انطلقت اليوم الخميس، ثاني أيام الملتقى الفكري "150 عام على المسرح المصري" والذي يقام ضمن برنامج المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته ال13 "دورة الآباء" برئاسة الفنان يوسف إسماعيل، وأدار المحور الناقد جرجس شكري عضو اللجنة العليا للمهرجان. أوضح الناقد المسرحي جرجس شكرى، أشكال وأنماط المسرح المصري المتعارف عليها خلال 150 عاما ومنها المسرح الشعبي والمسرح الكوميدي ومسرح المونودراما، مؤكد أن الظواهر الشعبية في مصر كان لها تأثير كبير في المسرح المصري، واستشهد بكلمات على الراعي حينما قال: إن يعقوب صنوع كان يقف في منتصف الطريق بين أشكال المسرح القديم والجديد وبين أشكال المسرح الشعبي والشكل الأوروبي، فلم يتخلى أبدا عن تأثيره بالمسرح الشعبي، كما استطاع أن يوحد ما يسمى بالنص المسرحي المكتوب، وطرح شكري تساؤلا: لماذا هذا التراجع وموقف النخبة من المسرح الشعبي؟ تحدث الناقد الكبير أحمد عبد الرازق ابو العلا خلال ورقته البحثية التي حملت عنوان الارهاصات الأولى عن المسرح الشعبي في مصر قائلا: إن البحث مكون من خمسة أجزاء الأول منه بدأ من حيث يجب أن انتهى، وتعتمد تلك المسألة وذلك من أجل أن أوضح أن لدينا مسرحا شعبيا بالفعل، له خصائصه وسمات تميزه عن غيره من أنواع المسرح المتعارف عليها والتي نجدها في أعمال: "توفيق الحكيم، يسري الجندي، رأفت الدويري، محمد أبو العلا السلاموني، نجيب سرور، عبد الغني داود، سمير عبد الباقي، شوقي خميس" وغيرهم وهناك عدد قليل من الذين جاءوا بعد ذلك. وتابع أبوالعلا: أننا جميعا ننطلق من أرضية واحدة ولكننا نختلف في الرؤى النقدية، وأن الارهاصات النقدية تظل ارهصات ولم تتطور وإذا تتبعنا مفهوم المسرح الشعبي من خلال بعض الكتابات النقدية مثل ما اثاره الدكتور عز الدين اسماعيل عن المسرح الشعبي والذي وضع بعض الأسس والسمات التي يجب أن تتوافق في المسرح الشعبي. وأضاف أبوالعلا، أن السمات والخصائص الفنية التي تميز إبداعه، تتشكل تبعا لوعيه وثقافته، ورؤيته التي تحدد الطريقة التي يُعالج بها موضوع مسرحيته الشعبية، فهذا النوع من الكتابة، ليس سهلا بالمرة، ويتطلب أولا وعيا بالمفهوم، الذي ظل لسنوات - وربما حتى اليوم - غير محدد بشكل قاطع، ويتطلب أيضا أن يكون الكاتب عالما بالضرورة التي تجعله يذهب إلى عناصر الشعبية، ليجعلها قالبا لمسرحيته، بلا ادعاء، وبشكل لا نستطيع معه أن نتهمه بأنه يقدم عملا لا يضيف إلى المفهوم شيئا جديدا. وأوضح أبوالعلا، أن تلك النقطة تحديدا، المتعلقة بقدرة الكاتب على اضفاء الطابع الشعبي على القالب المسرحي، شغلت وما زالت تشغل النقاد الذين يهتمون بمناقشة القضايا المُتعلقة بالمسرح الشعبي، فهناك من رأي أن المسرحيات التي ارتبطت بالتراث الشعبي، والتي كُتبت شعرا، كمسرحية "الفتي مهران"، "سندباد" لشوقي خميس، وغيرهما لم تستطع أن تستغل منهج الأداء في السير الشعبية، في اضفاء الطابع الشعبي على قالبها، باستثناء مسرحية شعرية هي مسرحية "ياسين وبهية" لنجيب سرور، والذي استطاع أن يوائم بين موضوعه