يتميز المجتمع في شبه جزيرة سيناء بالحفاظ على عاداته وتقاليده وتراثه الشعبي، وأثرت الطبيعة الصحراوية في هذه العادات والتقاليد حتى انسحبت على عاداته الغذائية .. فكان طعامه وأدواته بسيطة مشابهة لبساطة الطبيعة المحيطة به حتى لا يتكلف جهدآ أو مشقة في الحل والترحال، وتعد أكلة (اللصيمة السيناوية) أحد أهم مظاهر اعتزاز وتمسك المجتمع السيناوي بتراثه الشعبي. ويقول خبير التراث السيناوى كمال الحلو رئيس جمعية متحف التراث السيناوي، إن التراث يكون ماديا أو معنويا، فالمادي كالآثار والمتاحف والتحف التذكارية والحلى والصور الفوتوغرافية والمجوهرات والقطع الأثرية والأنتيكات، أما الشق المعنوي للتراث وهو ما يعرف باسم (التراث الشعبي) فيتكون من عادات الناس وتقاليدهم كالفلكلور الشعبي من الحكايات والأمثال الشعبية والأشعار والقصائد وأنواع اللعب والأغاني وأساليب التداوي والولائم والوجبات والأكلات الشعبية التي تعود إلى عصور قديمة .. فطريقة عمل وصناعة العجوة وتفديغ الشقيق على الطريقة الشوربجية هي تراث أصيل مثلها مثل الدبكة والدحية ومثل حفلات السامر والصوب المصاحب في الأعراس. ويؤكد عبد العزيز الغالي عضو اتحاد الكتاب وأمين عام جمعية متحف التراث السيناوى ، أن العادات الغذائية هي وليدة أي مكان ، وبالتالي فقد انعكس ذلك على أبناء سيناء .. حيث تفرد في تصنيع مواده الغذائية من منتجاته الأصلية النابعة من الطبيعة المتفردة للتربة والمناخ الذي تتمتع به شبه جزيرة سيناء آسيوية الجغرافيا وأفريقية الهوية .. مما جعل تفردها هذا تميزا لها عن باقي محافظات الوادي. وأشار إلى أنه إذا وجد ما يشابه منتجات شبه جزيرة سيناء من حيث الاسم أو الشكل إلا أنه لا يتساوى معها من حيث الجودة والطعم وحلاوة المذاق .. ومثال ذلك : الخوخ ، الكانتلوب ، التين ، المشمش ، البطيخ ، الأعشاب العطرية ، والنباتات الطبية، فكلها منتجات "بعلية " أي مروية على مياه الأمطار ، وذلك بخلاف السمان والأسماك المتميزة سواء من البحر الأبيض المتوسط المشهود له بعدم التلوث أو من بحيراتها الثلاث البعيدة أيضا عن التلوث مثل البردويل والزرانيق وبورفؤاد، علاوة على البحر الأحمر بذراعيه (خليجا العقبة والسويس). ولفت عبد العزيز الغالي إلى تفرد سيناء بإنتاج زيت الزيتون البكر والفاخر الغني بمكوناته الغذائية العالية، والذي يعتبر مكونا رئيسيا لتصنيع العديد من الأطعمة، وفي مقدمتها "اللصيمة " التي يحرص الجميع على تناولها ويتم تداولها جيلا بعد جيل حتى أصبحت من أهم مظاهر التراث السيناوي .. حيث يشكل الطعام السيناوي ببساطته وطريقة طهيه على الحطب المأخوذ من الأشجار المتواجدة في الطبيعة ميراثا عريقا وعظيما .. فهو جزء من ثقافة وحياة سكان شبه جزيرة سيناء ، ويصل الماضي بالحاضر. وقال إن الكثير يعتقدون أن مدلول كلمة "تراث" قاصر فقط على الآثار وما شابه .. إلا أن التراث بمفهومه البسيط هو خلاصة