منذ أربعين سنة حين أعلن الرئيس السادات سياسة الانفتاح الاقتصادي ونحن نعيش اكذوبة تسمي تشجيع الاستثمار . بدأها السادات مباهيا أنه سيدخل بالبلاد عصر الحرية وانفتحت البنوك تقدم التسهيلات لذوي الحظوة السياسية من رجال الحزب الحاكم . جيلنا يذكر كم الهاربين بالأموال من مصر ، والجيل الجديد يمكن أن يعود إلي صحافة السبعينات ليعرف . لم تكن سياسة الانفتاح غير " سداح مداح " كما لخصها الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين رحمه الله ذلك الوقت . أما كاتب كبير مثل سعد الدين وهبة رحمه ايضا فقد كتب مقارنا ما يحدث بما جري في عصر الخديو إسماعيل من إغراق مصر في ديون للدول الأوربية تتيح التدخل في شئونها وسياستها وقد كان . اغتيل السادات ومشي حسني مبارك علي خطاه مع إحكام أكثر . وانفتحت البنوك مرة أخرى للمرتبطين بالحزب الوطني الحاكم . والأهم من ذلك تم تسهيل الاستيلاء على أراض بمساحات رهيبة في كل مصر بأسعار لا قيمة لها رغم أن الأرض وما تحتها والهواء والماء هي ملك للشعب كله . وبينما السادات كان يفتح الباب لشراء الأراضي بسعر موحد للجميع كما فعل في مدن العاشر من رمضان والسادس من اكتوبر انتهي الأمر في عصر مبارك وصارت الأراضي لأصحاب الحظوة من رجال الحزب الحاكم والملتفين حوله ثم ضاق الأمر مع الوقت ليصبح لمن هم قريبين من لجنة السياسات التي يديرها إبنه جمال . وانفتح الباب أيضا للاستيلاء علي المناجم وكل ثروات مصر الحجرية بلا ثمن تقريبا . تسلم السادات البلاد وشركات القطاع العام غير خسرانة . بل بالعكس كان لها دور كبير في الاقتصاد وتماسك البلاد حتي حرب أكتوبر ثم بدأ اتفاقا مع سياسته التفكير في بيع القطاع العام . كان الطريق الوحيد هو تخسير الشركات ليكون ذلك مبررا لبيعها . وبدأت سياسة تغيير قياداتها بمفوضين ليس لهم من عمل إلا تخسير هذه الشركات . بعد ذلك يتم طرحها في البورصة للبيع . والمدهش أن بعض هؤلاء المفوضين كانوا من الذين اشتروا الشركات وأحمد عز مثال علي ذلك . كان مفوضا علي شركة حديد الدخيلة فخسرت فبيعت في البورصة فاشتري النسبة الأكبر منها وربحت . إلي جانب ذلك رفع شعار الإعفاء الضريبي للمستثمرين لمدة عشر سنوات بعضهم بعدها غير إسم الشركة ليبدأ عشر سنوات أخري . ورفع شعار تقديم الخدمات بالسعر المدعم فقدمت المواد الحارقة مثل الغاز والمازوت والكهربا بالسعر الذي يحصل عليه المواطن العادي رغم أن الشركات تبيع بضاعتها بالسعر العالمي . انتهت الرقابة علي الأسواق وتركت لجهاز فاسد يعرف الجميع كيف يمر رجاله علي المصانع والاسواق فيأخذون المعلوم ، وانتشرت البضاعة الفاسدة .هكذا خلقت في مصر طبقة تسمي رجال الأعمال أغلبها وصل إلى ما هو فيه علي هذا النحو والقليل منها من بدأ حياته صغيرا وكبر بكفاحه الطبيعي لأي رجل أعمال . ومن ثم ما لدينا في مصر ليس رأسمالية حقيقية . قيل من زمان إنها رأسمالية طفيلية طفت علي وجه المجتمع بفعل فاعل وليس بفعل الكفاح الطبيعي لأي رجال أعمال . بل وزادت بأنها رأسمالية للنهب تبذل أقل مجهود لتصبح شديدة الثراء مادام النظام يمكنها من الحصول على ما تريد بأقل ثمن لتبيعه بأغلي ثمن ، ولابد أن له نصيبًا خفيًا من ذلك . وهذه الرأسمالية التي بدأت من النهاية لا يمكن بسهولة أن تتنازل عن طريقتها ومكاسبها السهلة إلا بفعل سياسة جديدة علي رأسها تفعيل قانون العرض والطلب الذي تستخدمه في بيع بضاعتها ولا تستخدمه في شراء موادها الخام . من يستطيع أن يجعل المواد الخام التي هي ثروة الشعب كله مطروحة في السوق للعرض والطلب . هذا هو السؤال . الذي أول طريق الإجابة عليه منع بيع المواد الخام للمصانع بالسعر المدعم . ومنع بيع الثروة الحجرية بأسعار الخمسينات . وفرض ضريبة تصاعدية بسرعة تنفيذا للدستور الجديد وتشجيع رحال الأعمال ليس علي الشراء بالرخيص ولكن على العمل الثقافي والإجتماعي والخيري وحذف ذلك من ضرائبهم . وتكفي أربعون سنة أتيحت لهم كل السبل فيها للنهب والنتيجة كما نرى بطالة وارتفاع أسعار في كل شيء .