منذ 20 عاما، لم تكن منطقة وادي الحيتان بالفيوم جنوبالقاهرة، سوى قطعة صماء من الصحراء الغربية، يتوسطها خيمة صغيرة يجلس داخلها رجال وزارة البيئة المصرية، لوضع خطة لمستقبل المكان، وعلى وجوههم علامات الإرهاق وبعض من غبار الرمال. وعلى مدار سنوات من الجهد تحولت المنطقة إلى محمية طبيعية بها الكثير من الاكتشافات التي تعود إلى 40 مليون سنة ماضية، وعدد من النجاحات والإشادات العالمية، آخرها الأيام الماضية من الاتحاد الدولي لصون الطبيعة IUCN لمواقع التراث الطبيعي. وقالت ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة المصرية، في بيان رسمي: "أن تقرير مواقع الأداء ل IUCN لعام 2020 أشاد بموقع وادي الحيتان كأحد مواقع التراث العالمي الجيولوجي في مصر، وأنه يُدار بحُب وكفاءة ومهارة من قِبل موظفين مؤهلين وملتزمين في عملهم. مما يجعله يتميز بأعلى درجات الحماية واستخدام آليات الحكومة الرشيدة. وتصف الهيئة العامة للاستعلامات، محمية وادي الحيتان، بكونها متحفا مفتوحا لهياكل متحجرة لحيتان وأسماك قرش وأصداف وحيوانات بحرية عمرها ملايين السنوات، وبيئة طبيعية لعدد من الحيوانات المهددة بالانقراض مثل ثعلب الفنك والغزال الأبيض والطيور المهاجرة مثل صقر شاهين وصقر الغزال. خلال تجوله في وادي الحيتان، وصل الخبر للدكتور محمد سامح، مدير عام المنطقة المركزية للمحميات الطبيعية، وأحد من تواجدوا في أول خيمة بالمحمية، شعر بالسعادة والفخر كما يؤكد لموقع "سكاي نيوز عربية" لكونها إشارة جيدة لسير العمل على الطريق الصحيح. ويقول سامح لموقع "سكاي نيوز عربية": "أعتقد أن تلك الشهادة دليل على نجاح الاستكشافات بالمنطقة والتعاون مع الجهات البحثية المختلفة، بجانب الشراكة التي قمنا بها مع المجتمع المحلي ورفع الوعي البيئي للسكان ليتعرفوا على قيمة الحفريات الموجودة حولهم". ويعود سامح بالذاكرة لعام 2000 عند قدومه إلى المنطقة رفقة رجال وزارة البيئة، كانت الصحراء ممتدة على مرمى البصر، والأحلام حاضرة بتشييد منصة علمية ترفيهية ومجال للوعي البيئي للمصريين والأجانب. من الصفر ويذكر مدير نقطة الاتصال الوطنية لمواقع التراث الطبيعي العالمي باليونسكو:"بدأنا من الصفر، سلكنا طريقا ترابيا من البيئة الطبيعية حتى يسهل التحرك بالسيارات، عكفنا على إتمام بنية تحتية وإنشاء أول متحف للحفريات وتغيير المناخ في الشرق الأوسط، كما جرت عشرات الاكتشافات الكبيرة". وسجلت "اليونسكو" منطقة وادي الحيتان بقائمة المحميات الطبيعية في 2005 كأول موقع طبيعي في مصر، لاحتوائها على حفريات لا تقدر بثمن لأقدم الحيتان المنقرضة، باعتبارها أهم موقع في العالم لإظهار شكل وحياة الحيتان في مرحلة تطورهم من حيوان بري لآخر ثدي عابر للمحيط. ويوضح سامح أن المحمية تضم مئات الهياكل العظمية للحيتان والحيوانات المختلفة التي بقت في المنطقة منذ 40 مليون سنة، مؤكدًا على وجود 90 نوع من أسماك القرش، و60 عينة من الأصداف، و7 أنواع من الحيتان، وما تزال الاكتشافات مستمرة حتى الآن بالمنطقة. وعن أبرز الاكتشافات التي تمت في الآونة الأخيرة، يتحدث سامح لموقع "سكاي نيوز عربية" قائلا: "عثرنا العام الماضي خلال بحثنا في منطقة (جارة جهنم) على كشف هائل، وجدنا هيكل عظمي كامل لنوع جديد من الحيتان وهو (إجيكتوس جهيني) من خلاله بات لدينا أبعاد جديدة لنظرية التطور، ونُشرت الدراسة في العديد من المحافل الدولية". ويضيف: "أما عن الاكتشاف الأحدث فهو حفرية لأقدم بجعة في التاريخ من عصر الأيوسين، عمرها 37 مليون سنة لذلك تسبق الحفريدة الموجودة في باريس ب 6 ملايين سنة، ويُعيد هذا الاكتشاف النظر إلى تاريخ تطور طيور البجع". كنز علمي مفاجأة غير متوقعة يرويها سامح لموقع "سكاي نيوز عربية" عن العثور على الكنز العلمي الأخير قائلا: "طريقة غريبة لن يصدقها البعض، رأيت في منامي طيور بتلك المنطقة عندما استيقظت اتجهت بسيارتي إلى وادي الحيتان، صعدت ناحية المكان المنشود في حلمي، نبشت في الرمال حتى عثرت على عظام البجعة التي قادتني لباقي الأجزاء".