أصبح التخبط هو عنوان السياسة التى يتبعها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، فى تعامله مع الدول الأخرى بعد الخسائر الكبيرة التى منى بها على مدى الأسابيع الماضية، حيث تلقى ضربات قاصمة فى ليبيا وسوريا وقتل عدد من قواته فى المناطق التى يحتلها بإدلب ناهيك عن الخسائر فى العتاد. وفيما يتعلق بالملف السورى فقد وجه أردوغان نداءات عديدة إلى روسيا من أجل ثنى الجيش السورى عن التقدم إلى مناطق إدلب ودحر التنظيمات الإرهابية الموالية لأنقرة، إلا أن موسكو أعلنت مواصلة دعم الجيش السورى فى حربه على الإرهاب وهو الأمر الذى انعكس بالسلب على أردوغان الذى ساءت علاقته ببوتين وتنامى بسبب ذلك العداء التركى لموسكو وتجسد بعد تلقى السفير الروسى فى أنقرة أليكسى يرخوف تهديدات بالقتل، بالإضافة إلى تخريب مقابر الروس فى العاصمة التركية، ووصل الأمر إلى اقتحام مكتب وكالة سبوتنيك الروسية غير الرسمية فى أنقرة واعتقال عدد من موظفيها بالإضافة إلى رئيس تحريرها. وعزت صحيفة «سوزجو» التركية تلك الإجراءات التعسفية ضد الصحفيين فى سبوتنيك إلى تقرير نشرته الوكالة على موقعها بالإنجليزية بعنوان «ولاية مسروقة من سوريا» فى إشارة إلى لواء الإسكندرونة الذى استولت عليه تركيا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بمساعدة فرنسا. وجاء رد الفعل الروسى بإصدار «الكرملين» ووزارة الخارجية لبيانات شجب وإدانة للتجاوزات التركية بحق صحفيى سبوتنيك قائلا «إن روسيا تأمل فى ألا يتعرض عمل ممثلى وسائل الإعلام، وخاصة الذين يعملون فى وسائل الإعلام الروسية، مثل «سبوتنيك» لأى قيود أو مواقف مماثلة للحادثة التى وقعت يوم السبت الماضى 29 فبراير 2020». وجاء تقرير «ولاية مسروقة من سوريا» بالتزامن مع الدعوات التركية بضم إدلب فى أعقاب مقتل العشرات من جنود أردوغان، على طريقة إستيلاء مصطفى كمال أتاتورك على لواء الإسكندرونة. ونستعرض فى التقرير التالى قصة استيلاء تركيا العثمانية على لواء الإسكندرونة. على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، يقبع لواء الإسكندرونة ومن خلفه الجبال والطبيعة الخلابة محتلا موقعا استراتيجيا جذب إليه الأنظار وتوجهت إليه الأطماع، لتروى قصة جديدة من الاحتلال العثمانى الذى ورثه الأتراك للأقطار العربية، وجريمة أخرى ارتكبها الاستعمار القديم الذى استغلته أنقرة فى اقتطاع جزء من الوطن العربي. فقبل ثمانين عاما كان لا يزال لواء الإسكندرونة يتبع سوريا إلا أن التواطؤ الفرنسى مع تركيا مكن الأخيرة من اقتطاع ذلك الجزء من الوطن السورى وإحداث تغييرات ديموغرافية فيه لتؤول السيطرة إلى أنقرة، وقد شبهه المؤرخ البريطانى ستيفن لونجريج صاحب كتاب «سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي» بمدينتى الإلزاس واللورين اللذين اقتطعتهما ألمانيا من فرنسا. وتبلغ مساحة لواء الإسكندرونة نحو 4800 كم مربع ويقع فى أقصى شمال غرب سوريا، ويحده من الشمال تركيا ومن الجنوب محافظة اللاذقية وعلى الشرق تتصل بحلب وفى شرقها البحر الأبيض المتوسط. الإسكندرونة يتبع سوريا فى كتابه «الجهاد السياسي» حدد المؤرخ السورى عبدالرحمن الكيالي، المحافظات السورية إبان الحكم العثمانى قائلا «سوريا