في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها. نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت. 42 – الحسين بن منصور الحلاج " مالي وللناسِ كم يلحونني سفها ديني لنفسي ودين الناسِ للناسِ " الدين عند الحلاج لا يقتصر على المفهوم الشائع المنتشر لكلمة الدين، والمغزى الكامن في البيت يتجاوز المصطلح التقليدي ليطول كل سلوك مختلف ورأي مغاير وخيال محلق واجتهاد جريء، يرفض الانصياع والخضوع الأعمى والانخراط بلا إرادة في ركاب القطيع الذي يؤثر الأمن الآسن الموروث، ويهمل الابتكار والتفرد، ويدين السير في الدروب غير المطروقة. تنفيذ وصية الحلاج لا يتطلب القطيعة مع المجتمع والخصام العدائي المتوتر للأغلبية ذات المنحى المغاير والتوجه المختلف، فالطموح كله ينصب على التعايش السلمي والتواصل المحسوب بلا ذوبان، فضلا عن الحق الأصيل في الابتعاد عن السرب والتحليق خارجه. التشبث بالخصوصية، فكرا وسلوكا، لا يعني السقوط المزعج في هاوية الجفاء والصدام، والمأساة المزعجة تكمن في تسلط الآخرين، أولئك الذين يرفعون رايات مقدسة لا شيء فيها من القداسة، ويرفضون في مزيج من العنجهية والجهل كل من يقف خارج الصف، ويرونه مارقا يحتاج إلى الردع والتأديب. من السفيه؟. ليس من يختلف في صمت، ويرفض أن يفرض رؤاه على الآخرين، لكنه من يتنطع ويحتكر وهم اليقين، ويفتش في القلوب والنوايا، ويصدر الأحكام الجائرة بلا منطق، ويأبى إلا أن يقود من لا يشبهونه إلى الصليب.