مراسلة وكالة أنباء الشرق الأوسط في عمان. وأكد الزيود للوفد الزائر على استمرار تدفق اللاجئين من خلال 45 نقطة عبور غير شرعية تمتد على طول الحدود مع سوريا..قائلا "إن أعداد اللاجئين تشبه البورصة صعودا وهبوطا "..ومنوها بأن قوات حرس الحدود تبذل جهودا كبيرة ومتواصلة لاستقبالهم وتقديم الخدمات اللازمة لهم علاوة على حماية الحدود مع سوريا البالغة 378 كم والتعامل مع كافة الظروف والمتغيرات التي تشهدها بعض المناطق الحدودية. واستعرض الزيود أبرز التحديات التي تواجه قوات حرس الحدود والتي تتمثل في محاولات التسلل للجماعات المسلحة المتطرفة ، قائلا "إن هناك تعليمات واضحة بمنع اجتياز الجماعات والأفراد المتسللين بطرق غير شرعية" . وشدد على أن قوات حرس الحدود ملتزمة بقواعد الاشتباك في حال وجود متسللين غير شرعيين ، قائلا "إننا حسب قواعد الاشتباك ندافع عن أنفسنا"..لافتا إلى أن هناك محاولات عديدة لما وصفه باستغلال إدخال لاجئين سوريين إلى المملكة ومحاولة تهريب أسلحة معهم. وانتقالا للاجئين السوريين الذين عبروا الحدود..روت اللاجئة آيات كريمان وهي من مدينة درعا السورية - للوكالة - رحلة المعاناة التي تكبدتها هي وأسرتها في الوصول إلى الأردن..قائلة " قضينا أربعة أيام في الطريق إضافة إلى يومين في الصحراء ، لقد كانت رحلة شاقة بكل المقاييس"..مضيفة "لقد تم تهجيرنا وتشريدنا من بيوتنا علاوة على أنني خسرت أغلى ما أملك زوجي ووطني". وتابعت كريمان وهي (في العشرينات من العمر) وأم لثلاثة أطفال "لقد تعبنا من بشار الأسد ويجب أن يرحل..وأن يساعدنا الجميع في ذلك " ، كاشفة عن أن هناك سماسرة وتجار سيارات وآخرين يستغلون ظروف الراغبين في الفرار إلى الأردن حيث تقاضوا من أسرتها مبلغا قدرها 70 ألف ليرة سورية مقابل ذلك. أما شقيقها قاسم كريمان – 17 عاما – فقال بحسرة "لقد تركت رفاقي وأقربائي ومدرستي وأساتذتي .. وأتمنى أن أعود مرة أخرى إلى بلدي..لأن الوطن أغلي شيء عندنا فهو الأم الثاني". وقالت هلا يحيي الراعي وهي من حمص "إن مدينتنا باتت حزينة وكئيبة بسبب الحرب الدائرة..لقد خرجت بصحبة زوجي إلى الأردن فرارا مما يحدث في سوريا..كنا لا نعرف النوم سواء في الليل أو بالنهار". وتابعت الراعي "قطعنا من حمص إلى دمشق يومين وبعدها اتجهنا إلى درعا ..وعانينا كثيرا إلا أننا شعرنا بالأمان عندما وصلنا إلى الحدود" ، لافتة إلى أن والدتها وأشقاءها وعددهم (9 بنات و3 ذكور) مازالوا موجودين في حمص ولم يتمكنوا من الخروج بسبب أخيها العاجز. أما الزوج عبدالرزاق المصري فقال "رغم إننا تعبنا كثيرا في رحلة الوصول إلى الحدود الأردنية إلا أننا شعرنا بالأمان"..مضيفا "الشعب السوري يموت على الطرقات ولم يرحمنا أحد ، لقد تعاملنا في رحلتنا هذه مع مختلف الأشكال والألوان من السماسرة والتجار الذين استنزفوا كل أموالنا حتى نصل إلى الحدود". وعودة إلى لاجيء درعا..قال جمال الوادي وهو في العشرينات من العمر"قطعنا ثماني ساعات بالصحراء وستا قبلها وجئت أنا وزوجتي وإخوتي للأردن فرارا من القصف وأيضا بسبب الجوع وغلاء الأسعار ، عانينا الكثير خلال الطريق أنا وأسرتي البالغة 15 فردا..