تشمل محافظة دير الزور ومحافظة الجزيرة ومحافظة حلب ومحافظة دمشق ومحافظة حماة ومحافظة حمص ومحافظة حوران ومحافظة جبل الدروز ومحافظة بلاد العلويين» ويقع لواء الإسكندرونة فى نطاق محافظة حلب. ويؤكد «الكيالي» فى كتابه المنشور عام 1946 أنه «تمتد حدود سوريا فى وقتنا الحاضر من الفرات شمالا وبادية الشام شرقا والبحر المتوسط غربا إلى رياق وحدود طرابلس الشام وفلسطين وشرقى الأردنجنوبا». وحينما بدأ الشريف حسين شريف مكة، فى التواصل مع السير هنرى مكماهون المعتمد البريطانى فى مصر بشأن مقاومة الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، قال مقترحا على «مكماهون» فى أول رسالة بينهما، التى جاءت بتاريخ 14 يوليو 1915 - وهى الرسائل التى مثلت اتفاقا بين العرب وبريطانيا ضد العثمانيين - «أن تعترف إنجلترا باستقلال البلاد العربية من مرسين – إلى أضنة، أى تبدأ حدود الدول العربية اعتبارا من خط مرسين – أضنة وهو الموازى لخط 37 شمالا الذى تقع عليه المدن والقرى بيرة جوق، أورفة، ماردين، فاديان، جزيرة ابن عمر، عمادية، حتى حدود إيران» وهو ما يكشف دخول لواء الإسكندرونة ضمن حدود الدولة العربية وانتمائه إلى سوريا المتصلة بحدود مباشرة مع الدولة العثمانية. وفى اتفاقية «سايكس بيكو» التى أبرمتها كل من بريطانياوفرنسا فى 1916 التى نصت على اقتسام إرث «رجل أوروبا المريض»، كان لواء الإسكندرونة واقعا داخل المنطقة الزرقاء التابعة للانتداب الفرنسى بمعنى أن المعاهدة اعتبرته سوريا، حيث سيطرت فرنسا بعد انتهاء الحرب على سوريا ولبنان. وخلال بداية عهد الانتداب الفرنسى كان اللواء يتبع محافظة حلب وهو ما تحدث عنه تفصيليا المؤرخ السورى كامل بن حسين بن مصطفى بالى فى كتابه «نهر الذهب فى تاريخ حلب» الجزء الأول قائلا «إن ولاية حلب باعتبار ما يتبعها من المدن والقصبات والقرى التى ترجع حكامها إلى أوامر حكام حلب، أيام الحكومة العثمانية يحدها من جهة الجنوب لواء حماة من ولاية سوريا التى مركز واليها مدينة دمشق الشام ومن الغرب البحر الأبيض ثم ولاية أضنة ومن الشمال ولاية سيواس ومن الشرق ولاية ديار بكر وولاية معممورة العزيز ولواء الزور». ويتضح فى الفقرة السالفة أن حدود مدينة حلب امتدت إلى البحر الأبيض المتوسط الذى يطل عليه لواء الإسكندرونة ووفقا لذلك يقع داخل حدود الدولة السورية. الانتداب الفرنسى على سوريا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى «1914-1918» بانتصار الحلفاء على دول المحور اتجهت أنظار الدول المنتصرة صوب التركة العثمانية، وتقليم أظافر «رجل أوروبا المريض» فاغتنمت فرنسا كلا من سوريا ولبنان لتصبح دولة منتدبة عليهما رسميا فى يوليو 1922 بقرار من عصبة الأمم، ويُعرف الانتداب ب«بما أن الدول التى كانت تحت سيطرة ألمانيا والدولة العثمانية «غير جاهزة للاستقلال»، وضعت عليها عصبة الأمم دولة منتدبة لتجهيزها للاستقلال سياسيًا، ثقافيًا، اقتصاديًا. هذه الدول تبقى تحت إشراف عصبة الأمم والدول المنتدبة تقدم تقارير للجنة الانتداب التابعة للعصبة حول مدى التقدم الحاصل فى الدول المنتدبة». معاهدة أنقرة ولكن فرنسا خالفت صك الانتداب بعدما اتفقت على حدود جديدة للدولة السورية، بعقدها اتفاقية