ما تخلفه الأجيال السابقة السالفة للأجيال اللاحقة ، وهو مصدر الهوية والجذور .. وهو علم ثقافي قائم بذاته .. فكلمة التراث تعنى الإرث Heritage. وشدد أمين عام جمعية متحف التراث السيناوى على أن أهمية التراث تكمن في دوره الفعال في تغذية العقل الجمعي، لذلك فإن الحفاظ عليه ونشره ونقله عبر الأجيال والحرص على ضمان استمراريته مسئولية الجميع بلا استثناء. وأضاف أن (اللصيمة السيناوية) الشهيرة التي يتهافت عليها الغني والفقير والشباب والشيوخ والأطفال والنساء، هي أحد أهم مكونات التراث السيناوي الثقافي، مثلها مثل الكبسة في السعودية ، وفلافل وحمص الشام وتبولة لبنان، وكسكسى أو مفتول المغرب العربي، ومبكبكة ليبيا، وسوشي اليابان، وبيتزا إيطاليا، وهارينج هولاندا، وكافيار البحر الأسود، وهامبورجر أمريكا، وفواجرا فرنسا وغيرها من الأنواع التس تلتصق ببلادها. وأوضح أن اللصيمة هي أكلة عرايشية وجزء من التراث السيناوي، وتتكون من مكونات بسيطة منها الطماطم، والباذنجان، والدقيق، والبطيخ وزيت الزيتون، والفلفل الأخضر، وتعد من أشهر أطباق وأكلات سيناء وألذها وأحبها وأقربها إلى قلوب أبنائها (بدو وحضر)، وذلك رغم أن مكوناتها لاتعدو أن تكون من المشهيات حين تصنع كسلاطة، ولكنها تصبح طبقا رئيسيا حين يضاف إليها الفت (قرص الملة) والذي يصنع من الدقيق ويدفن في رمضاء النار فيتطهر وينضج ليكتسب طعما ومذاقا لا يقاوم، وأصبح لها موسم يتزامن مع بواكير وبشاير البطيخ والتي تسمى "العجر" ، ويلذ تناولها في ليالي الصيف المقمرة . وقال عبد العزيز إن اللصيمة هي أكلة جماعية لا تتم ولا يستطاب طعمها إلا بوجود صحبة أو جماعة تتعاون على صنعها وتسويتها، فهي عمل جماعي، ومازال أهل سيناء يحافظون على تقاليدها وطقوسها ويأكلونها في رحلاتهم الخلوية بالبر ، وفي مدينة العريش تحايل الناس على الطبيعة داخل مدينتهم ووجدوا ضالتهم في شارع العشرين باتساعه وكثرة الغرود الرملية حوله مما يحاكي البر فيزدحم في موسم (العجر) بكثرة مرتاديه مساء كل يوم ويزداد الازدحام كل يوم خميس (ليلة الجمعة) من عشاق اللصيمة حتى نسي الناس اسم الشارع الأصلي وصار يسمى بشارع اللصايم. وأضاف أمين عام جمعية متحف التراث السيناوي إن هناك أكلات أخرى كثيرة تعتبر من مكونات التراث في سيناء مثل : ( الجريشة – الرقاقة - حرقة الأصبع – الطشطاشة – المنسف – المقلوبة – السمان – الصيادية - البيض المقعد – وأخيرا شهقة العجوزة). واختتم كلامه مؤكدا أن حب الفرد السيناوي للصيمة، ودون أن يشعر، هو حفاظ على موروثه الثقافي الخاص بالطعام ، فهو يعتبر ذلك تواصلا مع آبائه وأجداده واعتزازا وتميزا بشخصيته .. مشيرا إلى أن التراث السيناوي أصبح (ومن ضمنه اللصيمة) إحدى ابتكارات الفرد السيناوي تلبية لحاجات المجتمع ، واستغلالا لمنتجات الطبيعة من البيئة البرية الخاصة والمحيطة به ، وبما يتناسب مع احتياجاته الشخصية والمعيشية.