تحتفل الصين في الأول من أكتوبر بالعيد الوطني الذي يوافق هذا العام الذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية ، وسوف تشهد احتفالات هذا العام التي ستكون الأكبر من نوعها عرضا عسكريا وموكبا جماعيا في ميدان "تيان آن من" كما سيتم عرض بعض الأسلحة المتقدمة لأول مرة فيما سيحضر قادة الدولة والحزب الشيوعي الحاكم وممثلو مختلف المجالات تجمعا كبيرا في مساء أول أكتوبر للاستمتاع بحفل وعرض ضخم للألعاب النارية. وذكر مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة الصيني (مجلس الوزراء) أن الفعاليات الاحتفالية بالذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية تتضمن إقامة حفل استقبال كبير سيلقي خلاله رئيس الدولة "شي جين بينج" كلمة يعقبها عرض عسكري يصحبه مرور موكب جماعي في ميدان "تيان آن من". وأضاف المكتب أنه ستقام مراسم منح الوسام الوطني واللقب الفخري الوطني حيث سيقدم الرئيس الصيني الأوسمة والميداليات، كما ستقام مراسم تقديم أكاليل الزهور لأبطال الشعب في يوم الشهداء الذي يوافق الثلاثين من سبتمبر. ومن المقرر وفقا لوزارة الدفاع الوطني الصينية أن يشارك في العرض العسكري 59 كتيبة وأوركتسرا عسكرية تضم حوالي 15000 شخص وأكثر من 160 طائرة من مختلف الأنواع و580 مجموعة من المعدات كما سيتضمن العرض أكثر من 50 معزوفة عسكرية مع تسجيل ظهور بعض الفرق العسكرية لأول مرة إلى جانب مشاركة فرقة حفظ السلام الأممية لأول مرة في العرض. كما سيشهد العرض ظهور بعض الأسلحة والمعدات الجديدة للقوات البرية والبحرية والجوية وقوات الصواريخ وقوات الدعم الاستراتيجي، حيث ستكون الأسلحة المعروضة مصنعة بالكامل داخل الصين وذات مستوى تكنولوجي عال، وتعكس امتلاك الصين قدرة أكبر على التوجيه والتحكم في المعدات العسكرية ودقتها العالية في الضربات. وقد مرت الصين بتطورات هائلة على مدار السنوات السبعين الماضية، حيث تطور الاقتصاد بشكل كبير ازداد معه إجمالي قيمة الناتج المحلي عام 2018 ب174 ضعفا عما كان عليه عام 1952 حيث بلغت 9ر67 مليار يوان فقط (6ر9 مليار دولار) عام 1952، ولكن في عام 2010 تجاوزت الصين نظيرتها اليابانية وأصبح اقتصادها الثاني في العالم مع توسع الانفتاح الصيني على الخارج. وبلغ حجم التجارة الخارجية للصين 13ر1 مليار دولار عام 1950 فيما وصل إجمالي حجم التصدير عام 2018 إلى 6ر4 تريليون دولار ليسجل زياة بنحو أربعة آلاف ضعف عما كان عليه قبل سبعين عاما. وفيما يتعلق بالتنمية الصناعية، فقد شهدت تغيرات كبيرة حيث أنشأت الصين تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني نظاما صناعيا حديثا مكتملا تدريجيا تحولت معه الصين من بلد زراعي فقير ومتخلف إلى أكبر بلد صناعي في العالم. وتعكس البيانات التالية حجم هذه التغيرات، حيث زادت حصة القيمة المضافة للصناعة 6ر970 ضعف في عام 2018 مقارنة بعام 1952، وبلغ إنتاج الصلب الخام 930 مليون طن عام 2018 مقارنة بنحو 160 ألف طن عام 1949، ليتجاوز 5799 ضعفا مقارنة بعام 1949. وبلغت الطاقة الإنتاجية للزجاج المسطح 870 مليون صندوق عام 2018 مقارنة بنحو 08ر1 مليون صندوق عام 1949، ليتجاوز 803 ضعف مقارنة بعام 1949 فيما بلغ إنتاج الفحم الخام 68ر3 مليار طن عام 2018 مقارنة ب 32 مليون طن عام 1949، ليتجاوز 115 ضعف مقارنة بعام 1949. وبلغ إنتاج السيارات 819ر27 مليون سيارة عام 2018، ونجحت السكك الحديدية الصينية عالية السرعة في اختراق الأسواق العالمية، فيما بلغ إنتاج الكمبيوتر 310 ملايين وحدة عام 2018، واحتل جهاز الحاسوب الخارق "شن وي. نور تايهو ليك" المرتبة الأولى في قائمة أقوى 500 حاسوب خارق في العالم مرات عديدة. وتسارعت الصناعات الناشئة وتيرة التنمية باستمرار، حيث تضم الصين 41 فئة