أنقرة مع الأتراك ورثة الدولة العثمانية. ووفقا لذلك الاتفاق فقد فرطت فرنسا فى مدينة قلقيلية ولواء الإسكندرونة لصالح تركيا بعد توقيع «اتفاق أنقرة» مع تركيا فى 20 أكتوبر 1921 ووقعه الدبلوماسى الفرنسى هنرى فرانكلاين بويون مع وزير الخارجية التركى آنذاك يوسف كمال. ونصت الاتفاقية فى مادتها السابعة وفقا للمؤرخ مجيد خدورى فى كتابه «قضية الإسكندرونة» على أن «يتألف نظام إدارى خاص فى منطقة الإسكندرونة، ويتمتع السكان الأتراك فى هذه المنطقة بكافة التسهيلات لنماء ثقافتهم، وأن يكون للغة التركية هناك مركز رسمي». وتنازلت فرنسالتركيا عن مساحة تقدر ب18 ألف كيلو متر من الأراضى السورية. التفريط فى الإسكندرونة كان لتلك الاتفاقية المجحفة ردود أفعال غاضبة فى فرنساوبريطانيا على السواء ويقول الجنرال روفيو القائد العام لقوات فرنسا فى الشرق الأدنى: «الإتفاقية تنبئ بفقدان الإسكندرونة وأنطاكية» فيما أكد وزير الخارجية الفرنسى فراورد أن «الاتفاقية تمهد لمطالب تركية جديدة وتخلى فرنسا عن منطقة الإسكندرونة» ونشرت وزارة الثقافة السورية تلك الشهادات فى كتابها المعنون ب«لواء إسكندرونة.. حكاية وطن سلب عنوة» الصادر فى 2013 من تأليف دكتور حسام النايف. وصدر احتجاج رسمى من بريطانيا على لسان وزير خارجيتها آنذاك اللورد كيرزون بإرساله مذكرة فى 5 نوفمبر 1921 قال فيها «إنه فهم أن بويون سيفاوض فقط بشأن الجلاء عن قلقيلية وتبادل الأسرى وحماية الأقليات، واحتج أنها تبدو برأيه كأنها معاهدة سلام كاملة إذ تشكل اعترافا بالجمعية الوطنية التركية «مصطفى كمال أتاتورك» إضافة إلى أنها تشكل نقضا للاتفاقية الفرنسية الإنجليزية الموقعة فى 14 سبتمبر 1914 ولمعاهدة لندن 1915 اللتين نصتا على أنه لا يحق لفرنسا تعديل حدود معاهدة سيفر ولاسيما أنها تصرفت بأراض أخضعتها القوات البريطانية». ويقول الكاتب البريطانى ستيفن هامسلى لونجريج، فى كتابه «سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي» عن اتفاقية أنقرة «أعقب الاتفاقية انسحاب القوات الفرنسية من قلقيلية «ومعها ألوف اللاجئين المسيحيين» إلى ما وراء حدود جديدة كانت أفضل بالنسبة للأتراك حتى من تلك التى تم الاتفاق عليها بصورة مؤقتة فى لندن، وقد تضمن الانسحاب الفرنسى التخلى عن مقاطعات عينتاب، وروم القلعة، وكيليس ومرعش وأورفة «وكانت كلها ضمن ولاية حلب من قبل، أما سنجق الإسكندرونة – أنطاكية وقسم من أهله الأتراك، فقد تقدر أن يظل سوريا على أن يخضع لنظام خاص». التنازل الفرنسى يبرز هنا سؤال مهم، بشأن تنازل دولة منتصرة «فرنسا» عن عدة مناطق لدولة مهزومة «تركيا» ولكن الأوضاع التى شهدتها الحدود التركية السورية إثر الحرب العالمية الأولى وبدء الاستعمار الفرنسى لسوريا تجيب عن هذا السؤال بكل وضوح. ففى منتصف 1920 بدأ الفرنسيون فى محاولات السيطرة على باقى سوريا فدخلوا حلب عن طريق قلقيلية دون أى مقاومة وبعد ذلك دخلوا دمشق فى 24 يونيو 1920 بعد معركة ميسلون، وفى 23 أغسطس من نفس العام احتلوا إنطاكية، فى الوقت الذى بدأ فيه قائد الثوار السوريين آنذاك إبراهيم هنانو بتنظيم المقاومة واتصل بالأتراك لاستجلاب سلاح يعزز موقف المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي. اتفق «هنانو» مع الأتراك فى 7 سبتمبر 1920 على تنظيم مقاومة مشتركة ضد الفرنسيين وبعد مرور شهر من هذا الاتفاق اشتدت المقاومة السورية ضد الاحتلال الفرنسى فأدركت باريس أنه لا يمكنها السيطرة على سوريا إلا عن طريق عقد صفقة تجهض المقاومة، فاختارت الأتراك وتجاهلت أصحاب الأرض وهو ما تحقق بالفعل فى اتفاقية أنقرة. فتعهدت فرنسا بالجلاء عن قلقيلية وتسليمها للأتراك فى مقابل توقفهم عن مساعدة الثوار ليتضح أن مصطفى كمال أتاتورك كان يستخدم الثوار السوريين كورقة تدعم موقفه فى مساومة فرنسا. معاهدة لوزان اعتمدت معاهدة لوزان الموقعة فى 24 يوليو 1923 بين الدولة العثمانية من طرف وفرنساوبريطانيا واليابان واليونان وإيطاليا ورومانيا ويوغسلافيا من طرف آخر، فى تعيين حدود تركيا مع سوريا على مواد اتفاقية أنقرة الموقعة بين فرنساوتركيا ووفقا لنص البند الأول من المادة الثالثة من معاهدة لوزان فهى «الحدود الموصوفة فى المادة 8 من الاتفاقية الفرنسية التركية فى 20 أكتوبر 1921» وتنص المادة 8 على أنه «يمتد خط التخوم من نقطة يجرى اختيارها فى خليج الإسكندرونة فى جنوب ناحية بياس مباشرة ويتجه إلى ميدان اكبس، وتبقى محطة السكة الحديدية والناحية تابعتين لسوريا. ومن هنا ينحنى نحو الجنوب الشرقى بحيث يترك لسوريا مديرية مرسوفى ولتركيا موقع كارنبا مع مدينة كليس ثم يسير مع السكة الحديدية حتى محطة جوبان بك ويسير مع خط بغداد ويبقى سطحه للأملاك التركية حتى نصيبين» وبذلك تم عزل حلب عن ألويتها الشمالية، وأمست تحت السيادة التركية المدن والسناجق التالية «من الغرب إلى الشرق»: أضنة وعثمانية ومرعش وعينتاب وكلس واورفا وماردين ونصيبين وجزيرة ابن عمر، ليقتطع من سوريا مساحة قدرت ب18 ألف كليو متر مربع. سياسة فرنسا فى الإسكندرونة بعد سيطرة فرنسا على سوريا عمدت إلى إحداث تغييرات ديموغرافية أثرت فى تكوين اللواء، واتخذت فرنسا سياسة محاباة لأتراك الأسكندرونة على حساب العرب، وفى ذلك يقول «خضوري» بكتابه «قضية الإسكندرونة»: «إذا فحصنا موقف الموظفين الفرنسيين فى مختلف دوار لواء الإسكندرونة نجد نزعة تشجيع الإدارة الخاصة فيهم، وقد سعوا لتطبيقها بشكل ضمن مصالح العنصر التركى ولكنه أثار تذمر العرب... وفسر كثير من عرب اللواء هذا التشجيع أنه مقدمة لفصل اللواء تدريجيا وتسليمه لتركيا». ويضيف «والواقع أن الجانب العربى لم ينل من عطف الموظفين الفرنسيين ما حظى به العنصر التركى فكان المسيو بزانتين مفتش المعارف يشجع العنصر التركى للإقبال على التعليم ويسهل له السبل بينما كان يثبط عزائم الشباب العربى ويصرفهم إلى مزاولة الحرف». الإسكندرونة وحكام سوريا كان أول تحرك سورى بشأن قضية الإسكندرونة فى أغسطس 1926 حينما زار الرئيس السورى آنذاك أحمد نامي، اللواء وفقا لاتفاق مسبق مع المندوب السامى الفرنسى دى جنفل، وقد وجد «نامي» ترحيبا واسعا من مواطنى الإسكندرونة. وبعد ثمانى سنوات زار رئيس الجمهورية السورى آنذاك محمد على العابد شمال سوريا فى أبريل 1934 ولكنه جوبه بمظاهرات مناوئة له وللانتداب. وبعد فوز هشام الأتاسى برئاسة الجمهورية السورية كثرت الشائعات فى دمشق وباقى سوريا بشأن تفريط الدولة فى لواء الإسكندرونة فاندلعت تظاهرات فى