بوتين: محطة الضبعة النووية تلبي احتياجات الاقتصاد المصري المتنامي    جامعة قناة السويس تحتفي بأبطالها المتوجين ببطولة كأس التميز للجمهورية    لن نبكي على ضعف الدولار    الزراعة: أكثر من مليون شتلة فراولة تم تصديرها خلال أكتوبر    محافظ الجيزة يتفقد مشروعات تطوير الطرق.. ويؤكد: تحسين كفاءة المحاور أولوية    وزير الزراعة يعقد اجتماعاً موسعاً لمديري المديريات ومسئولي حماية الأراضي بالمحافظات    البيئة تنظم مؤتمر الصناعة الخضراء الأحد المقبل بالعاصمة الإدارية الجديدة    رئيس الأركان يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته بمعرض دبى الدولى للطيران 2025    مجلس الشيوخ الأمريكى يوافق على مشروع قانون للإفراج عن ملفات إبستين    أسطورة ليفربول يكشف مفاجأة عن عقد محمد صلاح مع الريدز    المصرية لدعم اللاجئين: وجود ما يزيد على مليون لاجئ وطالب لجوء مسجّلين في مصر حتى منتصف عام 2025    تأهل منتخبا 3×3 إلى نصف نهائي دورة ألعاب التضامن الإسلامي    دوري أبطال إفريقيا.. 30 ألف متفرج في مباراة الأهلي وشبيبة القبائل الجزائري    الإسماعيلي يكشف حقيقة طلبه فتح القيد الاستثنائي من فيفا    ارتفاع عدد مصابي انقلاب سيارة ميكروباص فى قنا إلى 18 شخصا بينهم أطفال    محافظ قنا يكرم مسعفا وسائقا أعادا 115 ألف جنيه وهاتف لصاحبهما    حسين فهمى يكرم محمد قبلاوي.. والمخرج يهدى التكريم لأطفال غزة    قصور ومكتبات الأقصر تحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير.. صور    بث مباشر.. بدء مراسم وضع هيكل الاحتواء لمفاعل الضبعة النووية    ارتفاع درجات الحرارة.. الأرصاد الجوية تحذر من تغير حالة الطقس    سرايا القدس تستهدف قوات الاحتلال الإسرائيلي بعبوة ناسفة في جنين    وزير الري يلتقي عددا من المسؤولين الفرنسيين وممثلي الشركات على هامش مؤتمر "طموح إفريقيا"    تامر حسني يكشف تفاصيل أزمته الصحية بعد خضوعه لجراحة دقيقة في ألمانيا    نورا ناجي عن تحويل روايتها بنات الباشا إلى فيلم: من أجمل أيام حياتي    هيئة الرعاية الصحية تُطلق عيادة متخصصة لأمراض الكُلى للأطفال بمركز 30 يونيو الدولي    ما هو فيروس ماربورج وكيف يمكن الوقاية منه؟    الصحة: 5 مستشفيات تحصل على الاعتماد الدولي في مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    بسبب تراجع الانتاج المحلى…ارتفاع جديد فى أسعار اللحوم بالأسواق والكيلو يتجاوز ال 500 جنيه    مقتل 6 عناصر شديدى الخطورة وضبط مخدرات ب105 ملايين جنيه فى ضربة أمنية    مصرع 3 شباب في تصادم مروع بالشرقية    الصحة تغلق 11 مركزًا غير مرخص لعلاج الإدمان بحدائق الأهرام    السياحة العالمية تستعد لانتعاشة تاريخية: 2.1 تريليون دولار إيرادات متوقعة في 2025    وزير الإسكان يستقبل محافظ بورسعيد لبحث استعدادت التعامل مع الأمطار    القادسية الكويتي: كهربا مستمر مع الفريق حتى نهاية الموسم    الزمالك يستقر على موعد سفر فريق الكرة لجنوب أفريقيا    نجاح كبير لمعرض رمسيس وذهب الفراعنة فى طوكيو وتزايد مطالب المد    تعرف على أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    هشام يكن: أطالب حسام حسن بضم عبد الله السعيد.. وغير مقتنع بمحمد هاني ظهير أيمن    حزب الجبهة: متابعة الرئيس للانتخابات تعكس حرص الدولة على الشفافية    الدفاع الروسية: قواتنا استهدفت منشآت البنية التحتية للطاقة والسكك الحديدية التي تستخدمها القوات الأوكرانية    إقبال واسع على قافلة جامعة قنا الطبية بالوحدة الصحية بسفاجا    بريطانيا تطلق استراتيجية جديدة لصحة الرجال ومواجهة الانتحار والإدمان    صيانة عاجلة لقضبان السكة الحديد بشبرا الخيمة بعد تداول فيديوهات تُظهر تلفًا    حريق هائل يلتهم أكثر من 170 مبنى جنوب غرب اليابان وإجلاء 180 شخصا    المايسترو هاني فرحات أول الداعمين لإحتفالية مصر مفتاح الحياة    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    جيمس يشارك لأول مرة هذا الموسم ويقود ليكرز للفوز أمام جاز    إطلاق أول برنامج دولي معتمد لتأهيل مسؤولي التسويق العقاري في مصر    «اليعسوب» يعرض لأول مرة في الشرق الأوسط ضمن مهرجان القاهرة السينمائي.. اليوم    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في الوطن يوم 27 - 12 - 2016

نصف قرن مضى على رحيل الشيخ على عبدالرازق، واحتفل المجلس الأعلى للثقافة بهذه المناسبة فى «ندوة علمية»، والواقع أن ما يدعونا إلى الاحتفاء بهذا الرجل هو كتابه «الإسلام وأصول الحكم»، الذى أصدره سنة 1925، وبسببه قامت معركة سياسية كبرى فى مصر، انتهت إلى أن سُحبت منه درجة العالمية، ثم تبدلت الأحوال، ورُدَّ إليه اعتباره، واختير وزيراً للأوقاف، وامتدت حياته، حتى رحل عنا سنة 1966.
