افتتاح مؤتمر الواعظات بالأكاديمية الدولية    سبب الاندفاع العالمى نحو الذهب    تقرير: الشرطة الإسرائيلية تداهم مكاتب الجزيرة بالقدس    باحث يكشف أبرز ملفات النقاش على طاولة مباحثات ماكرون والرئيس الصيني    الخارجية الفلسطينية تطالب بتفعيل نظام الحماية الدولية للشعب الفلسطيني    الجيش الروسي يعلن السيطرة على قرية أوشيريتين الأوكرانية بشكل كامل    مباشر – الشوط الأول .. سموحة 0 × 0 الزمالك    شواطئ وحدائق المحافظات جاهزة لاستقبال الزوار في شم النسيم    مجازاة مدير مدرسة عقب تداول امتحانات الصف الرابع بتعليم ببا في بني سويف    كل سنه وانتم طيبين.. عمرو سعد يهنئ متابعيه بمناسبة شم النسيم    انطلاق منتدى تكوين الفكر العربي الأول تحت ظلال الأهرامات    فسيخ ورنجة    تامر عاشور يضع اللمسات الأخيرة على أحدث أغانيه، ويفضل "السينجل" لهذا السبب    بالفيديو.. أمينة الفتوى: الحب الصادق بين الزوجين عطاء بلا مقابل    أمينة الفتوى: لا مانع شرعي فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    استشاري يوضح إتيكيت أكل الفسيخ والرنجة (فيديو)    «معلومات الوزراء»: مصر تحرز تقدما كبيرا في السياحة العلاجية    «الصناعات الهندسية» تبحث تعميق صناعات الكراكات بمصر    يوسف زيدان يرد على اتهامه بالتقليل من قيمة عميد الأدب العربي    تكثيف أمني لكشف ملابسات العثور على جثة شاب في ظروف غامضة بقنا    توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وشركة «إكسيد»    انطلاق مباراة ليفربول وتوتنهام.. محمد صلاح يقود الريدز    "صحة المنوفية" تتابع انتظام العمل وانتشار الفرق الطبية لتأمين الكنائس    «حافظا على صحتك».. تحذيرات من شرب الشاي والقهوة بعد تناول الفسيخ والرنجة    الأهلي يبحث عن فوز غائب ضد الهلال في الدوري السعودي    فى لفتة إنسانية.. الداخلية تستجيب لالتماس سيدة مسنة باستخراج بطاقة الرقم القومى الخاصة بها وتسليمها لها بمنزلها    الآن.. طريقة الاستعلام عن معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    انتشال أشلاء شهداء من تحت أنقاض منزل دمّره الاحتلال في دير الغصون بطولكرم    وزير الرياضة يتفقد مبنى مجلس مدينة شرم الشيخ الجديد    نفوق 12 رأس ماشية في حريق حظيرة مواشي بأسيوط    الحكومة الإسرائيلية تقرر وقف عمل شبكة قنوات الجزيرة    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة بمحافظة الإسماعيلية خلال العام المالي الجاري    وزارة العمل تنظم ندوة لنشر تقافة الصحة المهنية بين العاملين ب"إسكان المنيا الجديدة"    تقرير: ميناء أكتوبر يسهل حركة الواردات والصادرات بين الموانئ البرية والبحرية في مصر    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    موعد استطلاع هلال ذي القعدة و إجازة عيد الأضحى 2024    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    وزير الرياضة يشكل لجنة للتفتيش المالي والإداري على نادي الطيران    لاعب فاركو يجري جراحة الرباط الصليبي    «شباب المصريين بالخارج» مهنئًا الأقباط: سنظل نسيجًا واحدًا صامدًا في وجه أعداء الوطن    حفل رامى صبرى ومسلم ضمن احتفالات شم النسيم وأعياد الربيع غدا    بالتزامن مع ذكرى وفاته.. محطات في حياة الطبلاوي    جناح مصر بمعرض أبو ظبي يناقش مصير الصحافة في ظل تحديات العالم الرقمي    استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على بلدة ميس الجبل جنوب لبنان    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 3 مج.ازر في غزة راح ضحيتها 29 شهيدا    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    بين القبيلة والدولة الوطنية    طوارئ بمستشفيات بنها الجامعية في عيد القيامة وشم النسيم    في إجازة شم النسيم.. مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة بالغربية    تكريم المتميزين من فريق التمريض بصحة قنا    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    مختار مختار يطالب بإراحة نجوم الأهلي قبل مواجهة الترجي    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانسحاب العسكري الأمريكي المرتقب من غرب أفريقيا .. الأسباب والدلالات والتداعيات
نشر في البوابة يوم 27 - 12 - 2019

في خطوة تعكس التحول اللافت في جدول أولويات الإستراتيجية العالمية للولايات المتحدة ، والتي تبلورت عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) عزمها تقليص وجودها العسكري في منطقة غرب أفريقيا ، وصولا إلى سحب جميع القوات الأمريكية الموجودة في تلك المنطقة، التي تشهد حاليا صعودا متزايدا لخطرالجماعات الإرهابية المتطرفة وعلى رأسها تنظيم داعش والجماعات المتشددة الموالية له.
