قلل المفكر الراحل فرج فودة من أهمية ما تقدمه الجماعات الدينية المتطرفة وخاصة في مجال الحكم والسياسية، مؤكدا أنهم لا يملكون آلية وبرامج عمل لو تمكنوا من الوصول إلى الحكم، وأنهم يتشدقون بكلمات من باب التعميم تنطلي على البسطاء والعوام. فوده، الذي اغتالته يد الإرهاب في يونيو من العام 1992 عاد ليتصدر مواقع التواصل الاجتماعي بعد انتقاد الفنان أحمد الرافعي له بينما هو يؤدي دور مفتي جماعة أنصار بيت المقدس في مسلسل الاختيار لمؤلفه باهر دويدار وإخراج بيتر ميمي وبطولة الفنان أمير كرارة. كان فودة دارس الزراعة قد اهتم ببيان مشكلات الجماعات المتطرفة وفضحها مما دفعها لتنتقم منه وتغتاله، لكنه كان مؤمنا بفضح محدودية أفكارهم. في العام 1987 وإبان الكشف عن جماعات متطرفة مثل "الناجون من النار" وقبل محاولات اغتيال وزير الداخلية كتب فرج فودة كتاب "الإرهاب" مما أثار ضغينتهم ضده. وخلال مقدمة الكتاب تساءل فوده عن أهمية أبطال مثل طه حسين وعلي عبدالرازق لو عاشوا مثل بقية الناس يأكلون وينامون دون أن يفككوا مقولات تراثية مثل فكرة الخلافة، حيث قال: "إنني أتساءل عن أهمية وقيمة ما يمكن أن يقدمه سعد زغلول لو كان دوره اكتفى بكتابة مذكرة في الأحوال الشخصية وهو الدارس للقانون، ولو اقتصر دور طه حسين على تقييم أدب أبي العلاء أو دور على عبدالرازق على كتابة مذكرات أحكام القضاء الشرعي. وعد فودة بسالة مثل هؤلاء من قبيل الحكمة العلوية التي "تهيء الأفراد لأداء دور ربما دفعوا حياتهم من أجله وربما أسعدهم الحظ بحصاد النتائج خلال حياتهم، من منا يتذكر من قطع أطراف ابن المقفع وأجبره على أكلها بعد شيها لأنه تجرأ على إزجاء النصح للحاكم في كتابه "رسالة في الصحابة" تقريبا لا أحد بينما تنقل كتب ابن المقفع من الأجداد إلى الأحفاد وأحفاد الأحفاد. إنني لا أذكر هذا كله تعزية للنفس ولا تسرية عنها وإنما أذكره لكي يتعظ به من يركبون مد الإرهاب استجابة لتصفيق صفيق ومجاراة لريح السموم التي هبت على مصرنا في غفلة من التاريخ. وعن فكرة الدولة الإسلامية التي ينادون بها قال فوده: "أنتم تنادون بالدولة الإسلامية وتدعون أنكم تملكون نظرية حكم إسلامية كاملة ومتكاملة ونحن نرى أن الإسلام أعز وأعم وأن الله قد ترك شئون السياسة والحكم لاجتهاد المسلمين لعلمه وهو العليم أن العصور تتغير وأن الأزمن تتوالى وأن أنظمة الحكم تتغير مع هذا كله وأن الإسلام لو اشتمل على ذلك نصًا وتحديدا لفرض الثبات على ما لا ثبات فيه والضيق على ما هو سعة والحسم على ما هو محل للاجتهاد. وجه فوده سؤاله لهم ماهو برنامجكم السياسي أيها السادة حتى نكون على بينة؟ سؤال بسيط لكنه بالنسبة لهم قاتل فهم يعلمون أنهم لا يملكون الإجابة ولو أجابوا لاختلفوا ولو حاولوا لسقطوا في شرك من اثنين: الشرك الأول أن يلجأوا إلى معممات ومعميات من شاكلة سوف يحل رضى الرحمن وسوف تسود البهجة، سوف يعلو الضمير، يا له من مجتمع سعيد ذلك الذي تعلوه رايات الحق وتظلله بركة السماء، إلى آخر هذه العبارات الفضفاضة المطاطة التي إن جازت على البسطاء لا تجوز على المفكرين والحكماء أما الشرك الثاني فهو أن يختلفوا مع بعضهم البعض أو مع المنطق أو مع واقع الحياة المتغير، خاصة وأن ما يملكونه من أدلة وما يروجونه من تصورات على محدوديتها وتواضعها تثير عليهم ولا تثير معهم، وتنقلب عليهم ولا تجمع حولهم، بدءا من اشتراط أن يكون الحاكم قرشيا وانتهاء بخلافهم المحزن حول كنه الشورى وهل تكون ملزمة أم لا تكون، ومرورا بانتقاداتهم المرة للديمقراطية وعبورا على اختزالهم المسيء للحضارة العالمية". يشار إلى أن تلك الانتقادات كانت منذ سنوات طويلة لكنهم بالفعل عندما وصلوا للحكم في العام 2012 على يد الجماعة الأم جماعة الإخوان الإرهابية لم يكن لديهم أي تصورات عن الحكم والسياسية بينما اعتمدوا بشكل كبير على دول لديها ميول استعمارية قديمة كي تحرك لهم الأمور وتدير لهم شئون البلاد على الحقيقة.