تتلخص حياة الشيخ على ودوره فى كتابه «الإسلام وأصول الحكم»، وله كتاب آخر صدر بعد ذلك عن «الإجماع فى الشريعة الإسلامية»، الكتاب مجموعة المحاضرات التى ألقاها على طلاب كلية الحقوق فى أحد المواسم الدراسية، لكن لم يتوقف عنده كثير من الباحثين والدارسين، كتابه الأول هو الذى أثار وما زال يثير الاهتمام، نوقش كثيراً وما زال النقاش يدور حوله إلى اليوم، وما زال الطلب عليه كثيراً من القراء ومن الباحثين، يكفى القول إنه توجد فى المكتبات ودور النشر عدة طبعات منه فى اللحظة الراهنة.
وقد توقف كثير من خصوم الشيخ على أمام كتابه «الإسلام وأصول الحكم»، ليذهبوا إلى أنه كُتب له، ولم يكتبه هو، قيل الشىء ذاته قبل ذلك عن كتاب قاسم أمين «تحرير المرأة»، والملاحظ لدى الأصوليين والمتشددين المصريين والعرب، أنه حين لا يعجبهم كتاب معين، ويجدون أنه يهدد أفكارهم ومشروعهم، يذهبون إلى أن هناك مؤلفاً خفياً للكتاب، لا يريد أن يعلن عن نفسه، هكذا قالوا عن قاسم أمين وعلى عبدالرازق وغيرهما، وقد يذهبون إلى أن الكتاب منقول أو مسروق عن باحث آخر، وهذا ما قالوه عن طه حسين وكتابه فى «الشعر الجاهلى»، إذ أكدوا أن د. طه نقل الفكرة عن «مرجيلوث»، رغم أن مرجيلوث نفسه أكد سبق طه حسين له، ورغم أن فكرة انتحال الشعر الجاهلى مطروحة منذ القرن الثانى الهجرى، فإن لم يُجد هذا ولا ذاك يزعمون أن صاحبه تراجع عنه، وهذا أيضاً رددوه عن صاحب «الإسلام وأصول الحكم»، ونسى هؤلاء أو تناسوا أن على عبدالرازق خريج الأزهر الشريف، وأتم دراسته فى جامعة «أوكسفورد»، وأنه قاض شرعى، أى لديه تكوين علمى وفقهى يسمح له بالاجتهاد وبالكتابة، ونسى هؤلاء توقيت إصدار الكتاب، الذى يعبر عن موقف فكرى وسياسى أصيل لصاحبه، كانت الخلافة الإسلامية سقطت سنة 1924، والواضح أن البعض تصوروا أن الخلافة «وظيفة»، تؤدى، ويجب أن يكون هناك من يشغلها، وهكذا راح المشتاقون فى العالم الإسلامى كله يعدون أنفسهم لشغل تلك الوظيفة، وكان أن بعض المحيطين بالديوان الملكى تصوروا أنها يمكن أن تؤول إلى جلالة الملك فؤاد، وأن تصبح مصر مقراً لها، وتشكلت لجنة للعمل على تحقيق ذلك.
فى تلك اللحظة، أصدر الشيخ على كتابه ليقول إن هذا المشروع، أى الخلافة، ليس من صميم الإسلام، وليس ضرورة دينية، ومن ثم فإن من يطالبون به عليهم أن يُسقطوا قناعهم الدينى، ويكشفوا عن حقيقتهم السياسية.
أريقت دماء كثيرة فى التاريخ العربى حول الخلافة والحكم، قُتل الصحابى الجليل عثمان بن عفان بصورة بالغة البشاعة بسببها، وكذلك قُتل على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، ثم قُتل الحسين بن على، حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى صراع حول الخلافة، ودُس السم لشقيقه الحسن بن على ليخرج نهائياً من المعادلة السياسية، والقائمة تطول؛ يكفى القول إن هناك 17 خليفة من خلفاء الدولتين الأموية والعباسية ماتوا مقتولين، فى صراع على السلطة، وحول الخلافة، وكان يقف وراء عمليات الاغتيال أفراد من نفس الأسرة.
