هكذا قال عن نفسه، عم جلال اللي ملا الدنيا بكتاباته صخب وجمال "لكنني صعلوك عابر سبيل، ابن الحارة المصرية، ليس لي صاحب، لذلك كما ظهرت فجأة سوف أختفي فجأة فحاول تفتكرني"، ولا أظن أحدًا سينسى هذا العبقري الذي حفر اسمه في قلب مصر وعقلها، مهما طال الغياب ومهما طالت ساعات السفر. ويُعرِف جلال عامر نفسه فيقول: اسمي (جلال) وفي البيت (المخفي) وأمام الضابط (فوزية)، وأنا المصري الوحيد الذي كتبت في إقرار ذمتي المالية إن عندي (حصوة)، فأنا لا أمتلك سلسلة مطاعم بل فقط سلسلة ظهري وسلسلة كتب.. ويؤكد: "أنا لا كاتب ساخر ولا سروجي سيارات!، "كان نفسي أطلع محلل إستراتيجي، لكن أهلي ضغطوا عليّ لأستكمل تعليمي".. وعن مصر، يرى جلال عامر أنه "المفترض ألا تسأل أين تقع مصر لكن كيف وقعت"، ف"مصر كانت فوق الجميع فأصبحت تحت الحراسة" و"بعد أن كنا نزحف للخلاص أصبحنا نزحف وخلاص"، ف"البلد دي فيها ناس عايشه كويس وناس كويس إنها عايشه"، "فهذا وطن يمنح رجل الأعمال عشر سنوات ليوفق أوضاعه ثم يتهم الفقير بأنه يلفق أوجاعه".. ولا أمل في تقدم أمة إذا كانت "الكتب على أرصفة مظلمة والأحذية في فتارين مضاءة"، خاصة إن كان "كل شيء في الدنيا يُنسي بعد حين لكن كل شيء في مصر يُسرق فورًا". الديمقراطية المصرية كما يراها " عامر" ويرى أن «الذين يرفعون شعار اتكلم براحتك نسوا أن يكملوه ماحدش هيسمعك».. لأننا ببساطة «ديمقراطيون جدًا، تبدأ مناقشاتنا بتبادل الآراء في السياسة والاقتصاد وتنتهي بتبادل الآراء في الأم والأب».. وهذه هي أزمة الفكر لأن «الأعلى صوتًا لا يقول شيئًا، والأكثر حكمة لا يسمعه أحد».. لاسيما في ظل هذه الأيام الصعبة التي «تحولت فيها الرياضة إلى حرفة والدين إلى مهنة».. «فنحن أمة تختلف على الهلال علنًا وتتفق على الاحتلال سرًا».. فجميعنا نعلم أنه «في مصر لا توجد محاسبة إلا في كلية التجارة»، لاسيما مع «تحول شعار ابحث مع الشرطة إلى ابحث عن الشرطة»، ف«حفظ الأمن في الشوارع مقدم على حفظ الأناشيد في المدارس». "عامر":المسئولون بحاجه إلى مواطن طويل واهبل ولابس طرطور ولذلك يرى جلال عامر أن «أسعد فترة مرت على البشرية عندما كان آدم وحده، لأنه كان من المستحيل وقتها عقد المؤتمرات أو تشكيل اللجان والهيئات والمجالس التي تسبب تعاسة البشر».. ويقول إن «يد العدالة في مصر تنتهي بأصابع زينب»، وإن أشهر الصناعات المصرية هي «تعليب المشروبات، وتجميد الخضروات، وحفظ التحقيقات»، لذلك فقد «كنا نمتلك غطاء ذهب فأصبحنا لا نملك غطاء بلاعة»، في ظل مسؤولين لا يصدرون لنا غير «تصريحات تحتاج إلى مواطن له مواصفات خاصة.. طويل وأهبل ولابس طرطور».. وهم مسئولون لا أمل فيهم، أما الشباب فينبههم جلال قائلًا «ليس من حقك أن تتطلع إلى منصب مهم في بلدك، فهو مثل مقاعد الأوتوبيس مخصص لكبار السن فقط!». المواطن "الساندويتش" عند جلال عامر ويتساءل: «متى يترك جيل ألفيس بريسلي السلطة إلى جيل ألفيس بوك؟».. وهذا الوضع الظالم يلخصه في جملة هي «ولا يزال النيل يجري حتى أوقفه الكمين وسأله معاك حاجة تثبت إنك النيل فقال بص للظلم اللي ماليني»، ويقول «ليس أمامي إلا الله سبحانه وتعالى أن يحميني بعد وفاة أبي وأمي والقانون».. ف«في