العاصمة ويروى يوسف الحكيم عن ذلك الحدث قائلا «قامت تظاهرة شعبية صاخبة أعلن فيها المتظاهرون نقمة الشعب على الحكومة والكتلة الوطنية، والسياسة الأجنبية وتوقفوا أمام قصر الحكومة فى ساحة المرجة يصيحون بأقبح النعوت مما اضطر رئيس الوزراء جميل مردم بك إلى الظهور فى شرفة مكتبه المطلة على جموع المتظاهرين قائلا بصوت عال «إن إسكندورنة عربية ولن تنفك عن أمها سوريا فكونوا باطمئنان» فتفرق المتظاهرون. وخلال العقود التالية لضم الإسكندرونة إلى تركيا غاب الحديث عنه إلا فى التقارير الصحفية التى تنشرها المواقع الرسمية السورية، وفى سبتمبر 2017 أعلنت وزارة التربية السورية فى بيان لها وضع خريطة فى كتاب الأحياء للصف الأول الثانوى تضم لواء إسكندرونة داخل الوطن السوري. وقالت الوزارة السورية فى بيانها «بناء على مقتضيات المصلحة العامة وبعد الاطلاع على الملاحظات الواردة فى كتاب مادة علم الأحياء، تستبدل الخريطة» فى إشارة إلى إعادة لواء إسكندرونة. وفى أغسطس من العام قبل الماضى 2018 حينما تحدث وليد المعلم وزير الخارجية السورى أن دمشق أبدت نيتها استعادة لواء الإسكندرونة. وأكد المعلم أن «سوريا لها الحق فى الحصول على أرضها، بكل الطرق، بما فيها الكفاح المسلح» مشيرا خلال زيارته لقرية السمرا بريف اللاذقية إلى أن «لواء الإسكندرونة أرض سورية، وستعود لنا». اكتمال المؤامرة فى يناير 1937 أصدر مجلس عصبة الأمم قرارا يصبح بموجبه لواء الإسكندرونة وحدة سياسية منفصلة لها استقلالها الداخلى التام، وفى 29 مايو من عام 1937 أصدرت «العصبة» قرارا يقضى بفصل لواء الإسكندرونة عن سوريا وتعيين حاكم فرنسى له وبعد نحو عام من ذلك القرار بدأ التواطؤ الفرنسى مع الأتراك جليا وواضحا حينما توغلت القوات التركية فى اللواء فى 15 يوليو 1938 وانسحب الجيش الفرنسى إلى أنطاكية. كان رد فعل سوريا، على فصل اللواء محاولة الدخول فى مفاوضات مع تركيا، وعن ذلك يقول «خدوري» فى «قضية الإسكندرونة»: «حاولت الحكومة السورية أن تحول دون فصل اللواء والتخفيف من حدة قرار مجلس العصبة بالالتجاء إلى المفاوضات المباشرة مع الحكومة التركية، وقد سبق للسيد جميل مردم رئيس الحكومة السورية أن زار تركيا فى ربيع 1937 وبحث عصمت إينونو فى الأمر وفى هذه الأثناء عرضت فكرة التقسيم بحضور المسيو بونسو سفير فرنسا فى تركيا، ثم زار السيد جميل مردم تركيا ثانية فى يونيو 1937 بناء على دعوة من الحكومة التركية وجرت بينه وبين عصمت إينونو مفاوضات مهمة عرض فيها السيد مردم وجهة نظره بوجوب تعديل نظام اللواء الجديد على شكل لا يضر بالمصلحة التركية ولكن فيه كل الفائدة لسوريا على حساب النفوذ الفرنسي». إلا أن خروج «إينونو» من الحكومة التركية أجهض تلك المحادثات التى كان يعارضها مصطفى كمال أتاتورك أول رئيس لتركيا. بعد بداية الاحتلال التركى للواء نظمت فرنسا استفتاء على تبعيته فى 1939 وقال عرب اللواء إن الأتراك تلاعبوا بنتائج الاستفتاء، خاصة مع وجود قوات عسكرية تركية تدخلت مباشرة فى ذلك الأمر. وشرعت أنقرة فى سياسة التغيير الديموغرافى بداية من اسم اللواء الذى أصبح «هاتاي» وإلغاء التعليم باللغة العربية وتحويله إلى التركية، وكذلك أصبحت الليرة التركية هى العملة الرسمية.