لم يكن كتاب الشيخ على عبدالرازق، تعبيراً - فقط - عن رأى كاتب شجاع، وشيخ جسور، بل كان يعبر عن تيار وطنى.. سياسى وفكرى موجود وقائم، تمثل فى حزب الأحرار الدستوريين، الذى هو وريث «حزب الأمة»، أى أفكار لطفى السيد وقاسم أمين ثم طه حسين، وهم جميعاً يمثلون الجناح الأبرز فى مدرسة الأستاذ الإمام محمد عبده، التى تنحاز كلية إلى الوطنية المصرية وإلى الدولة المدنية الحديثة.
وإذا كان مصطفى كمال أتاتورك أسقط الخلافة سنة 1924، فإنه لم يفعل ذلك إلا بعد أن رأى أنها باتت خارج التاريخ، وأنها انتهت إلى احتلال تركيا ذاتها، والحق أنها كانت منذ قرون سابقة مجرد اسم فقط.
لا يهم الآن مدى عمق الكتاب، ولا المصدر أو المصادر التى رجع إليها الشيخ على فى كتابه، رغم أنه كتاب بسيط وسلس، يذهب المؤلف مباشرة إلى فكرته، يقدمها بصورة ناصعة، بلا حواش تثقلها وتجعل وصولها للقارئ صعباً، إنه السهل الممتنع. المهم، هنا، توقيت الصدور، إذ كان أشبه بزلزال، وكشف الوجه العارى لهذا المشروع، وهنا قامت الدنيا عليه، ثم هاجت عليه، لكنها قعدت بعد ذلك، واستراحت.
لم يكن كتاب الشيخ على عبدالرازق، تعبيراً - فقط - عن رأى كاتب شجاع، وشيخ جسور، بل كان يعبر عن تيار وطنى.. سياسى وفكرى موجود وقائم، تمثل فى حزب الأحرار الدستوريين، الذى هو وريث «حزب الأمة»، أى أفكار لطفى السيد وقاسم أمين ثم طه حسين، وهم جميعاً يمثلون الجناح الأبرز فى مدرسة الأستاذ الإمام محمد عبده، التى تنحاز كلية إلى الوطنية المصرية وإلى الدولة المدنية الحديثة.
لم يكن ذلك الحزب يمثل أغلبية فى البرلمان، كان حزباً نخبوياً، لكنه استطاع أن يخوض تلك المعركة وأن ينتصر فيها، والحق أنه لم يكن أمام المجموعة المحيطة بالملك فؤاد أى فرصة للنجاح، وهذا ما اكتشفه الملك بنفسه، وعبّر عنه بوضوح، من أنه لم يكن يراوده حلم الخلافة لغرض شخصى، على النحو الذى كشف عنه أحمد شفيق باشا، فى أحد كتبه.
قبل الشيخ على عبدالرازق، يمكن أن نجد إشارات لدى الطهطاوى وعلى مبارك والشيخ المرصفى والأستاذ الإمام محمد عبده، إلى ما انتهى إليه كتاب «الإسلام وأصول الحكم»، لكن أهمية هذا الكتاب أنه مثّل موقفاً صريحاً ضد مشروع سياسى، حاول البعض الإعداد له، ولعب هذا الكتاب دوراً فى إجهاض ذلك المشروع، زعم البعض فيما بعد أن الشيخ تراجع عن فكرته الأساسية، أو أنه خفف منها، وليس هناك فى كتابات الرجل ما يثبت ذلك، والمتاح لدينا من مقالاته يؤكد أن الفكرة كانت أساسية وأصلية لديه وأنه لم يتراجع عنها، هو فقط حاول أن يثبت باستمرار فى الكثير من مقالاته تمسكه بفكرته عن الخلافة، وأن تلك الفكرة لا تمس دين الإسلام فى شىء، والثابت فى التاريخ الإسلامى أن الإمامة، أى الخلافة، ليست أصلاً من أصول الدين، لدى أهل السنة والجماعة.
حسم الشيخ على عبدالرازق، وحزب الأحرار الدستوريين، معركة سنة 1925 حول الخلافة، وحسمتها نهائياً حقائق الواقع وأن المستقبل للدولة الوطنية وليس للدولة الأممية، وهو ما زال سارياً إلى يومنا هذا، ولكن ابتُلينا فيما بعد بجماعة حسن البنا وسيد قطب، التى تحاول أن تعيدنا من جديد إلى المربع صفر، وتتكرر المعارك، ويستمر نهج الشيخ على عبدالرازق، ممثلاً فى مفكرين وكتاب شجعان، أبرزهم فرج فودة، الذى اغتيل صيف سنة 1992، وإن كان لدينا الكتاب والمفكرون، فليس لدينا الآن «الأحرار الدستوريين»، أى حزب سياسى قوى، يتبنى هذه الأفكار ويدافع عنها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.