بلادنا السياسة تحمي تجاوزات الأمن والأمن يحمي تجاوزات السياسة لنحصل على المواطن الساندويتش المحصور بين السياسة والأمن وبين الوطني والإخوان».. وفي هذا السياق يؤكد «الإخوان والوطني هما طرفا مقص هذا الشعب المسكين». ماذا تعلم "عامر" من نظام "مبارك" ويرى جلال عامر أن «الطيور ترقد على بيضها ليفقس والحكام ترقد على شعوبها لتفطس»، ف«الحكام في العالم الأول سلع استهلاكية وفي العالم الثالث سلع معمرة» و«الحاكم في العالم الثالث علوي لا يمشي بأمر الدستور، لكنه يمشي ساعة يوميًا بأمر الدكتور»، وهو «مثل شعر الرأس، كلما حلقته يطلع لك تاني»، ف«إرادة الحكيم بين كن ويكون وإرادة الحاكم بين تولي وتوفي» و«بين البائع والمشتري يفتح الله وبين الحاكم والمحكوم حسبي الله».. ف«الصمم الجزئي يؤدي إلى سماع أصوات التبرير وعدم سماع أصوات التغيير وعدم التفرقة بين نبض الجماهير وشخيرها».. ويؤكد «أعظم ما تعلمته من نظام الرئيس مبارك هو كيف ينهزم وطن دون أن يحارب وكيف يتحلل مجتمع دون أن يموت». عامر: المشكلة في مصر ليست في الترزي فقط ولكن في القماشة أيضا ومع ذلك يعتقد جلال عامر أن الأمر لا يخص الحكام وحدهم، بل الشعوب أيضًا ف«المشكلة ليست في الترزي فقط ولكن في القماشة أيضًا»، ويقول عن ذلك «أحتاج إلى خمس دقائق في كشف الهيئة لأدخل الكلية الحربية، بينما يوقفني السائق الآن ربع ساعة انتباه يفحصني، ويستجوبني قبل أن يسمح لي بدخول التاكسي» و«إذا كنت أنا قد احتجت إلى أربع سنوات وواسطة لاستخراج بطاقة ابني من باطن الأرض فماذا يفعل المواطن العادي الذي لا يمتلك توك توك ؟».. ويوضح جلال عامر أن «الغش يبدأ من سبورة الفصل في حضور الناظر وينتهي في صندوق اللجنة في غياب القاضي». "عامر ": وما الدنيا الا ميدان التحرير !! ويؤكد أن الحل يكمن في الثورة، فيقول «ما الدنيا إلا ميدان التحرير»، رغم أن «النيل ينبع من بحيرة فيكتوريا ثم يصب في خراطيم المياه في ميدان التحرير».. ويقول «أيتها الثورة العظيمة، كم من الجرائم والجرائد ترتكب باسمك».. وعمومًا هو يشدد على أن «المجتمعات لا تتقدم بالموظفين الذين يخرجون في موعد الأتوبيس، لكنها تتقدم بالمجانين الذين يخرجون عن السائد ويعملون على تغييره». * عم جلال ظهر فجأة وملأ الدنيا صخبًا وجمالًا كاتب وصحفي مصري، وُلد يوم 25 سبتمبر سنة 1952 تخرج في الكلية الحربية وشارك في ثلاث حروب مصرية وكان أحد ضباط حرب أكتوبر، يُعد أحد أهم الكُتاب الساخرين في مصر والعالم العربي، توفي يوم 12 فبراير سنة 2012 أثر أزمة قلبية أثناء مشاركته في مظاهرة مناهضة لحكم العسكر، قامت محافظة الإسكندرية بتكريمه بإطلاق اسمه على شارع بمنطقة "بحري" بحي الجمرك مسقط رأسه درس جلال عامر القانون في كلية الحقوق والفلسفة في كلية الآداب، وكان يكتب في مجالي القصة القصيرة والشعر وله أعمال منشوره، كانت بداياته كاتبًا صحفيًا في جريدة القاهرة الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية،والتي يرأس تحريرها الأستاذ صلاح عيسى، وكان يشرف على صفحة «مراسيل ومكاتيب للقراء». وقبل وفاته كانت تنشر مقالاته في عدة صحف، وله عمود يومي تحت عنوان «تخاريف» في جريدة المصري اليوم يتابعه يوميًا مئات الآلاف