بمناسبة ذكري استشهاد القديسة كاترين حسب التقويم القبطي ففي هذا التقرير نروي قصه مكتبة الدير في سانت كاترين التي تحمل اسمها تعتبر مكتبة دير سانت كاترين واحدة من أهم وأشهر المكتبات العالمية ؛وذلك لما تضمه من مخطوطات نادرة وثمينة جدا وقد يصل عددها إلى نحو ثلاثة ألاف مخطوط مكتوبة بأثني عشر لغة ؛الثلثان منها باللغة اليونانية ؛والثلث الباقي باللغات العربية والقبطية والجورجية والأرمنية والسريانية والتركية والفارسية. وهي ذات قيمة تاريخية وحضارية كبيرة والمخطوطات العربية منها على وجه الخصوص على جانب كبير من الأهمية العلمية والتاريخية والدينية.ويذكر الدكتور مراد كامل عالم اللغات الشرقية الراحل (1907 -1975 ) والذي كلف بجرد محتويات المكتبة نحو عام 1951 أن عدد الوثائق التركية بالمكتبة بلغت 549 وثيقة.وعدد الوثائق العربية 1067 وثيقة ؛وأقدمها يرجع إلى العصر الفاطمي مؤرخ عام 542 ه (الموافق 1130 م) وعددالوثائق السريانية 500 وثيقة ؛و عدد الوثائق الأرمنية 120 وثيقة. والوثائق اليونانية وهي تحوي أكبر عدد تبلغ نحو 2319 وثيقة.ومن أشهر وأهم المكتشفات التي عثر عليها بمكتبة الدير مخطوطة الكتاب المقدس والمعروفة في التاريخ بأسم "النسخة السينائية Codex Sinaiticus والتي عثر عليها العالم الشهير تشيندروف C. Tischendrof. وذلك عندما زار الدير عام 1896 ؛ وهي مكتوبة بخط اليد على رقائق من ورق البردي ؛ويرجع تاريخها إلى أواسط القرن الرابع الميلادي تقريبا. وبعد مفاوضات طويلة مع رئيس الدير في ذلك الوقت ؛ نجح العالم تشتيندروف في إقناعه ببيع المخوطة إلى قيصر روسيا في ذلك الوقت ويدعي "اسكندر الثاني "الذي اشتراها من الدير بمبلغ ثمانية آلف فرنك ؛ثم أودعها في المكتبة الأمبراطورية في بطرسبرج "مكتبة لينينجراد حاليا " وفي عام 1933 اشتراها المتحف البريطاني من الحكومة الروسية في مقابل مائة ألف جنيه إسترليني ؛ ومازالت محفوظة به حتى الآن. كذلك يوجد بمكتبة الدير مخطوط سرياني Codex Syriacus للتوراة ويرجع تاريخه للقرن الخامس الميلادي ؛وهو مأخوذ من نص يوناني يرجع تاريخه إلى القرن الثاني للميلاد تقريبا. وأول من أكتشف هذه النسخة سيدتان انجليزيتان هما أغنس سميث ومرغريت جيبسون وكان ذلك عام 1893 وهي محفوظة حاليا بمكتبة الدير في صندوق جميل من الخشب وعليه غطاء من الزجاج ؛ كذلك يوجد بمكتبة الدير أنجيل مكتوب باللغة اليونانية يرجع تاريخه إلى عام 717 م ؛قدمه الأمبراطور ثيئودسيوس الثالث هدية للدير ؛وهو مكتوب بماء الذهب والمخطوطات العربية المسيحية بمكتبة الدير تعتبر من أقدم المخطوطات العربية المعروفة في العالم إلى الآن ؛ومنها مخطوطات ترجع إلى القرن التاسع الميلادي منها كتاب للاناجيل الأربعة مكتوب باللغة العربية ويرجع تاريخه إلى عام 897 م أما عن المخطوطات العربية الإسلامية فلعل من أشهرها هو مايعرف ب"العهدة النبوية " وهو منشور منسوب إلى الرسول والنبي محمد ؛وحسب تقاليد رهبان الدير أن النبي كتب لهم هذا العهد في السنة الثانية للهجرة حيث أعطاهم الأمان على أرواحهم وأموالهم وكنائسهم ؛وقيل أن السلطان العثماني سليم الأول عندما فتح مصر علم 1751م أخذ أصل المنشور وحمله إلى الأستانة "اسطنبول حاليا " وترك لرهبان الدير صورة منه بعد ترجمتها إلى اللغة التركية. كذلك أيضا تضم مكتبة الدير منشورا من (الإمام العاضد لدين الله محمد عبد الله ) لرهبان سيناء ويرجع تاريخه إلى عام 564 ه الموافق 1169 م. ويوجد أيضا فرمان السلطان مصطفى الأول لرهبان سيناء ؛ويرجع تاريخه إلى عام 1618 م ؛ومنشور نابليون بونابرت لرهبان الدير وهو مؤرخ في 20 ديسمبر 1799م. وفي عام 1950 طلبت جامعة الإسكندرية من العالم المصري الكبير الدكتور عزيز سوريال عطية 1898-1988 الاشتراك في تسجيل مخطوطات ووثائق دير سانت كاترين ؛وذلك بالتعاون مع مكتبة الكونجرس ؛ولقد أشترك معه في هذا