مضيفا "دفعنا للتجار والسماسرة الذين ساعدونا في الوصول إلى الحدود 17 ألف ليرة سورية على الفرد الواحد. وبحسرة على حاله وحال أولاده وأسرته والكثيرين أمثاله الذين تركوا منازلهم وأوطانهم ليحصلوا على صفة لاجيء بدلا من مواطن سوري..قال أبوعبدالله السوري وهو من مدينة القنيطرة الواقعة جنوب غرب سوريا "لا نعلم إلى أين سنذهب .. لقد استغرقت رحلتنا أو مغامرتنا بمعنى أدق من الأراضي السورية وحتى الحدود مع الأردن ثمانية أيام..لقد كانت رحلة شاقة..أو رحلة عذاب..عانينا في الصحراء من الجوع والأتربة التي جعلتنا لا نتعرف على بعضنا البعض". وتابع "الكل بات يتاجر فينا" ، موضحا أن التجار والسماسرة تقاضوا على أفراد عائلته البالغة 22 فردا مبلغا قدره 100 ألف ليرة سورية حتى يبلغوهم الحدود. وتعقيبا على الزيارة..قال رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأردني "إن الأردن يستحق الثناء والتقدير والدعم الدولي لإسناده في تقديم رسالته الأمنية وحفظ حدوده مع سورياوالعراق والسعودية ، مؤكدا أن الأمن والديمقراطية صنوان متلازمان وأن ما يقوم به الجيش العربي شيء استثنائي في ظرف استثنائي. أما مدالله الطراونة الأمين العام لحزب الوسط الإسلامي الأردني عضو مجلس النواب ، فقال - للوكالة - "لقد اطلعنا بأم أعيننا على ما يقوم به نشامى الأردن من جهد في حراسة الحدود والقيام بالواجب الإنساني تجاه إخوتنا من اللاجئين السوريين..إن هذا المنظر يصيبنا بالحزن والأسى..ويجعلنا نتساءل كيف يمكن لحاكم أن يقتل ويهجر شعبه ويبقى جاثما على صدره؟. ودعا الطراونة الدول العربية وخاصة دول الخليج إلى ضرورة الوقوف بشكل أكبر مع الأردن لمؤزارته ودعمه للقيام بهذا الواجب الكبير الذي يقوم به نيابة عن المجتمع الدولي..قائلا "إن ما شاهدنا بأم أعيننا هو عبرة لكل مواطن عربي ، ويجعل قلب كل مسلم يعتصر ألما على هؤلاء اللاجئين السوريين". وتابع الأمين العام لحزب الوسط الإسلامي الأردني "شاهدنا خلال هذه الزيارة كيف يشرد هذا المواطن السوري من بيته ويمشي أياما طوالا ويبيت في العراء ويدفع أموالا باهظة ليصل إلى هذه النقطة الآمنة". ومن جهته..قال العميد الركن المتقاعد أحمد عبدالسلام الصرايرة من حزب (العدالة والاصلاح) الأردني - للوكالة - "لقد أصابنا الفرح والحزن في وقت واحد عندما شاهدنا عبور اللاجئين السوريين للحدود..شعرنا بالحزن لرؤيتنا للأطفال والنساء والعجائز والمرضى والمعاقين..أما فرحنا يعود إلى أنهم آتوا لبلد مضياف يستضيفهم بكافة طاقاته وإمكانياته". وأهاب الصرايرة بكافة العالم والمجتمع الدولي لمساعدة الأردن..فيما دعا جامعة الدول العربية لاتخاذ قرار حازم لإنهاء هذه المأساة بقلب واحد وبكلمة واحدة (لا للارهاب لا للقتل لا للتشريد). والرويشد هي مدينة في أقصى شمال شرق الأردن..وتتبع إداريا لمحافظة المفرق كما أنها تعد أبعد منطقة ماهولة بالسكان شرق المملكة..ومعبر الكرامة الحدودي بين الأردنوالعراق يتبع لها إداريا..وبعد الحرب على العراق في مارس عام 2003 فر حوالي 800 لاجيء من العراق إلى الحدود الأردنية معظمهم فلسطينيون وصوماليون حيث استقروا في مخيم الرويشد للاجئين في المنطقة العازلة بين البلدين.