في مصر والوطن العربي من خلال الجريدة ومواقع إلكترونية عديدة تتداول العمود. له مئات الآلاف من المعجبين على مواقع التواصل الاجتماعي (مثل فيس بوك وتويتر،كما كان يكتب في جريدة الأهالي الصادرة عن حزب التجمع. *مدرسة جلال عامر في الكتابة الساخرة ابتدع جلال عامر مدرسة جديدة في فن الكتابة الساخرة تعتمد على التداعي الحر للأفكار والتكثيف الشديد وطرح عددًا كبيرًا من الأفكار في المقال الواحد وربطها معًا بشكل غير قابل للتفكيك بحيث تصير المقالة وحدة واحدة شديدة التماسك على الرغم من احتواءها على أفكار منفصلة عن بعضها، كما يتميز أسلوبه باحتوائه على الكثير من التورية الرائعة التي تشد انتباه القارئ حتى نهاية المقال كما أنها تفتح مداركه على حقائق ربما غابت عنه. *جلال و"مصر على كف عفريت " له في الأسواق كتاب «مصر على كف عفريت» وهو صادر عام 2009 وصدرت منه طبعات عديدة وهو كتاب ساخر صدر عن «دار العين». الكتاب - كما يقول المؤلف - هو محاولة لبحث حالة وطن كان يملك غطاء ذهب فأصبح من دون غطاء بلاعة. لماذا وكيف؟ فقد بدأت مصر «بحفظ الموتى، وانتهت بحفظ الأناشيد، لأن كل مسئول يتولى منصبه يقسم بأنّه سوف يسهر على راحة الشعب، من دون أن يحدد أين سيسهر وللساعة كام؟ في مصر لا يمشي الحاكم بأمر الدستور، بل بأمر الدكتور، ولم يعد أحد في مصر يستحق أن نحمله على أكتافنا إلا أنبوبة البوتا جاز، فهل مصر في يد أمينة أم في إصبع أميركا أم على كف عفريت»؟، صفحات الكتاب محاولة للإجابة عن هذا السؤال الذي يفجر الضحكات على واقعنا المر، نكتشف في الكتاب أنّ المؤلف كان ضابطًا في الجيش، خاض ثلاث حروب ضد إسرائيل. لكنّه يخوض الآن «حرب الثلاث وجبات». إذ يخرج المواطن لشراء الخبز وقد يعود أو لا يعود بعد معركة «الطوابير». ثقافة المؤلف واضحة طوال صفحات الكتاب، عبر الإشارة إلى أفلام عالمية وروايات يقارن بينها وبين أوضاعنا. فيقول: إذا كان كازنتزاكيس كتب روايته المسيح يصلب من جديد، فإن مصر تكتب روايتها المصري يغرق من جديد (في إشارة إلى حادث غرق 1030 مصريًا في البحر الأحمر في مركب أحد رجال الأعمال "عبارة السلام") ويكتب جلال عامر أيضًا عن زيارة حسني مبارك إلى قبري جمال عبد الناصر وأنور السادات. وهي الزيارة السنوية التي يحرص عليها، متخيلًا ما الذي يمكن أن يقوله أمام قبر كل منهما. هكذا، سيقول أمام قبر عبد الناصر: «طبعًا إنتَ عارف أنا لا عايز أزورك ولا أشوفك بس هي تحكمات السياسة اللعينة. حد يا راجل يعادي أمريكا؟ ويحارب المستثمرين. على العموم ارتاح. أنا بعت كل المصانع إلى انت عملتها، والعمال اللي انت مصدعنا بيهم أهم متلقحين على القهاوي......». وأمام قبر السادات، سيقرأ الفاتحة ثم يمسح وجهه وينصرف. هذه الحكاية تلخّص فعلًا ما أصاب مصر من تحولات، وتجيب عن سؤال: كيف تحولت من «أم البلاد» إلى «أم الفساد»؟ آخر ماقال "عامر" قبل وفاته توفي جلال عامر فجر يوم 12 فبراير 2012م إثر إصابته بأزمة قلبية أثناء مشاركته في مسيرة ضد حكم العسكر في رأس التين، عندما شاهد مجموعة من البلطجية يهاجمون المتظاهرين، فسقط وهو يردد عبارة «المصريين بيموتوا بعض»،جلال عامر متزوج وله أربعة أبناء: رامي ورانيا وراجي وريهام