التجربة والامتحان أمران لا يمكن الهروب منهما، فما دمنا فى هذا العالم، وفى هذا الجسد، وما دمنا فى حرب مستعرة مع إبليس وجنوده لا يمكن أن نتجنب التجربة أو الامتحان. والتجربة جريئة تأتى إلينا فى أى وقت، فى الأزمات، فى الأوقات السعيدة، بل فى الصلاة يمكن أن تفاجأنا التجربة، رأينا هذا يحدث مع أنبياء الله إيليا (1ملوك 19)، موسى فى وسط صيامه (خروج 32: 19)، المسيح نفسه جاءه المجرب بعد وقت طويل من الصوم والصلاة (لوقا 4: 2-3). التجربة تأتى فى أى مكان، جاءت لآدم فى الجنة (تكوين 3)، وجاءت لابنى هارون فى خيمة الاجتماع (لاويين 10: 1-2)، وفى الهيكل حيث ضربت عزيا الملك بالبرص (2أخبار 26: 16-20). لكن السؤال المهم: هل هناك فرق بين التجربة والامتحان؟ (وإن كان هناك فرق) فمَن وراء التجربة؟ ومَن وراء الامتحان؟ لماذا يتعرض المؤمنون إلى التجارب والامتحانات؟ ما هو موقف الله عندما يتعرض أولاده للتجارب المختلفة؟ أولًا: الفرق بين التجربة والامتحان!!! تختلف التجربة كثيرًا عن الامتحان، فمن حيث المعنى، والمصدر، والهدف، والنتيجة، نرى اختلافًا واضحًا وكبيرًا بين كل من التجربة والامتحان. التجربة: فى معناها، تعنى الإغواء والإغراء؛ "دعوة إلى الخطية" هذا ما حدث مع حواء فى جنة عدن، حينما جاءتها الحية لتغريها بالأكل من الشجرة المنهى عنها. مصدر التجربة: إبليس، لذلك يسميه الكتاب المقدس، "المجرب"، جاء ليجرب المسيح (متى 4: 3)، وقد يستخدم إبليس فى تجربته للبشر كل ما هو تحت إمرته، فهو يستخدم ثورات الطبيعة من براكين وزلازل وغيرها ليجرب الإنسان، وأحيانا يستخدم نواميس الطبيعة المعروفة (البحر يُغرق من لا يعرف العوم، وفى الكتاب نقرأ عن افتيخوس الذى نام وهو يسمع عظة بولس فوقع من الطاقة ومات (أع 20: 9)، الأمراض والأوبئة، يستخدم البشر فى تجربة البشر أيضًا وتتعدد طرق إبليس التى يجربنا بها. هدف التجربة: السقوط والفشل، هذا ما حدث مع أبوينا الأولين، سقطا فى فخ التجربة، وهكذا عندما تأتى التجربة لإنسان ما فإن هدفها الأول والأخير هو إسقاطه فى فخها. نتيجة التجربة: هو الموت، اقرأ ما كتبه الرسول يعقوب: «وَلَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ، ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمُلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا». ملاحظة مهمة جدًا: لا خطأ فى أن تُجرَّب، فجميع مَن وجدوا على ظهر الأرض تعرضوا للتجارب، حتى المسيح نفسه تعرض للتجربة مرارًا. أما الامتحان: فى معناه فهو محاولة معرفة حقيقة الأشياء العميقة التى فينا، الامتحان: "عطية النعمة لنا" لاكتشاف وإظهار أفضل ما فينا. مصدر الامتحان: هو الله، هذا ما يؤكده لنا كاتب المزمور قائلًا: «اَلرَّبُّ فِى هَيْكَلِ قُدْسِهِ. الرَّبُّ فِى السَّمَاءِ كُرْسِيُّهُ. عَيْنَاهُ تَنْظُرَانِ. أَجْفَانُهُ تَمْتَحِنُ بَنِى آدَمَ. الرَّبُّ يَمْتَحِنُ الصِّدِّيقَ، أَمَّا الشِّرِّيرُ وَمُحِبُّ الظُّلْمِ فَتُبْغِضُهُ نَفْسُهُ» (مزمور 11: 4-5). هدف الامتحان: هو النجاح والترقى، هذا ما أخبر به موسى الشعب قائلًا: «لاَ تَخَافُوا. لأَنَّ اللهَ إِنَّمَا جَاءَ لِيَمْتَحِنَكُمْ، وَلِتَكُونَ مَخَافَتُهُ أَمَامَ وُجُوهِكُمْ حَتَّى لاَ تُخْطِئُوا» (خروج 20: 18-20)؛ وهذا ما يخبرنا به الرسول يعقوب قائلًا: «عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا» (يعقوب 1: 13). نتيجة الامتحان: الحياة المنتصرة الشاهدة عن عمل نعمة الله الغنية من خلالنا. ثانيًا: لماذا يتعرض المؤمنون للتجارب أو الامتحانات؟ يظن البعض أن الإنسان طالما أصبح مؤمنًا، وابنًا لله فهذا كافٍ لحمايته من التجارب، وهذا الفكر خاطئ للأسباب الآتية: 1- يظل المؤمن إنسانًا حتى بعد إيمانه، وهذا يبقيه فى نطاق نواميس الطبيعة وخضوعه لقوانين الطبيعة التى وضعها الله. 2- يخبرنا الكتاب أن، "الطبيعة كلها أخضعت للبطل وأن الخليقة كلها تئن وتتمخض معًا". (رومية8) 3- الإنسان كائن اجتماعى، فنزال بعد الإيمان مشتركين فى علاقات اجتماعية غير منفصلة عن الآخرين وقدرة الآخرين على الإيذاء أو إمكانية استخدام المجرب لهم لتجربتنا. 4- الله لا يحابى الوجوه، وليس لديه قوم مفضلون على قومٍ، بل مكتوب عنه إنه: «يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ» (متى 5: 45)؛ فلو أن زلزالًا فرَّق بين الأبرار والأشرار، فأصاب الأشرار فقط ألا يكون فى هذا تجربة كبيرة للكثيرين حتى يخدموا الله ابتغاء هذه العناية واتقاء للكوارث، أو أن الأمراض لا تفتك إلا بالأشرار فقط، أليس فى هذا تجربة للكثيرين بالتظاهر بالتقوى والبر حتى يتجنبوا خطر الأوبئة والأمراض. ثالثًا: موقف الله من أولاده المجربين والمتألمين يخطئ من يظن أن الله يقف بعيدًا عن أولاده وهم يُجربون، أو وهم يتعرضون للامتحان، بل هنا يختلف أولاد الله عن بقية البشر، فإذا كان جميع البشر معرضون للتجربة، إلا أن أولاد الله يتميزون بأن الله لا يقف بعيدًا عنهم، يقول الكتاب: «فِى كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ، وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ» (إشعياء 63: 9). وكل من يعرف المسيح كمخلص شخصى لحياته يعلم تمامًا أن الله لم يدعه وحده للتجربة أو الألم، بل يدعى اسمه عمانوئيل أى الله معنا، فالله يبقى معنا وسط التجربة، ليمنحنا القوة لننتصر عليها، «لأَنَّهُ فِى مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ». (عبرانيين 2: 18) موقف الله من تجاربنا 1- عند التجربة: يخبرنا الكتاب عن أمانة الله قائلًا: «وَلَكِنَّ اللهَ أَمِينٌ الَّذِى لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا». (1كورنثوس 10: 13) 2- عند هجوم إبليس: يخبرنا الكتاب عن موقف الله من أولاده قائلًا: «أَمِينٌ هُوَ الرَّبُّ الَّذِى سَيُثَبِّتُكُمْ وَيَحْفَظُكُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ». (2تسالونيكى 3: 3) 3- عند الشعور بالخوف: «اَلسَّاكِنُ فِى سِتْرِ الْعَلِى فِى ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ. أَقُولُ لِلرَّبِّ: «مَلْجَإِى وَحِصْنِي. إِلَهِى فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ». لأَنَّهُ يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِ، وَمِنَ الْوَبَا الْخَطِرِ. بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ، وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي. تُرْسٌ وَمِجَنٌّ حَقُّهُ. لاَ تَخْشَى مِنْ خَوْفِ اللَّيْلِ، وَلاَ مِنْ سَهْمٍ يَطِيرُ فِى النَّهَارِ، وَلاَ مِنْ وَبَأٍ يَسْلُكُ فِى الدُّجَى، وَلاَ مِنْ هَلاَكٍ يُفْسِدُ فِى الظَّهِيرَةِ». (مزمور 91: 1-5) 4- عندما نخون الله، أو لا نستطيع أن نضع ثقتنا فيه، يخبرنا الكتاب عنه أنه: «إِنْ كُنَّا غَيْرَ أُمَنَاءَ فَهُوَ يَبْقَى أَمِينًا، لَنْ يَقْدِرَ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ». (2تيموثاوس 2: 13) 5- عند انتقاد الآخرين لنا: يخبرنا الكتاب ألا ننظر للآخرين ولا نعتبر لكلامهم بل نستودع نفوسنا كما لخالق أمين فى عمل الخير، يكتب الرسول بطرس مؤكدًا هذه الحقيقة قائلًا: «الَّذِينَ يَتَأَلَّمُونَ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ فَلْيَسْتَوْدِعُوا أَنْفُسَهُمْ كَمَا لِخَالِقٍ أَمِينٍ فِى عَمَلِ الْخَيْرِ» (1بطرس 4: 19)، وكما قال الرب عن أولئك الذين ينتقدوننا أو يغيظوننا فى تجربتنا: «إِنَّهُ سَيَخْزَى وَيَخْجَلُ جَمِيعُ الْمُغْتَاظِينَ عَلَيْكَ. يَكُونُ كَلاَ شَيْءٍ مُخَاصِمُوكَ، وَيَبِيدُونَ». (إشعياء 41: 11) 6- عندما نكون تحت تأديب الله لنا، يجب أن نتأكد من محبة الله لنا، ولهذا هو يؤدبنا، اسمع ما كتبه كاتب العبرانيين قائلًا: «لاَ تَخُرْ إِذَا وَبَّخَكَ. لأَنَّ الَّذِى يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ». إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ التَّأْدِيبَ يُعَامِلُكُمُ اللهُ كَالْبَنِينَ» (عبرانيين 12: 6-7)، وقل مع المرنم: «قَدْ عَلِمْتُ يَا رَبُّ أَنَّ أَحْكَامَكَ عَدْلٌ، وَبِالْحَقِّ أَذْلَلْتَنِي». (مزمور 119: 75) 7- عندما تشتد عليك التجربة وتفقد الهدف والمعنى من حياتك: تذكر قول الرب لك: «لاَ تَخَفْ لأَنِّى مَعَكَ. لاَ تَتَلَفَّتْ لأَنِّى إِلَهُكَ. قَدْ أَيَّدْتُكَ وَأَعَنْتُكَ وَعَضَدْتُكَ بِيَمِينِ بِرِّي». (إشعياء 41: 10) 8- الله لا يسلمنا أبدًا إلى الزلل، بهذا يترنم المرنم قائلًا: «الْجَاعِلَ أَنْفُسَنَا فِى الْحَيَاةِ، وَلَمْ يُسَلِّمْ أَرْجُلَنَا إِلَى الزَّلَلِ. لأَنَّكَ جَرَّبْتَنَا يَا اللهُ. مَحَصْتَنَا كَمَحْصِ الْفِضَّةِ. أَدْخَلْتَنَا إِلَى الشَّبَكَةِ. جَعَلْتَ ضَغْطًا عَلَى مُتُونِنَا. رَكَّبْتَ أُنَاسًا عَلَى رُؤُوسِنَا. دَخَلْنَا فِى النَّارِ وَالْمَاءِ، ثُمَّ أَخْرَجْتَنَا إِلَى الْخِصْبِ» (مزمور 66: 9-12). ما أعظم إلهنا هذا الذى فى كل ضيقنا يتضايق معنا، وهو الذى لا يدع أرجلنا تزل، بل هو أمين لا يدعنا نجرب فوق ما نستطيع أن نحتمل بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ لنستطيع أن نحتمل، وما علينا إلا أن نثق فى أن الله مسيطر على توقيت وشدة التجربة والامتحان فلا نفشل، لأن الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة والمحبة والنصح.