وأكدت مصادر "البنتاجون" أن انسحاب القوات الأمريكية من غرب أفريقيا ،هو خطوة أولى ضمن خطة إعادة نشر الآلاف من القوات الأمريكية في أنحاء أخرى من العالم، مشيرة إلى أن الأولوية حاليا ليست مواجهة الإرهاب ،بل التفرغ لمواجهة نفوذ الصين وروسيا.
ومن المنتظر أن تشمل عملية الانسحاب الأمريكية ، التخلي عن قاعدة طائرات دون طيارتم تأسيسها في النيجر قبل نحو عامين بتكلفة قدرت بنحو 110 ملايين دولار، كما تشمل أيضا إنهاء المساعدة المُقدمة للقوات الفرنسية، التي تحارب المسلحين المتطرفين في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
وكانت المهمة الرئيسية للقوات الأمريكية في منطقة غرب افريقيا، والتي قدرت بنحو الفي جندي ، هي القيام بتدريب ومساعدة قوات الأمن المحلية في دول المنطقة في مجال مكافحة الإرهاب ونشاطات الجماعات المتطرفة مثل «بوكو حرام» وفروع تنظيمي «القاعدة» و«داعش» والتي شهدت صعودا لافتا في الفترة الأخيرة لاسيما بعد هزيمة داعش في العراق وسوريا ، وفرار العديد من عناصرها إلى إفريقيا .
وقد تباينت آراء المراقبين السياسين والمحللين الإستراتيجيين بشأن الإنسحاب الأمريكي من غرب أفريقيا وأسبابه ودلالاته وتداعياته. فقد ذهب البعض إلى وصف هذا القرار بأنه انقلاب في ثوابت الموقف الأمريكي من مسألة الحرب على الإرهاب في العالم عموما وفي أفريقيا بشكل خاص. في حين قلل البعض الآخر من تأثير هذه الخطوة، معتبرا أن الإنسحاب لن يؤثر بشكل كبيرعلى الوضع في غرب أفريقيا، لا سيما أن القوات الأمريكية لم يكن لها تأثير كبير هناك ، مقارنة بالدور الكبير والحيوي الذي تقوم به القوات الفرنسية في الحرب على الجماعات المتشددة في تلك المنطقة.
ورغم أن قرار الانسحاب الأمريكي من غرب افريقيا كان متوقعا ، في ضوء الوعود التي قطعها الرئيس دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية ،والتي أكد فيها أكثر من مرة أنه سيسحب القوات الأمريكية المنتشرة في كثير من مناطق العالم ،فإن هذه الخطوة وتوقيتها يطرحان الكثير من التساؤلات حول مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في أفريقيا ،وتأثير ذلك على الحرب الحالية على الجماعات الإرهابية في غرب القارة ، وانعكاسات الانسحاب الأمريكي على العمليات العسكرية التي تقوم بها فرنسا في تلك المنطقة.
وتتناقض خطوة الانسحاب الأمريكي المرتقب من غرب افريقيا بشكل لافت مع تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مؤخرا ،وتحدث عن تصاعد القلق الأمريكي من تنامي خطرالجماعات المتطرفة في منطقة الساحل الغربي لأفريقيا ووصوله إلى مستوى غير مسبوق، ،خصوصا نشاطات تنظيم "داعش" ،وفي وقت تنفذ الجماعات المتطرفة هجمات قاتلة في دول المنطقة.فقد شهد العام الجاري2019 وحده 700 حادثة عنف، من بينها هجومٌ كبير مميت على قاعدة عسكرية في غرب النيجر في العاشر من شهر ديسمبر الجاري ، وأسفر عن مقتل أكثر من 70 جندياً من الجيش النيجري. وقبل هذا الهجوم ببضعة أيام،لقي 13 جندياً فرنسيا مصرعهم في اصطدام مروحيتين في مالي.
وقد دفع هذا القلق إدارة الرئيس دونالد ترامب- كما تقول المجلة - للتفكير في استحداث منصب مبعوث خاص جديد وفرقة عمل جديدة للتعامل مع التهديدات الأمنية في منطقة الساحل بإفريقيا. ووفقا للمجلة فإن المبعوث الامريكي الجديد سيرأس فرقة عمل مشتركة بين عدة مؤسسات ومكونة من مسؤولين من وزارة الخارجية والاستخبارات ووزارة الدفاع والوكالات الأخرى لتحسين تنسيق تعامل الولايات المتحدة مع الجماعات المتطرفة في المنطقة.
ونقلت المجلة تحذيرات مسؤولين وخبراء أمريكيين من أنَّ الجماعات المتطرفة تكتسب قوة بالرغم من مداهمات قوات العمليات الخاصة وغارات الطائرات بدون طيار التي تقودها الولايات المتحدة، والجهود التي تبذلها البلدان الغربية وحكومات غرب إفريقيا منذ سنوات للقضاء على هذه الجماعات. وفي هذا الإطار حذر "تيبور ناجي"، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون إفريقيا، من أن منطقة الساحل هي أصعب وضع يواجه الولايات المتحدة الآن في القارة."فتهديد الإرهاب والتطرف العنيف يتزايد،ولم يقتصر ذلك على شمال مالي،بل يتجه نحو الجنوب إلى بوركينا فاسو، وهناك بلدان مثل غانا وتوغو وبنين في حالة تأهُّب".