الشعبي ولغته، فاستخدم لغة شعرية مُشبعة بعناصر الإيحاء الشعبي، ومن ثم تكامل أسلوب السرد الملحمي مع هذه اللغة الشعرية ذات النبض الشعبي. كما أتفق الناقد أحمد عبدالرازق أبوالعلا، مع فاروق خورشيد في أنه لا يمكن أن نخلق مسرحا شعبيا مصريا مكتفين بترجمة معتقداته وحكاياته إلى أشكال مسرحية تقليدية، ويمكن أن نقول إن شوقي عبد الحكيم استلهم الموال المصري "حسن ونعيمة " عملا مسرحيا تقليديا، ولكننا لا نستطيع أن نقول إنه " ينشئ مسرحا شعبيا " بمجرد تناوله موضوعا شعبيا، وهنا يؤكد " فاروق خورشيد " - كما نفهم- على أهمية أن تكون النصوص الشعبية مُعبرة بالفعل عن آلام العصر، وعليها أن تنتهج نفس مسار النصوص الشعبية الموروثة، وتلك مسألة تتطلب وعيا كبيرا ممن يريد كتابة هذا النوع من المسرح. ومن جانبها قدمت الدكتورة نجوى عانوس بانوراما للعروض المسرحية الخاصة بيعقوب صنوع، وشرحت ما يسمي باللعبات التياتريه وحوارياته التي كتبها في مجلة "ابونضارة"، وكيف كان "صنوع" يستلهم من التراث والف ليلة ويقوم بعمل اسقاط على الواقع السياسي المصري وذلك من خلال مجموعة من الرسومات الخاصة بالعروض المسرحية لطقس الزار وهي لوحة تجسد فيها "الخديوي"وهو يقوم بعمل طقس الزار ومشهد خروج الجن من جسده وغيرها من المشاهد التي رسمها يعقوب صنوع ومنها استلهماته أيضا من الحضارة المصرية القديمة مثل مشهد البقرة الموجودة في معبد حتحور كما اسلتهم صنوع من المسرح الشعبي وشخصياته ومنها شخصية الأراجوز، والذي قام بالدمج بين الشخصيات الشعبية والشخصيات الأوروبية مثل الدمج الذي قام به بين مسرحية مريض الوهم وربطها بعناصر من التراث والشخصيات الشعبية والنكت الشعبية، مشيرة إلى ان يعقوب صنوع عندما قام بتمصير العروض المسرحية حولها إلى مسرح شعبي. وأكدت "عانوس"، أن يعقوب صنوع كان مصريا بامتياز ومعتزا بمصريته بل كان يحمل هموم مصر والتى جسدها في أعماله المسرحية بل أنه وهب قلمه للدفاع عن القضية المصرية ضد السيطرة العثمانية والاحتلال الإنجليزي، وهو ما يتضح من خلال أعماله المسرحية، ومن خلال اسلهماته من التراث مثل "الف ليلة وليلة" و"طقوس الزار" وعروض الأراجوز والقرداتي، والحكواتى وعرافة الودع وغيرها. وقدمت عانوس، شرحا تفصيليا لبعض اللوحات الخاصة بصنوع والتي يجسد فيها الخديوي بالمسخ وهو احد الشخصيات الموجودة في حكايات الف ليلة وليلة والتي تحول فيها الإنسان إلى حيوان للانتقام منه ونرى فيها الخديوي اسماعيل بداخل قفص على هيئة مسخ "وجهه والجسم ثعلب". وأكدت عانوس على ريادة يعقوب صنوع للمسرح المصري، مشيرة إلى أن هناك العديد من الرواد الآخربن مثل: "إبراهيم رمزي" والذي قدم لنا الترجمات المسرحية ليسجل ريادة جديدة في هذا المجال وقدم ما يسمي بالترجمة الدرامية. مناشدة بضرورة إعادة قراءة أعماله ودراستها. يذكر أن فعاليات الدورة الثالثة عشر للمهرجان القومي للمسرح المصري تستمر حتى 4 يناير 2021، والتى تحمل اسم دورة "الآباء"، ويحتفل المهرجان فيها بمرور 150 عاما على المسرح المصرى، الذى يؤرخ له منذ عام 1870م.