"المصلحة".. هي كلمة السر لتحركات تركيا وإسرائيل والإخوان، والعلاقة بين أنقرة وتل أبيب تتجه الآن إلى شهر عسل جديد. تشهد المرحلة الحالية تقاربًا ملحوظًا بين إسرائيل وتركيا، وذلك بهدف عرقلة الثورة المصرية في 30 يونيو، التي نجحت في إسقاط نظام جماعة الإخوان الإرهابية المحظورة، وكذلك كمحاولة لمنع وصول المشير عبد الفتاح السيسي، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والإنتاج الحربي، إلى سدة الحكم، باعتبار أن شخصية السيسي قد تهدد مصالح الدولتين في المنطقة، خاصة في ظل سعيه إلى الاستقلالية، وذلك بعد نظام الإخوان الذي ارتاحت له الدولتان واطمأنتا إلى أنه سيرعى مصالحهما. وعلى الرغم من أن تركيا العلمانية اعتمدت في محاولات نهضتها على سياسة حسن الجوار مع الدول المحيطة، وكان أهمها بلا شك هي إسرائيل، فلم تدخر جهدا لتدعيم هذه العلاقة على كل المسارات الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وانخرط أردوغان وحزبه في هذه العلاقة على الأقل خلال ست سنوات من حكمه، فأردوغان - الذي تولى الحكم في عام 2003 - لم يصعد علاقته بإسرائيل في اتجاه التوتر إلا في عام 2009 في مؤتمر دافوس العالمي عندما هاجم الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز أمام الحضور وعلى الهواء بسبب "غضبة" أردوغان على مسلمي غزةوفلسطين، وذلك بعد انتظار أردوغان ست سنوات لكي يدين "بشاعة" الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وكان موقف أردوغان في دافوس هو بداية الحرب، ليس على إسرائيل وإنما على المشروع الغربي في صيغته العلمانية، وليس بشكل مطلق بالطبع، لأنه ما زال بين تركياوالولاياتالمتحدةالأمريكية علاقات وثيقة واستراتيجية حتى اللحظة الراهنة، إلا أن إسرائيل لم تقف مكتوفة اليدين بل سعت هي الأخرى إلى الرد على تركيا وعلى أحلامها، فقامت بضرب أسطول الحرية وقتلت عددا من الأتراك واستمر التوتر السياسي والدبلوماسي حتى انتهى إلى توتر بين تركيا وفرنسا، المناهض الأكبر لانضمام الدولة العثمانية القديمة إلى الاتحاد الأوروبي. وتعاني تركيا الإسلامية من مشكلتين رئيسيتين فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وكانتا الشماعة الرئيسية التي علقت عليها أوروبا كل الحجج والمبررات التي رفضت من خلالها انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وهما: مشكلة الأكراد ومشكلة الأرمن، وبعيدا عن التفاصيل المغرقة في التحليلات التاريخية لهاتين المشكلتين، يمكن القول إن وصول أردوغان إلى الحكم أسهم في تقليص حالة الاحتقان إلى حدها الأدنى، غير أن المشكلتين ظهرتا من جديد على السطح بتأثير ثورات الربيع العربي التي كانت وسيلة تركيا لتحقيق الانتشار واستعادة أمجاد الماضي الإمبراطوري، فعلى الصعيد الكردي استغلت سوريا مشكلة الأكراد في تركيا وحالة الخلاف التاريخي بين النظام السياسي الحاكم وبين حزب العمال الكردستاني، وذلك بإثارة هذه القضية مرة أخرى، ما أدى إلى قيام أردوغان بنزع قناع التسامح والتعايش الذي ارتداه في تعامله مع الأكراد، ولم يتردد لحظة في قصف عشرات المواقع التابعة للحزب في تركيا دون أن يلجأ إلى الحوار أو سياسة الاحتواء التي اقتضتها "المصلحة" في السنوات الماضية. وبعد تأليب النظام السوري للأكراد الأتراك، رأى أردوغان وحكومته أن "المصلحة" تستدعي وتوجب هذا القصف والقتل، وبهذا المعنى يكون أردوغان سياسيا بالمعنى الأصلي للكلمة، فليس هو بالفارس المنتظر الذي يجعل الحق والعدل والخير مبدأه وغايته، وإنما هي المصلحة التي تقتضيها الظروف، وانطلاقا من هذا المعنى نفسه كان موقفه من النظام السوري، حيث كانت تركيا هي الحاضنة الرئيسية للمجلس الوطني السوري الذي تشكل في أنقرة ولكنه استبعد بشكل أساسي المكون الكردي والأرمني، لأن حكومة جديدة في سوريا تعطي مكانا واعترافا للأكراد من شأنه أن يفسح المجال لأكراد تركيا كي يطالبوا بما رفضته الحكومات التركية خلال السنوات الماضية، ومن ثم فالسياسة التي اتبعها أردوغان مع دعم الشعب السوري لا تخلو أبدا من فكرة المصلحة. وفي هذا الشأن، أكد رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي "يعقوب عميدون"، أن استخدام قواعد تركيا الجوية