تشهد تركيا على المستويين الداخلى والخارجى العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتى كان لها التأثير على النظام السياسى التركى بصورة عامة وحزب العدالة والتنمية بصورة خاصة، وبالإضافة إلى هذه العوامل فقد ظهرت تهديدات أخرى جديدة تمتلك الكثير من التأثير على الأوضاع الداخلية والخارجية التركية كانتشار فيروس كورونا المستجد فى دول العالم ومن بينها تركيا، والذى تسبب فى اتخاذ هذه الدول للعديد من الإجراءات الاحترازية والتى اختلفت من دولة إلى أخرى وفق اعتباراتها ومصالحها القومية، وبالنسبة لتركيا باتت الحصيلة الإجمالية للإصابات على الأراضى التركية تناهز 70 ألفا والوفيات 1518 حالة. ملفات متشابكة يرتبط انتشار فيروس كورونا بالكثير من الأوضاع الداخلية والخارجية التركية والتى تكونت ملامحها قبل انتشار هذا الوباء ومن ثم استمرت أهميتها بعد انتشاره، وهو ما يمكن أن يؤثر على توجهات حزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا على المستويين الداخلى والخارجي، فقبل انتشار الفيروس فى تركيا تعرضت لمجموعة من الأزمات الداخلية والخارجية والتى تمثلت أهمها على النحو التالي: 1) تصاعد المعارضة الداخلية تشهد تركيا داخليًا حراكًا من جانب الأحزاب المعارضة لمواجهة حزب العدالة والتنمية خاصة من جانب حزبى الشعب الجهورى وحزب الشعوب الديموقراطى الذين تمكنوا من الحصول على الكثير من المكاسب الداخلية فى مواجهة حزب العدالة والتنمية الحاكم فى الانتخابات البلدية التى عُقدت فى مارس 2019، بالإضافة إلى اعتزامهم تكوين تحالفات مع بعض الأحزاب الجديدة فى الضغط على سياسات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ومن قبل أظهرت نتائج الاستفتاء على الدستور فى 17 أبريل 2017، تراجعًا فى نسبة التأييد لأردوغان. والتى مررت التعديلات بفارق ضئيل جدًا فى نسبة التصويت؛ حيث بلغت نسبة المؤيدين للتعديلات الدستورية (51.4٪)، وبين المصوتين ضد التعديل فى الاستفتاء (48.6٪) وهو فارق ضئيل يؤشر على تراجع مكانة الحزب فى الشعبية الداخلية. 2) الانشقاقات الداخلية فى الحزب شهدت تركيا خلال المرحلة الماضية الكثير من التفاعلات الداخلية على مستوى الأحزاب السياسية، خاصة مع إعلان كل من أحمد داود أوغلو وعلى باباجان تأسيسهما حزبين جديدين -حزب المستقبل وحزب الديموقراطية والتقدم- لمواجهة حزب العدالة والتنمية اللذين كانا من المؤسسين له، وتمثل هذه التحولات بداية للتأثير فى الساحة السياسية التركية فى الانتخابات المقبلة بسبب التحركات المعلنة وغير المعلنة بين أطراف سياسية فاعلة تسعى للدخول إلى مسار المنافسة ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم وقياداته، 3) الأزمات الاقتصادية الداخلية تعانى تركيا من العجز فى ميزان تجارتها الخارجية، بالإضافة إلى أن وارداتها أكبر من صادراتها، وهو ما يصيب الاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية بالعجز الكبير، كما فقدت الليرة التركية لما يقارب 20٪ من قيمتها، وزادت معدلات البطالة والتضخم الداخلي، ومن ثم تم إرجاء استكمال كافة المشروعات الداخلية، وعلى الرغم من ارتفاع النمو الاقتصادى التركى إلى مستويات غير مستدامة من خلال الإنفاق وسياسات الضرائب. إلا أنه تم تعطيل السياسات الاقتصادية طويلة الأمد؛ حيث تم إيقاف العمل بسبب هذه الأزمات. 