وعلى ضوء هذه المخاطر الراهنة فإن قرار الانسحاب العسكري الامريكي من غرب أفريقيا ، يشكل – حسب المحللين - ضربة موجعة للقوات الفرنسية التي تقاتل الجماعات المتطرفة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.وتشهد تلك الدول صعودا لافتا في نشاطات وخطر الجماعات المتطرفة التي تشن هجمات متكررة ضد القوات المحلية والأجنبية العاملة هناك.
وينتشر في تلك المنطقة منذ عام 2013 حوالي 4500 جندي فرنسي يتمركزون في منطقة الساحل بهدف مواجهة خطر الجماعات المتطرفة في حكومة مالي..وبمساعدة الدعم الفرنسي والدولي، أنشأت خمس دول في المنطقة - وهي بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر- ما يُسمَّى بقوة الساحل الخماسية المشتركة، التي تضم 5 آلاف جندي.. بالإضافة إلى أنَّ الأمم المتحدة تنشر قوة حفظ سلام في مالي مكوَّنة من 16 ألف فرد، فيما ينشر الاتحاد الأوروبي كذلك بعثاتٍ أصغر في منطقة الساحل للتدريب وتطوير القدرات.
وفضلا عما يحمله قرار الانسحاب العسكري من غرب أفريقيا من تغير في الاستراتيجية الأمريكية للحرب على الإرهاب ، والتي تبلورت عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فإن المراقبين يرون أن هذا القرار يتناقض بشكل كبير مع ما تردد سابقا عن استراتيجية أمريكا بشأن تقليل اعتمادها على نفط الشرق الأوسط، وأن نفط خليج غينيا بغرب إفريقيا قد يشكّل المنطقة البديلة، وما يتطلبه ذلك من احتمال تدخل عسكري لحماية إمداداتها النفطية في هذه المنطقة.كما يطرح هذا القرار تساؤلات حول ما ذكر سابقا عن خطط أمريكا عبر وجودها العسكري في أفريقيا ، لمواجهة الصعود الصيني المتنامي في القارة الإفريقية، وما يمثله من تحدٍّ اقتصادي واستراتيجي في ميزان القوى العالمي.
وكان اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الساحل الإفريقي قد تزايد عقب هجمات 11 سبتمبر، في إطار حربها على ما يسمى الإرهاب ، خصوصاً بعد الإعلان عن تأسيس ما سمّى ب (تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي) بدءاً من سنة 2007..وفي 6 فبراير من نفس العام أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأبن عن إنشاء قيادة عسكرية جديدة تخص القارة الإفريقية تحت أسم (أفريكوم) AFRICOM، وهي القوات التي بدأت مهامها رسميا في أول أكتوبر 2008.
وقد جاء انشاء هذه القيادة ، والتي كانت ترجمة للاهتمام الأمريكي المتزايد بالقارة الافريقية،على خلفية مجموعة من العوامل على رأسها تنامي ظاهرة الإرهاب الدولي في الصحراء الأفريقية، وتزايد الاعتماد الأمريكي على مصادر الطاقة الأفريقية، ونمو النفوذ الصيني في أفريقيا.
لكن انشاء " أفريكوم " رافقه الكثير من الجدل والشكوك حول النية الحقيقية للإدارة الأمريكية من ورائها ، حيث واجهت معارضة واضحة من أغلبية الدول الأفريقية التي عبرت عن رفضها في أن تستضيف مقر القيادة العسكرية الأمريكية الجديدة على أراضيها ..وبعد عدة مشاورات قررت واشنطن أن تجعل مقر قيادة هذه القوات في شتوتجارت بألمانيا بصفة مؤقتة.
ويعمل تحت قيادة "أفريكوم" نحو 7500 جندي وموظف ،بينهم 1000 متعاقد و1200 عنصر من القوات الخاصة الأمريكية، يتمركز أغلب هذه القوات في جيبوتي، يليها النيجر حيث يتواجد على أراضيها 800 جندي ثم الصومال (500 جندي)..وقد شهد عدد القوات الخاصة الأمريكية في أفريقيا زيادة مطردة ،حيث قفز من 1 في المائة من مجموع القوات الخاصة الأمريكية المنتشرة خارج الولايات المتحدة عام 2006 إلى 16,5 في المائة سنة 2018. فيما شهدت السنوات الأخيرة تورطا أكبر لهذه القوات في العمليات القتالية، بعد أن كانت مهامها تقتصر فقط على التدريب والاستشارات فقط ،حيث أصبحت تعمل في الغالب جنبا إلى جنب مع القوات المحلية وتتولى في كثير من الأحيان قيادة العمليات والتخطيط لها. ولعل هذا ما يجعل قرار الانسحاب من غرب افريقيا في هذا التوقيت قرارا مثيرا للكثير من التساؤلات عن مستقبل الوجود الأمريكي في القارة؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.