الوطن هو ليس شعبًا وإقليمًا وسلطة فحسب، ولكنه أيضاً تاريخ وحضارة وعادات وتقاليد وجينات وهوية حضارية مشتركة تشكلت وتجذرت عبر آلاف السنين، مصر التي هى مقبرة الغزاة احتوت ثلاث هجرات جماعية وصهرت في بوتقتها الحضارية ثلاثًا وخمسين غزوة حربية ومصرت الجميع، ولذا من الطبيعي والمعروف أن الوطن بهذه الصورة هو غير السلطة الممثلة في الحكومة التي تأتي وتروح وتتغير وتتشكل حسب طبيعة وطريقة الاختيار التي يحددها الدستور وينظمها القانون، ولذا طبيعي أيضًا أن نختلف مع أي سلطة وأي حكومة في إطار التعددية الدستورية التي أقرها الشعب، ولكن كيف نختلف مع الوطن الذي نعيش على أرضه ونقتات من خيراته ونستظل بسمائه ونفتخر بتاريخه ونعتز بهويته؟!. وعلى ذلك ما حدث في 30 يونيو كان هبة وانتفاضة جماهيرية غير مسبوقة في التاريخ المصري عندما حاول الإخوان تغيير الهوية المصرية التي هى خط أحمر، بل هى السمة والعلامة الأصيلة والمميزة لمصريتنا، هنا عندما يخلط أي إنسان بين السلطة والوطن فهو لا يعرف الوطن ولا يؤمن به ولا يعنيه، وعندما تتحور وتتمحور المصالح الذاتية والتنظيمية في مواجهة الوطن وليس الحكم، يصبح من الطبيعي أن نسمع تعبيرًا أن الوطن "صفقة تراب عفنة"، ولما سقط نظام الإخوان طُلب منهم في 3 يوليو 2013 المشاركة في الاجتماع ورفضوا لأنهم لا يريدون غير حكم مصر، وهو الجائزة الكبرى لهم ولرؤيتهم المرتبطة بما يسمى بالخلافة العثمانية، وقد ظهر ذلك جليًا في عام حكمهم، وحدث ما حدث في 14أغسطس 2013 من حرق كنائس ومتاجر ومؤسسات ومحاكم...إلخ، بل زد عليه ما يحدث الآن في سيناء من الإرهاب الممول من دول ومخابرات معلومة الاسم والهدف، فهل هذه الممارسات في إطار القانون وضد الحكومة التي يريدون إسقاطها، أم أن هذا ضد الوطن كله وليس النظام؟ ما يظهر من أفعالهم وأقوالهم يقول إنهم ضد الوطن، والدليل على ذلك أن الوطن يعيش هذه الأيام في ظل أكبر وأعتى التحديات غير المسبوقة بالفعل، فمن الشرق الإرهاب ومن الجنوب مشكلة سد النهضة، وهى مشكلة وتحدي حياتي، ومن الغرب تحدٍ عسكري ضد تركيا المتوغلة في المنطقة ثأرًا من 30 يونيو وأملًا في عودة الخلافة، ومن الشمال تحدي الغاز والطاقة. فهل في ظل هذه التحديات نتحدث عن خلافات؟! أم أن الآن ساعة العمل الوطني المصري، الآن لحظة تاريخية مفصلية تريد فيها كل قوى الغدر والعدوان الانقضاض على الوطن لصالح أجندات لا علاقة لها بأي مصري شريف ومنتمٍ ومحب لهذا الوطن، فلننحي الخلافات الآن ولتعمل السلطة على مد يد التوافق الوطني لجمع شمل معسكر 30 يونيو الذي أسقط الإخوان، وهنا فالمواجهة والتوافق يحتاجان لنوع من المصارحة والشفافية والمشاركة الشعبية، مع الوضع في الاعتبار أن ظروف جائحة كورونا تضيف للتحديات تحديًا آخر، ولذا لابد من درجة عالية من الوعي الجمعي لمواجهة الشائعات والتحليلات المعادية والتي تتعلق باسم الوطن والوطنية، فهناك من يقلل من خطر الجبهة الغربية، ويصعد في مشكلة سد النهضة، وهذا لهدف معلوم وهو عدم مواجهة تركيا، فهؤلاء يتعاملون كأتراك في مصر وليس كمصريين، فمشكلة سد النهضة ومشكلة المتوسط من الشمال والإرهاب في الشرق وليبيا في الغرب كلها تهديدات مباشرة للأمن القومي المصري . نعم والحمدلله لدينا قوات مسلحة مستعدة، ولكن لابد أن نترك القرار للمسئول المتخصص، فليست المواجهة مواجهة جماهيرية بل لها أبعاد كثيرة، مع العلم أن الالتفاف والتوافق والتوحد المصري الجماهيري هو السند الأساسي والحصن المتين في ظهر صاحب القرار. حفظ الله مصر وشعبها وجيشها، مصر كل المصريين.