4) العقوبات الدولية تواجه تركيا مجموعة من الضغوط الإقليمية والدولية فى مواجهة تحركاتها الخارجية فى الكثير من المناطق فى سوريا والعراق وفى ليبيا وكذلك فى ملف الغاز فى منطقة شرق المتوسط، بالإضافة إلى توجهاتها الخارجية تجاه التعاون مع روسيا وهو ما دفع كل من الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية إلى فرض مزيد من العقوبات السياسية والاقتصادية والعسكرية عليها. تأثير ممتد هناك الكثير من المؤشرات التى تدل على إمكانية تأثير انتشار الفيروس على تركيا داخليًا وخارجيًا والتى تتداخل فيما بينها لتشكل عاملا مؤثرا على بنية النظام التركى خاصة أنها تأتى بالتوازى مع مجموعة الضغوط الداخلية والخارجية غير المرتبطة بصورة مباشرة بهذا الفيروس، وفيما يلى أهم هذه التأثيرات: 1) تراجع شعبية العدالة والتنمية يواجه حزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا مجموعة من الضغوط والتى من أهمها خسارة الحزب للكثير من المدن الكبرى خاصة مدينتى أنقرةوإسطنبول فى الانتخابات البلدية الأخيرة والتى ساهمت بصورة كبيرة فى التأثير على قدرة الحزب على الحفاظ على شعبيته، بالإضافة لذلك الانشقاقات الداخلية فى الحزب والتى حاول الرئيس التركى مواجهة هذه التحركات من جانب المعارضة أو من جانب كل من أحمد داود أوغلو وعلى باباجان وتأسيسهما حزبين سياسيين جديدين من داخل حزب العدالة والتنمية، وهذه العوامل من المؤكد أن تؤثر على مستقبل الحزب فى الانتخابات المزمع انعقادها فى عام 2023. 2) توظيف انتشار الفيروس فى ظل التدهور الداخلى الذى تشهده تركيا وخاصة فيما يتعلق بملف اللاجئين، يمكن لتركيا توظيف هذا الملف واستثماره فى توجهاتها الخارجية فى مواجهة ضغوط دول الاتحاد الأوروبي؛ حيث تحاول تركيا تعزيز موقفها فى مواجهة هذه الضغوط بسبب التخوفات الأوروبية بصورة خاصة والدولية بصورة عامة من تفاقم أزمة اللاجئين وإمكانية انتقال وانتشار الفيروس فى مخيماتهم فى ظل تدنى مستوى الخدمات الطبية المقدمة لهم، ويزيد من قدرة تركيا على استثمار هذا الأمر ما تشهده الدول الأوروبية وبخاصة الكبرى منها من تفشى وانتشار هذا الفيروس فى الحصول على مساعدات دولية يمكن أن تزيد من قدرتها على تجاوز أزماتها الداخلية. انعكاسات محتملة من المحتمل أن ينعكس انتشار فيروس كورونا المستجد على المستويين الداخلى والخارجى للسياسة التركية، خاصة وأن هذه التطورات الأخيرة المتعلقة بظهور هذا الفيروس تأتى بعد سلسلة من الفعاليات الداخلية والخارجية المرتبطة بصورة مباشرة بالأوضاع التركية، وفيما يلى أبرز هذه السيناريوهات: 1) استمرار الهيمنة يمثل هذا السيناريو امتدادًا لسيطرة حزب العدالة والتنمية الإسلامى على مفاصل الدولة وتوجهاتها الداخلية والخارجية، خاصة بعد العديد من السياسات التى كانت وما زالت تؤسس لمثل هذه السيطرة، وفى هذا الشأن، يذكر أن بعد ما سُمى بمحاولة الانقلاب الفاشل فى 15 يوليو 2016، والتى تبعها العديد من السياسات التأميمية والقبض وانتهاك حقوق الإنسان، ومحاصرة المجال العام بما يعزز فرص توغل الحزب، وضمن نفس السياق قد يستغل الحزب حالة انتشار فيروس كورونا لتعطيل كافة الاستحقاقات الانتخابية وتوظيف ذلك فى الحصول على دعم دولى فى مواجهة أزمة اللاجئين وانتشار الفيروس فى هذه المناطق. 2) تحالف الأحزاب المعارضة وفق هذا السيناريو يمكن أن تقوم الأحزاب المعارضة والأحزاب الوليدة المنشقة عن حزب العدالة والتنمية الحاكم بالتحالف ضد الرئيس التركى أردوغان وحليفه حزب الحركة القومية، خاصة بعد نتائج الاستفتاء الأخير فى 17 أبريل 2017، والذى شهد تراجع نسبة التأييد لأردوغان. والتى مررت التعديلات بفارق ضئيل جدًا فى نسبة التصويت، حيث بلغت نسبة المؤيدين للتعديلات الدستورية (51.4٪)، وبين المصوتين ضد التعديل فى الاستفتاء (48.6٪)، ولعل الفارق الضئيل بين الأصوات المعارضة والمؤيدة للتعديلات الدستورية كشف النقاب عن تراجع مكانة حزب العدالة والتنمية، وخسارته لأهم معقلين تصويتيين وهما إسطنبولوأنقرة واللتان كانتا تصوتان لصالح الحزب من قبل. ختامًا: من المؤكد أن خريطة جديدة للتفاعلات ستظهر بصورة واضحة فى تركيا خلال المرحلة القادمة بسبب تأثير مجموعة من العوامل والتى من أهمها انتشار الفيروس المستجد وما له من تداعيات قد تمتد إلى التغيير فى هيكلية النظام السياسى وحدود دور المعارضة.