بين عشية وضحاها أصبح اسم قرية كوم الرمل القبلى يتردد بقوة على جميع قنوات التلفاز ومواقع التواصل، عشرات الفيديوهات والمقابلات واهتمام من القيادة السياسية، السبب في هذا كله يرجع إلى مجموعة الشباب ال 23 الذين اختطفتهم ميليشيات السراج إثر اقتحام مدينة ترهونة الليبية واحتلالها بعد انسحاب الجيش الوطنى الليبى منها، أيام عدة عاشها أهالى الشباب المخطوفين في حزن وترقب ممزوجين بالخوف على مصائر أبنائهم، إلى أن نجحت الحكومة المصرية في إعادتهم لبلدهم وسط مشاعر الحب والامتنان للرئيس عبدالفتاح السيسي وللحكومة المصرية اعترافا بالجهد الشاق والعمل الجاد الذى أثمر عن إنقاذهم وعودتهم لوطنهم سالمين. ماحكاية هذه القرية؟ ولماذا يصر أبناؤها على السفر إلى ليبيا تحديدا حتى في أوقات الحرب والاضطرابات؟ زهرة على بحر يوسف في جنوب غرب مركز سمسطا بمحافظة بنى سويف شمال صعيد مصر وعلى ضفاف بحر يوسف تقع قرية كوم الرمل التى يلقبونها بزهرة بحر يوسف، قرية هادئة متماسكة كغيرها من قرى صعيد مصر يجمع بين أهلها الود وعلاقات الأهل والمصاهرة وغيرها، المثير في الأمر أن هذه القرية لها خصوصية بين القرى المجاورة تميزها وتجعلها محط أنظار وإعجاب الجميع. قد يتعجب القارئ حين يعرف أن اقتصاد هذه القرية يرتبط أكثر بالأوضاع في ليبيا لأنه لا يكاد يخلو بيت في القرية إلا وبه عدة أفراد يعملون في ليبيا وتحديدا مدينة ترهونة التى عرفها أهل القرية منذ سبعينيات القرن الماضي، ورغم ابتعاد ترهونة عن الحدود المصرية إلا أن أهل كوم الرمل عاشوا بها وتأقلموا مع أهلها إلى أن وصلت العلاقات بين أهل ترهونة وكوم الرمل علاقات صداقة وأخوة بل ويقصد التراهنة مصر لزيارة كوم الرمل فقط، ولأن أغلبية شباب القرية يعملون في ليبيا ومعظمهم من أصحاب المهن والأعمال هناك فقد أثر ذلك على المستوى الاقتصادى للقرية لترتفع أسعار الأراضى الزراعية والبناء إلى مستويات عالية تفوق كل القرى المجاورة، إضافة إلى الارتفاع المذهل في تكاليف الزواج وزواج الفتيات والشباب من صغار السن، فضلا عن تحول القرية نحو المدنية وبناء البيوت وتجهيزها على أعلى المستويات، ومن المؤكد أن أحوال القرية الاقتصادية تأثرت سلبا في الفترة الأخيرة نتيجة الصراع في ليبيا، ليعتمد معظم أبناء القرية على النشاط الأساسى وهو زراعة الأرض وتربية الماشية. تاريخ وطنى ومدرسة باسم الشهيد في مدخل القرية تقع مدرسة الشهيد محمد عبدالله، وهو أحد الشهداء من أبناء القرية الذين استشهدوا إبان حرب الاستنزاف، بل ويفاخر أهل القرية أنه رغم أنها قرية صغيرة إلا أنه كان منها عدد كبير جدا شارك في حرب السادس من أكتوبر ومنهم من كانوا في الصفوف الأولى وقت العبور، كثيرون منهم لا يزالون على قيد الحياة لا يزالون يغرسون في أبنائهم حب الوطن الأم مصر ويفاخرون حين يلتحق أحدهم بالقوات المسلحة ويتم تجنيده في سيناء أو يلتحق بسلاح الصاعقة، يرون في ذلك شرفا كبيرا وامتدادا لأهاليهم وذويهم الذين سبقوهم في خدمة مصر. مقاومة التيفود والجهود الذاتية في تسعينيات القرن الماضى ابتليت القرية بحمى التيفود الذى أصاب العديد من أبنائها وزهق أرواح بعضهم، لم تكن الأحوال المعيشية وقتها في أفضل حال لكن بعد دراسات قامت بها الدولة اتضح أن المصرف الذى يخترق القرية هو سبب ذلك المرض فاتخذت الدولة قرارا وقتها بردم المصرف وإلغائه، استغل أهل القرية الموضوع استغلالا حسنا، وقاموا بإنشاء مركز شباب ووحدة صحية على أرض المصرف وبالجهود الذاتية التى تتميز بها القرية، فكل المشاريع القائمة فيها نتيجة جهود ذاتية بما فيها المدارس الابتدائية والإعدادية والوحدة الصحية ومدرسة الفصل الواحد والمساجد، يتبع أهل القرية نظاما متميزا حيث توزع التكاليف الإنشائية على العائلات ويلتزم الجميع بذلك، وهذا جعلها الأكثر تميزا في هذا المجال على مستوى محافظة بنى سويف. اهتمام قديم بالتعليم المثير في الأمر أن هذه القرية رغم كونها صغيرة مقارنة بالقرى المجاورة لها إلا أنها عرفت التعليم قديما فتأسست أول مدرسة ابتدائية بها 1936 نتيجة تبرع أحد الأهالى بمنزله لتحوله الدولة إلى مدرسة، لتكون كوم الرمل مركزا تعليميا لأبناء القرى المجاورة، وربما كان هذا سببا في ارتفاع مستوى التعليم في القرية التى خرج منها أطباء ومهندسون وأساتذة جامعة وضباط جيش ومعلمون، كذلك تهتم القرية بتعليم البنات، فضلا عن بزوغ نجم العديد من أبنائها في مجالات أدبية متعددة كالشعر وكتابة القصة والعمل الصحفي، كما يحصل أبناء القرية على المراكز الأولى على مستوى محافظة بنى سويف ويحتلون مراكز متقدمة على مستوى الجمهوية في مسابقات مراكز الشباب الثقافية والدينية والرياضية وغيرها إضافة إلى تواجد عدد كبير جدا يعملون بالتدريس في دولة الإمارات العربية المتحدة. وكغيرها من قرى مصر تعرف قرية كوم الرمل بالكرم والجدعنة وخفة الدم والشهامة حتى إنه في تسعينيات القرن الماضى لقى أحد أبناؤها مصرعه في القاهرة أثناء محاولة إنقاذ طفل سقط في بالوعة. لا شك أن كل شبر من تراب مصر يحمل العديد من المميزات والقيم الأصيلة التى تميز أهله، وهذه كانت لمحة بسيطة عن قرية حازت على اهتمام المصريين جميعهم وتردد اسمها على كل وكالات الأنباء.