العسكرية يمكن أن يحدث الفارق بين النجاح والفشل عند اندلاع أيّة مواجهات مع إيران، مضيفا أن إحياء اتفاق عام 1996 بين تل أبيب وأنقرة سيسمح لسلاح الجو الإسرائيلي بالتدرب في المجال الجوي التركي واستخدام قاعدة "أكيتي" الجوية التركية والسماح للطيارين الأتراك بالتدريب في بعض القواعد الجوية الإسرائيلية في صحراء النقب، ونشر مقاتلات جوية في تركيا استعداداً لهجمات استراتيجية أو مواجهات محتملة مع طهران. وتابع عميدون - خلال زيارته ل "أنقرة" الأسبوع الماضي - أن تلك الخطوة تأتي كأولى ثمار التقارب الإسرائيلي التركي عقب المصالحة بين إسرائيل وتركيا بوساطة من الرئيس الأمريكي بارك أوباما، في إشارة واضحة جدا إلى بلاد فارس "إيران" بأن الخيار العسكري لا يزال مطروحا لمنعها من تصنيع أو تطوير أو حيازة سلاح نووي أو امتلاك القدرة على إطلاقه. وكانت واشنطن قد أبرمت مع تل أبيب صفقة بمليارات الدولارات تتعهد فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية بتزويد إسرائيل بأسلحة متطورة لتحمي نفسها من التهديدات الفارسية "الإيرانية"، مع إمكانية إقدام إسرائيل على شنّ هجوم منفرد ضد "إيران" لمنع الفرس من تطوير القدرة على صنع سلاح نووي والقدرة على إطلاقه، وكان وزير الدفاع الأمريكي "تشاك هاجل" قد أكد أن واشنطن تسعى لنشر مقاتلات جوية في تركيا وعقد صفقات أسلحة ضخمة بعشرات المليارات من الدولارات لتزويد إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بصواريخ متطورة وطائرات لمجابهة التهديدات الفارسية "الإيرانية". ومن المتوقع أن تشتري إسرائيل من واشنطن صواريخ مضادة للدروع، مصممة لتجنب المضادات الجوية ورادارات رصد المقاتلات وطائرات التزود بالوقود في الجو وطائرات نقل الجنود، ومن الواضح أن ترسانة الأسلحة الأمريكية لإسرائيل ستمكنها من معالجة أمر المنشآت النووية العسكرية الفارسية "الإيرانية" بشكل جدي، فيما ستشتري الإمارات والسعودية مقاتلات جوية وصواريخ متطوّرة للرد على أي هجوم "فارسي" إيراني محتمل على منابع النفط في دول الخليج العربي، أو ذد مواقع وقواعد أمريكية في منطقة الخليج العربي، ردّاً على مهاجمة وتدمير المنشآت والمواقع النووية العسكرية لبلاد فارس "إيران". من جانبه، قال يوسف البدري، عضو مجلس الشعب السابق، إن التقارب الحادث حاليا بين تركيا وإسرائيل يهدف إلى إجهاض ثورة المصريين على حكم جماعة الإخوان الإرهابية المحظورة في 30 يونيو، مشيرًا إلى أن نظام حكم الإخوان كان الأفضل لإسرائيل بشهادات قيادات الدولة العبرية، الذين صرحوا أكثر من مرة بأن حجم التعاون لحفظ أمن إسرائيل من قبل الرئيس المعزول لم يكن متوقعا". وشدّد "البدري" على أن إسرائيل يهمها عدم وصول شخص في قوة واستقلال المضير عبد الفتاح السيسي لسدة الحكم في مصر، مشيرًا إلى أنه حال وصوله للحكم لا يريدون له النجاح، وقد صرح وزير خارجية تركيا - أكثر من مرة - بأن العلاقات بين أنقرة وإسرائيل ستعود إلى طبيعتها القوية خلال الفترة القليلة المقبلة. وذكر تقرير إخباري أن اسرائيل ستقوم بصرف تعويضات تبلغ قيمتها حوالي 20 مليون دولار لعائلات المواطنين الأتراك التسعة الذين قتلوا بنيران جنود من الجيش الإسرائيلي خلال أحداث السفينة مرمرة قبل حوالي أربع سنوات، ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن القناة الثانية بالتلفزيون الإسرائيلي، إنه لم يتم تحديد موعد لتوقيع الاتفاق الإسرائيلي – التركي في هذا الصدد، بسبب "معارضة عدد من كبار المسؤولين الأتراك لأحد بنوده". ويذكر أن جيش الاحتلال الإسرائيلي كان قد هاجم في عام 2010 السفينة "مرمرة"، التي كانت ضمن "أسطول الحرية" الذي كان يحمل مساعدات لقطاع غزة، ويسعى لكسر الحصار المفروض عليه، وهو ما أدى إلى استشهاد 9 نشطاء أتراك وإصابة آخرين، وقد أدى الحادث إلى توترات سياسية، حيث استدعت تركيا سفيرها لدى إسرائيل، واشترط رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان تقديم اعتذار ودفع تعويضات لأسر ضحايا الهجوم لتهدئة التوترات، وقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتذارا رسمياً بالفعل في شهر مارس الماضي، وبدأت بعد ذلك مفاوضات بين إسرائيل وتركيا بشأن دفع تعويضات.