العمل الأستاذ يسي عبد المسيح ( 1898- 1959 ) أمين مكتبة المتحف القبطي ؛ ولقد قامت دار نشر جون هوبكنز عام 1955 بنشر هذا العمل تحت عنوان "المخطوطات العربية في سيناء " كذلك كلفت وزارة المعارف العمومية الأستاذ الدكتور مراد كامل بعمل فهرست كامل لمخطوطات الدير ؛ وظهر هذا الفهرست على جزئين تحت عنوان "فهرست مخطوطات مكتبة دير سانت كاترين بطور سيناء جزءان – القاهرة (المطبعة الأميرية ) 1951 ولقد وردت المخطوطات العربية في الجزء الأول منها. ويقدر الباحثون عدد المخطوطات العربية في الدير بنحو 679 مخطوطة ؛وبعد استبعاد الفاقد والمطبوع يصل العدد إلى نحو 600 مخطوطة قامت بعثة الكونجروس عام 1950 بتصوير 305 مخطوطة منها على ميكروفيلم ويمكن تقسيم موضوعات المخطوطات إلى الأقسام التالية:- 1- أجزاء من الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد 2- كتب كنسية ؛وتتضمن قراءات من النبوات وصلوات وقداسات 3- كتب لاهوتية ؛وتتضمن عظات وتعاليم وأقوال آباء الكنيسة القديسين 4- كتب تاريخية ؛وتضمن سير وتراجم القديسين ؛فضلا عن كتب التاريخ العام 5- قوانين المجامع الكنسية الكبيرة والصغيرة 6- متفرقات ومواضيع مختلفة. وفي عام 1963 قامت بعثة أخري أشتركت فيها جامعة الإسكندرية بالتعاون مع جامعتي ميتشجان وبرنستون بأمريكا بمواصلة العمل الذي بدأه الدكتور عزيز سوريال عطية عام 1950 ؛ وكان على رأس هذه البعثة الأستاذ الدكتور أحمد فكري رئيس قسم التاريخ بآداب الإسكندرية سابقا ؛وشارك في العمل بهذه البعثة الأستاذ الدكتور جوزيف نسيم يوسف ( 1925- 1993 ) ) حيث عكف على فحص ومراجعة هذه المخطوطات.فوجد بها مجموعة كبيرة تتحدث عن نشأة الرهبنة في مصر على يد كل من الأنبا أنطونيوس (توفي عام 356 م تقريبا ) والقديس الانبا بولا (توفي عام 270 م تقريبا ) وقوانين القديس باخومويس (299-348م تقريبا ). وتلقي أقوال وتعاليم هؤلاء الرهبان الضؤ على النشأة الأولي للرهبنة وقوانينها؛كما تلقي هذه المخطوطات الضؤ على كيفية انتقال الرهبنة من مصر إلى أوروبا على يد القديس أثناسيوس الرسولي البطريرك ال 20 من بطاركة الكنيسة القبطية (توفي عام 373م ) خلال نفيه الثاني إلى مدينة روما ؛حيث قام بتدوين سيرة حياة القديس أنطونيوس الكبير ؛ والقديس جيروم الذي زار مصر وتعرف على الأديرة المصرية ؛كذلك القديس بالاديوس وله كتاب معروف بأسم "بستان الرهبان " كذلك تروي هذه المخطوطات كيف أنتقلت الرهبنة من مصر إلى الدولة البيزنطية على يد القديس باسيليوس الكبير كذلك تكشف المخطوطات العربية بدير سانت كاترين عن الصراعات المذهبية والانقسامات الدينية التي قامت بين المسيحين في القرن الخامس الميلادي (عام 451 م ؛وهو العام الذي انعقد فيه مجمع خلقدونية ؛ وفيه رفضت الكنائس الآتية الاعتراف به وبقراراته ؛وهذه الكنائس هي "الكنيسة القبطية – الكنيسة السريانية – الكنيسة الإثيوبية – الكنيسة الأرمنية – الكنيسة الهندية ؛ وشكلت فيما بينها ما يعرف بمجموعة الكنائس اللا خلقدونية Non- Chalcodinan –Churches ). أما عن تاريخ كتابة هذه المخطوطات ؛فالأغلبية يرجع تاريخها ما بين القرن التاسع والتاسع عشر الميلادي ؛ فهناك 11 مخطوطة ترجع للقرن التاسع الميلادي؛ وثلاث مخطوطات ترجع فيما بين القرنين التاسع والعاشر الميلادين ؛ وخمس وعشرين مخطوطة ترجع للقرن القرن الحادي عشر. اما عن الخط المكتوب به هذه المخطوطات ؛ فتوجد مجموعة مكتوبة بالخط الكوفي ترجع للقرون التاسع والحادي عشر ؛وتعتبر أقدم ما وصل الينا في ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية ؛ كما توجد أحدي وعشرين مخطوطة ترجع للقرن العاشر الميلادي ؛ أما بقية المجموعة العربية فهي مكتوبة بالخط النسخ بأنواعه المختلفة.الجدير بالذكر أن مكتبة دير سانت كاترين تعد الثانية على مستوى العالم بعد مكتبة الفاتيكان من حيث أهمية مخطوطاتها