القريبون مني يعرفون أنني لا أضيق بأي كاتب موهوب، بل على العكس ربما أشعر بالحرج لضيق وقتي وانشغالي عن الكتابة عن كثير جدا مما أقرأ، خصوصا أنني ككاتب أيضا لدي أحلامي ومشروعاتي والوقت لا يساعدني على التفرغ لغيري كثيرا. كما أن مهنة النقد الأدبي ليست مهنتي، والبعيدون عني، ويتم بيننا التواصل على "الفيسبوك" أو "تويتر" يعرفون أيضا أنني بقدر الإمكان أعلق تعليقات صغيرة مشجعة لمن أقرأ لهم. كما أنني اعترفت كثيرا، وأعترف أنه الآن ليس كل رواية أو ديوان أو كتاب فكري أستطيع دائما إكمال قراءته، لأنني أبحث عن الجديد في شكل العمل الأدبي، وإذا أدركته أدركه مبكرا، وكذلك أبحث عن الجديد في الموضوع وغالبا أجد أنه قد مر علي أو أعرف عنه شيئا لذلك أتوقف، وإن كان هذا لا يعني أن ما قرأته لا يستحق القراءة، بل على العكس يستحق لكن من قراء أصغر سنا ما زالت لديهم حاسة الانبهار والدهشة، وهو أهم القراء على طول الزمن. منذ سنوات وشعار زمن الرواية مرفوع أمام الكتاب والقراء ولم يرفعه أحد، لكن رفعته الرواية ذاتها كفن يستطيع أن يحيط بأعاجيب الحياة وعلى مهل وبمتعة كبيرة، ومن ثم صارت الرواية فنا جاذبا لكثير من الكتاب. وهكذا صار المنشور منها كل شهر كثير جدا فما بالك كل عام، حتى بعد ثورة يناير والبلاد لا تزال في مخاض طويل وارتفاع أسهم الفنون الأسرع في ردود الفعل مثل شعر العامية والتصوير والرسم والكاريكاتير تتوسع رقعة كتاب الرواية ولا تتراجع. وفي الفترة الأخيرة دخل حقل الرواية شعراء ونقاد وسياسيون وصحفيون بشكل يزداد كل يوم. كانت البداية منذ سنوات دخول شعراء عرب ثم دخل بعضهم من أشرت إليهم. اختلطت الرواية بالمذكرات وبالآراء المسبقة في موضوعها، وكثير من هؤلاء قد لا يكررون الرواية لكن ما داموا أصدروا رواية فهم ينتظرون رأيا من النقاد أو الأدباء. وفي غياب نقدي سببه كثرة الإنتاج وقلة النقاد، أي ليس تقصيرا، صار الكثيرون ممن يدخلون هذا المجال يشعرون بالرضا عما يفعلون. ولظهور قارئ جديد على نطاق واسع وهو القارئ المتعجل الباحث عن النميمة عن بعض المشاهير أو عن المباشرة في طرح بعض الموضوعات أو عن القراءة السهلة، تسيدت روايات عادية المشهد وطبعت طبعات متكررة، وتفوقت على أي رواية جادة، فصار لدى عدد كبير يقين بأن هكذا تكون الرواية. مجرد حكاية. وعادت أفكار بالية تتردد مثل هدف الرواية وكأنها موعظة حسنة أو مقالا في الأخلاق أو إدانة لما هو غير إخلاقي. وهكذا وكأنه لم يكن في الدنيا تاريخ للرواية يقول إن هناك مذاهب أدبية من الكلاسيكية إلى الرومانتيكية والطبيعية والواقعية الاشتراكية والحداثة، وما بعد الحداثة وغيرها من المذاهب التي تعكس موقفا ورؤية للكاتب في الكون تتلون بها لغته وشخصياته، وتتعدد ألوانها لتقيم في النهاية بنيانا احتفاليا من البشر في عالم مواز ليس هو عالمنا المباشر رغم أن ما فيه من الأرض لكنه يطمح إلى السماء. والحقيقة أن أحدا لن يستطيع ولا يجب أن يقف يدين هذه الظاهرة. ولا يقلل من قيمتها. فالأيام دول والفنون دول بين الناس أيضا! لكن الحقيقة الأخرى أن الأمر صار فخا للكثيرين. استسهال دخوله دون معرفة بتاريخه يعني فخا حقيقيا لصاحبه مهما وجد من إطراء أو قراء من نوع جديد. هذا الفخ سينتهي بهذه الأعمال التي من هذا النوع خارج تاريخ الرواية آجلا أو عاجلا. وسيجد الكاتب الطيب المتحمس أنه صار وحده في النهاية وتزداد دهشته، وقد تتحول إلى كراهية للبشر يلخصها في الهجوم على الثقافة والمثقفين.