نحتفل في هذا العام أسبوع الآلام وأحد قيامة المسيح على الرغم من الأوضاع الصعبة ومن الإغلاقات والحجر الاجتماعي الصحي. ونحتفل بالقيامة حتى يزرع المسيح القائم الرجاء والفرح والسلام في قلوبنا وبيوتنا ومجتمعاتنا. نحتفل بعيد القيامة في هذا العام في بيوتنا العامرة. وذلك حفاظاً على صحة جميع المتعبدين. وحسب سفر أعمال الرسل، فالكنسية الأولى بعد حلول الروح القدس على التلاميذ قامت بالخدمات التعبدية في بيوتها. فنواةُ الكنيسة الحية هي العائلة المؤمنة. لذلك، لنرفع الصلاة والدعاء والابتهال والتسبيح في بيوتنا العامرة في هذا العام واثقين بأن المسيح القائم يحل في وسطها كما ظهر للتلاميذ حين كانت الأبواب مغلّقة ويبدّد خوفنا وهلعنا ويباركنا بقوله. سَلاَمٌ لَكُمْ! كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا. (أنجيل يوحنا 20: 21) لقد التزمت بالتعليمات وقبعت في بيتي حفاظاً على صحتي وعائلتي وغيري. وتابعت بين الفينة والأخرى التعليقات المتعددة، والتحليل الواعي واحياناً الفكر الشعبوي على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد تباينت الأفكار وتباعدت التخمينات. فمنهم من يعتقد أن فيروس الكورونا يخبر ببداية الأوجاع وهي إشارة واضحة على اقتراب نهاية العالم. ومنهم من يشرح بثقةٍ أن ثمة نظرية مؤامرة ومنهم من يستعملونَ العادات الدينية ويطوفون في قراهم وبلدانهم ليطردوا الفيروس منها. ومنهم من يعيشون في خوف وهلع كبير وقد فقدوا الأمل بهلعهم. ومنهم ممن يدعي أن هذا الفايروس هو قصاصٌ من الله ومنهم... وعندما نحتفل بأسبوع الآلام والقيامة، فتذكرنا احداثها بحقيقية واضحة أن الله هو إله حي محب. فالله ليس باله غضب وحامل السوط ليقاصص عبيده الذين خلقهم على صورته وفداهم بدم يسوع المسيح على الصليب. وتُعلمنا رسالة يوحنا "أن الله محبة" )رسالة يوحنا الأولى 4: 8(، وعلمنا سيدنا يسوع المسيح: لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.( انجيل يوحنا 3: 16 ) فنحن المسيحين الذين نؤمن أن الله محبة، لا نؤمن أن الله يظهر نفسه إلى لعالم بواسطة الفايروس أو الكوارث، إنما يُظهرُ الله نفسه للعالم بواسطة صلب وقيامة يسوع المسيح. ولذلك، تنبأ النبي أشعياء عن آلالام المسيح: " لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولاً. 5وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا ( نبوة أشعياء 53: 4 -5 ). وقد تمت هذه النبوة بصلب المسيح وبآلامه إذ أخلى المسيح نفسه أخذاً صورة عبد وأطاع حتى الموت موت الصليب وهو الذي لم يكن خطية أصبح خطية ليبررنا ويفدينا بدمه الكريم. وعلى صليبه المقدس، حمل جميع خطايانا وآثامنا وأمراضنا واسقامنا وأوبائنا وكل ما يقهر الإنسان وذلك ليمنحنا حياة وحياة أفضل. فالله في ابنه يسوع المسيح أحب البشرية جمعاء بغض النظر عن الدين أو الجنس أو المعتقد أو العرق أو الانتماء. ولأن الله محبة، فهو يريد دائماً خلاصها ليس من الخطيئة فحسب بل أيضاً من كل وبأ وسقام تؤلمُ خليقته المحبوبة. وذلك وعدنا المسيح بقوله: أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ. فعلى الصليب يشفي المسيح داء البشرية ويحررها من الخوف والرعب والقصاص والهلع. وعلى الصليب بين الله محبته للبشرية ففي هذه الأزمة الكورونية لنضع ثقتنا الكاملة بالله الواحد الأحد. لنضع ثقتنا القصوى بالمسيح المصلوب، الذي يغلب الموت بالموت والذي يغلب الكورونا وجميع الامراض بقوته. ويمنح الحياة لكل الإنسانية. لذلك، لا تخافوا فالله الذي هو محبة وأحبنا حتى موت المسيح على الصليب، لن يترك البشرية إنما يرعانا ويعتني بنا ويعطي الأطباء والباحثين الحكمة لإيجاد الدواء الشافي والتطعيم الحامي. لنعطِ هذا المسيح المقام