عندما يخبر الطبيب أي إنسان بأنه أصبح مريضًا بالسرطان، يتحول الأمر وكأنه وصل إلى النهاية، رغم التطور العلمى الكبير، وفى السنوات الأخيرة انتشرت حالات الإصابة بالمرض بشكل كبير في مصر. «البوابة نيوز».. حاورت الدكتورة نادية زخاري، وزير البحث العلمى الأسبق، أستاذ بالمعهد القومى للأورام جامعة القاهرة، حول أسباب المرض والوقاية منه والعلاج.. فكان هذا الحوار: ■ بداية.. ما سبب انتشار مرض السرطان في مصر بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة؟ - هناك إحصائيات كثيرة توضح أن مصر ما زالت في المنطقة الآمنة حتى الآن، ويبدو أن الأمراض السرطانية انتشرت بعد زيادة عدد السكان بصورة كبيرة، وصلت إلى 105 ملايين نسمة، فكلما زادت الكثافة السكانية زادت الأمراض عموما، وأيضا الاكتشاف المبكر للأورام ومعرفة النوع، نتيجة تطور العلم زاد في اكتشاف أعداد المرضى، فقديما كان يتوفى المريض ويعرف السبب في المراحل الأخيرة، أو لا يعرف أساسا أن السبب ورم سرطاني. الأورام السرطانية تزيد بشكل كبير في العمر المتقدم، الآن متوسط العمر وصل ل70 سنة، وبالتالى هذه المرحلة العمرية معرضة للإصابة، أكثر من الأطفال والشباب. ■ وهل التطور الصناعى والتكنولوجى السبب في انتشار الأورام السرطانية؟ - طبعا.. هذا مرتبط بالملوثات التى تخرج من المصانع، وعلينا أن نلتفت إلى هذا عن طريق اتباع الأساليب الآمنة للوقاية من عوادم الأدخنة في المصانع أو عوادم السيارات، ومراجعة هذا أثناء الحصول على التراخيص، وهذا كان متبعا منذ فترة، إلا أن هناك تراجعا في هذا الأمر، وأيضا لا بد من استخدام الأسمدة الطبيعية بدلا من الصناعية، والحد من الاستخدام المفرط للمبيدات الحشرية، واكتشاف بدائل طبيعية، كل هذا لا سيطرة عليه إلا بالعودة إلى البدائل الطبيعية، ونحتاج إلى وسائل أمان في المصانع للحفاظ على حياة العاملين فيها. ■ لكن لدينا انتشار كبير للمقاهى ومحال بيع الشيشة في الأحياء السكنية.. فما تأثيرها؟ - هذا أمر شديد الخطورة، حقا أنا حزينة، فرغم أن القانون يمنع هذا إلا أن الأمر منتشر، دون تطبيق القانون، وأيضا التدخين عامة كارثة، حيث صل إلى السيدات والأطفال، دون النظر إلى حجم المخاطر التى تضر الآخرين. ■ هناك هلع بين الناس من شبكات المحمول.. ما حقيقة مخاطرها وعلاقتها بالسرطان؟ - الإشعاعات التى تخرج منها تنتشر أفقيا، ولا ينزل على المنازل أو الناس، طالما أنها أعلى من المبانى، وبالتالى لا أحد يستطيع الاستغناء عنها، لكن يمكن الحد منها، وللعلم فإن هناك أجهزة عديدة نستخدمها في المنزل تخرج منها نفس الإشعاعات، منها المايكرويف والثلاجة والتكييف. ■ السمنة مرض أصاب أكثر من نصف المصريين.. فهل له علاقة بالأورام السرطانية؟ - السمنة لها ارتباط بالأورام السرطانية، لأن الدهون يمكن أن تتحول إلى بروتينات تتغذى عليها الأورام السرطانية، خاصة عند السيدات، متمثلة في سرطان الثدى، في ظل انعدام ثقافة المشى والرياضة في المجتمع، وأيضا التغير في الحالة المزاجية إلى الأسوأ. ■ لماذا نسبة الشفاء في الخارج أعلى منها في مصر؟ - أولا الاكتشاف المبكر للمرض له دور كبير في السيطرة على الورم، ثانيا أن الأجانب لديهم روح عالية ونفسية قوية للتمسك بالحياة، وهذا يحسن من حالتهم، ومواجهة هذا المرض الذى يوصف بأنه «وحش ضعيف» داخل جسم الإنسان، ليس نهاية العالم، وإنما العوامل القوية لمواجهته، الروح والنفسية العالية والمشى والحركة التى تزيد من مناعة الجسم، فكل إنسان طبيعى لديه خلية سرطانية في جسمه، لكن المناعة القوية تسيطر عليها وتقاوم المرض وتقتل هذه الخلايا، وبالتالى إذا قلت المناعة انتشر الورم في جسم الإنسان. ■ وما علاقة الغذاء بالإصابة بالسرطان؟ - كلما اعتمد الإنسان في طعامه على غذاء طبيعى، كلما انعدمت إصابته بالأورام، لكن انتشار المعلبات والوجبات السريعة، ومكسبات الطعم، والألوان الصناعية، باب مفتوح للإصابة بالأورام السرطانية، وعلينا تعليم أطفالنا الاعتماد على طعام صحى بعيدا عن المعلبات والوجبات السريعة، خاصة انتشار المعلبات مثل «الشعرية الجاهزة»، حول المدارس وهو أمر غاية في الخطورة لأن هذا المنتج به مادة تسبب السرطان. ■ لكن كيف نسيطر على هذا، بعدما أصبح هذا هو نمط حياة المصريين والأطفال؟ - لا بد من توجيه الأسر في الإعلام بالاعتدال والتقليل من المعلبات والوجبات السريعة، والاعتماد على الأطعمة الطبيعية، وأيضا مواجهة المعلومات الخاطئة المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة عن الغذاء فتجد من ينصح بمنع السكريات نهائيا، دون توضيح أنه السكر الصناعى وليس الطبيعي، الموجود في الفواكه، تجد تحذيرات من استخدام «الفريزر»، ومعظم هذه المعلومات خاطئة أو تحمل جزءا صحيحا، ولا بد من الانتباه لخطورة هذا الأمر. نحن نحتاج إلى تغيير النمط الغذائى للمصريين، حتى يخرج لدينا أجيال جديدة لديها علم بأهمية الأطعمة الطبيعية، ولا بد من تدشين مركز إعلامى للرد على تساؤلات المواطنين حتى لا يصبحون فريسة إلى الأقاويل والمعلومات غير الصحيحة عن السرطان. ■ ولماذا نسبة الإصابة بالسرطان مرتفعة لدى الأطفال؟ - النسبة آمنة لا تتعدى 12٪، وهذا معدل عالمى، والأطفال لدينا في آخر القائمة، والشعور بأن النسبة مرتفعة راجع إلى تأثرنا بالأطفال. ■ ما الفئات الأعلى إصابةً بالسرطان في مصر؟ - أعلى نسبة إصابة بالأورام لدى السيدات، متمثلة في سرطان الثدي، الذى يمثل 32٪ من المصابين بالسرطان، بمعنى لو لدينا 100 مصاب يكون لدينا 32 مصابة سرطان ثدى، وبالنسبة للرجال كانت أعلى المعدلات في سرطان المثانة لكنها انخفضت بشكل كبير، وتفشت أورام الكبد. ■ بحكم عملك وزيرة للبحث العلمى سابقًا.. ما سبب عدم ظهور علاج الدكتور مصطفى السيد باستخدام الذهب إلى النور حتى الآن؟ - العلاج يحتاج المرور بالعديد من المراحل، وهو الآن متوقف عند التجارب قبل السريرية، وهى المتعلقة بالتجريب على الحيوانات، حتى يكون هناك ضمان تام، لحياة الإنسان، ولا يوجد له آثار جانبية خطيرة، وإذا تأكدت وزارة الصحة أنه آمن على حيوانات التجارب، سينتقل إلى التجارب السريرية على البشر. ■ ما تقييمك للمبادرة الرئاسية للاكتشاف المبكر لأورام الثدى؟ - مبادرة رائعة، وسيكون لها آثار إيجابية كبيرة على حصار المرض، ولدينا في المعهد وحدة مجهزة لاكتشاف سرطان الثدى وعنق الرحم، منذ 17 سنة، وإذا اكتشف المرض مبكرا تصل نسبة الشفاء إلى 96٪، وكلما تأخر يستحال الشفاء منه، حال تفشيه في الجسم. والمجلس القومى للمرأة ومعهد الأورام، قاما بالعديد من حملات التوعية للسيدات في القرى والأرياف، وعمل الفحصوات اللازمة لهن، إلا أن مبادرة الرئيس أصبحت مجهود دولة بأكملها، وانتشر الأمر في كل الأماكن، ووفر العلاج للمرضى وتتبع حالتهم. ■ وكيف يتابع الإنسان الطبيعى حالته الصحية ويكتشف المرض مبكرا؟ - السرطان ليس مرضا واحدا بل العشرات التى يمكن أن تنمو في جسم الإنسان وتنتشر فيه، ولا يوجد أمر معين يكتشف وجود إصابة من عدمه، لكن كل نوع سرطان له أعراض معينة يمكن أن تحدث، سواء في الجهاز الهضمى أو الدم أو الجهاز التنفسى، وهذه الأعراض لا تختفى بالعلاجات، وبالتالى يتم التوجه فورا إلى الطبيب لعمل الفحوصات الطبية اللازمة، والاكتشاف المبكر نسبة الشفاء منه عالية. ■ ما صحة ما يقال عن أن علاج السرطان في الخارج يختلف عن العلاج المستخدم في مصر؟ - نفس العلاج الكيماوى الذى يتم استخدامه في العالم، لكن كل مريض لديه خطة علاج تختلف عن أى مريض آخر، ولا يجوز المقارنة بين علاج كل شخص، وهذا أمر سخيف بالمرة، كل مريض له علاج تفصيل على حسب البروتينات والجينات الموجودة في الورم، السرطان له عشرات الأنواع، لكن نتفق على أن العلاج في العالم كله له بروتوكولات دولية، مصر تسير عليها وتعمل بها، لتواكب هذا التطور. ■ وهل هناك علاقة للسرطان بالوراثة؟ - هناك نسبة 7٪ بالنسبة لسرطان الثدى والقولون، متعلقة بالوراثة، وإذا كان هناك مريض في العائلة فليس معناه بالضرورة إنه يصيب الأبناء أو الأقارب، لكن يصبح أى إنسان عرضة إذا حدث تغير في الجينات. ■ نحن متطورون جدا في الكيمياء.. فلماذا لدينا تراجع في صناعة الأدوية والعلاجات؟ - مصر متطورة في الأبحاث المنشورة، وتحتل المرتبة ال35 على مستوى ال239 دولة، وهذا يفيد في ترتيب الجامعات والبحث العلمى والتحول لمرجع للأبحاث، لكننا في تطبيق البحث العلمى متراجعين للغاية، والسبب عدم وجود ثقة بين البحث العلمى، والمستفيدين منه متمثلة في رجال الأعمال والصناعة والدولة. نحتاج إلى تشريعات وقواعد خاصة بصناعة الأدوية واختراعها، منها التجارب قبل السريرية، والسريرية، حتى يوجد ضمان كامل للاستخدام الآمن للمنتج العلاجى الجديد، وهذا الأمر الذى يجعلنا نستورد علاج الأمراض الكبيرة من الخارج، ولدينا صناعة للأدوية هنا لكن للأمراض العادية.