من الأموات المجد والكرامة والتسبيح. ونعلن مع بولس الرسول، " مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لكِنْ غَيْرَ مُتَضَايِقِينَ. مُتَحَيِّرِينَ، لكِنْ غَيْرَ يَائِسِينَ.9 مُضْطَهَدِينَ، لكِنْ غَيْرَ مَتْرُوكِينَ. مَطْرُوحِينَ، لكِنْ غَيْرَ هَالِكِينَ.10 حَامِلِينَ فِي الْجَسَدِ كُلَّ حِينٍ إِمَاتَةَ الرَّبِّ يَسُوعَ، لِكَيْ تُظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضًا فِي جَسَدِنَا. (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 4: 8 – 10 ) وعندما نعيد في بيوتنا مع عائلاتنا، أضع في هذا العيد فكرتين للتأمل: 1. ليكن هذا الوقت وقت دعاء وصلاة، ابتهال وتأمل. أنه وقت للتوبة حتى نكتشف محبة الله ثانيةً في حياتنا وعالمنا. وهو وقت لنسأل: هل بنينا برج بابل من جديد ونسينا أن الله هو محبة وأن الله هو قادر على كل شيء وهل في تصرفاتنا واشغالنا عبدنا آلهة أخرى. وقد نكون أننا وضعنا ثقتنا بقوة السلاح والتسلح، بقوة الهيمنة الاقتصادية، بقوة التعصب والتطرف والأقصاء بقوة العنصرية والطائفية، بقوة التفرقة والأحقاد ونسينا أن إلهنا الحقيقي الذي نعبده ونسجد له هو الله محبة وقد خلقنا وفدانا على الصليب متساويين كأسنان المشط. وقد يكون أننا وثقنا بحقيقية القوة بدل من قوة الحقيقية. ولذلك، لنقضي هذا العيد في بيوتنا واقفين وقفةٍ حق مع أنفسنا وأمام الله ومصلينَ ومتأملينَ وتائبينَ واثقين أن الروح القدس سيقودنا في موكب الرجاء والسلام والمحبة. سأل أحد الصحافين الأم تريزا: " عندما تقضينَ فترة طويلة في الصلاة والتأمل، ماذا تطلبين من الله " فأجابته: لا شيء، أنما أصغي إلى صوت الله في دعائي. فاطردَ الصحفي سائلاً: فماذا يقول لك الله. فأجابت: لا شيء الا يكفي أن أكون في حضرته هذا الله الحي الذي هو الله محبة. وكلما كنت في حضرته، فيزداد محبتي له ولقريبي. ولذلك، عندما نصلي ونتأمل في هذا العيد، لنختبر قوة حضور المسيح القائم في وسط عائلاتنا وكنائسنا ومجتمعنا: ولنختبر قوة الرجاء في زمن اليأس، والسلام الحقيقي في زمن الخوف والهلع وقوة المحبة في زمن الأحقاد والكراهية. لأن المسيح جاء ليمنحنا حياة وحياة افضل. 2. لقد ثمنتُ كلمة الأمين العام للأمم المتحدة السيد جوتيرز، في طلب هدنة بين المتحاربين في جميع الحروب والنزاعات في العالم حتى نكثف الجهود ونوحدها لمحاربة هذا الفايروس. واثمن أيضاً التعاون الموجود بين الدول والحكومات والمؤسسات غير الحكومية في القضاء على هذا الفايروس وإيجاد الدواء والتطعيم. وأثمن جهود جميع العاملين في مجال الصحة والطب والذين يخاطرون بحياتهم لمعالجة مرضاهم. وأثمن وقفة عزٍ التي بادرَ بها مجتمعنا الفلسطيني كما وأثمنُ وقفة البنوك والشركات المقتدرة التي تبرعت وبادرت دلالة على وحدة انسانيتنا وسلامتنا. وهذا التعاون غير المسبوق ما هو إلا دليل واضح أنه اذا تعاون القادة والحكومات والمجتمع المدني وصبوا جهدهم يتمكنونَ من القضاء على هذا الفايروس. ليت هذه الروح تمتد إلى ما بعد الكورونه وتعطينا العبرة أنه إذا قصد العالم أن يتعاون معاً على الخير يستطيعون حل النزاعات والقضاء على الحروب وفرض السلام المبني على العدالة والقضاء وعلى الفقر المدقع، والاعتناء بالتغيير المناخي. وليت روح التعاون المشترك هذه تحث الجميع لتحقيق العدالة للقضية الفلسطينية حسب الشرعية الدولية. لذلك، رسالة القيامة هي رسالة رجاء ومحبة لأن الله محبة. ولأن المسيح القائم من الأموات يريد الحياة الكريمة لجميع أبناء البشرية على مختلف اديانهم واجناسهم وقومياتهم. قال المسيح: " أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ " . وكل عام وانتم وعائلاتكم بألف خير المسيح قام .... حقاً قام.