صناعية كبيرة في الوقت الحالي و207 فئات صناعية متوسطة و 666 فئة صناعية صغيرة وتم تشكيل نظام صناعي حديث ومكتمل ذات مستويات تكنولوجية. وبالنسبة لحياة الشعب الصيني خلال السنوات السبعين الماضية، فقد شهدت تغييرات ضخمة ففي بداية تأسيس جمهورية الصين الشعبية كانت مستويات دخل واستهلاك السكان منخفضة للغاية حيث كان نصيب الفرد من الدخل القابل للتصرف للسكان عام 1956 نحو 98 يوانا فقط ونصيب الفرد من الإنفاق الاستهلاكي 88 يوانا فقط بينما في عام 2018 بلغ نصيب الفرد من الدخل القابل للتصرف للسكان 28228 يوانا وبلغ نصيب الفرد من الإنفاق الاستهلاكي 19853 يوانا. وبالنسبة للكهرباء.. كانت كمية توليد الكهرباء السنوية في الصين قبل 70 عاما محدودة للغاية مقارنة بتلك في الولاياتالمتحدة ولكن تبلغ كمية توليد الكهرباء حاليا 5ر1 ضعف تلك في الولاياتالمتحدة لتحتل معها المرتبة الأولى في العالم مع قدرتها على توفير الكهرباء لجميع المناطق في العالم رغم عدد سكانها البالغ 4ر1 مليار نسمة. وحول المواصلات والاتصالات.. يوجد حاليا 800 ألف جسر للطرق السريعة و200 ألف جسر سكك حديدية، تحتل بها المرتبة الأولى في العالم ، ومن بين الجسور ال100 الأكثر ارتفاعا بالعالم التي تم بناؤها في القرن ال21 يوجد 90 منها في الصين. ويوجد حاليا 3 ملايين محطة لشبكة الجيل الرابع في الصين من أصل 5 ملايين منتشرة في العالم وهو ما يمثل 64% من إجمالي عدد المحطات في العالم ، وفي مجال الجيل الخامس تم إطلاق أول هاتف من هذا الجيل بشكل تجاري رسمي. وحول التعليم .. كان مستوى التعليم في بداية تأسيس جمهورية الصين الشعبية منخفضا للغاية حيث بلغت نسبة الأمية 80%، وكان معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية أقل من 20%، وبسبب انخفاض مستوى الناتج المحلي الإجمالي في ذلك الوقت كانت الميزانية المالية الصينية للتعليم متواضعة جدا. وفي السنوات السبعين الماضية، حقق التعليم الصيني إنجازات كبيرة ففي عام 2018 بلغ معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية 95ر99%، وتحولت الصين من بلد يضم أكثر من 80% من السكان غير القادرين على القراءة والكتابة إلى بلد غني بالكفاءات، وقد تحول عدد السكان الضخم من العبء إلى المساهمة بقوة في تنفيذ سياسات الإصلاح والانفتاح والتنمية الاقتصادية. أما بالنسبة للرعاية الصحية..فقد حققت الصين تقدما كبيرا في هذا القطاع، حيث ارتفع متوسط العمر المتوقع للسكان من 35 سنة في بداية تأسيس جمهورية الصين الشعبية إلى 77 سنة عام 2018، وانخفض معدل وفيات الرضع من 200 % في بداية تأسيس جمهورية الصين الشعبية إلى 1ر6% عام 2018 ، ويبلغ عدد مؤسسات الرعاية الصحية في الصين أكثر من 990 ألف مؤسسة. وبالنسبة للتوظيف.. في نهاية عام 1949 كان عدد الموظفين في الصين يبلغ 8ر180 مليون موظف، وكان معدل البطالة في المناطق الحضرية يصل إلى 6ر23% بينما في نهاية عام 2018 بلغ عدد الموظفين في الصين 8ر775 مليون موظف بينهم 3ر46% في صناعة الخدمات. وفيما يتعلق بالزراعة.. بلغ إجمالي إنتاج الحبوب في الصين عام 2018 نحو 8ر657 مليون طن مقارنة ب 1ر113 مليون طن عام 1949. وحول الضمان الاجتماعي..غطى التأمين الأساسي للشيخوخة في الصين عام 2018 أكثر من 900 مليون شخص، والتأمين الطبي أكثر من 3ر1 مليار شخص ما يحقق التأمين الطبي الشامل بشكل أساسي. ويمكن من خلال التغيرات التي طرأت على مئات الأسر الصينية ، رصد النقلة النوعية التي شهدتها الصين في 70 عاما حيث هناك مقولة مأثورة في الصين تقول "الطعام هو سماء الشعب". لقد كان أقصى طموح للمواطن الصيني قبل 70 عاما هو الإحساس بالشبع، ومع الدخول في اقتصاد السوق في التسعينيات أصبح المواطن الصيني قادرا على تناول ما يكفيه من الطعام الجيد نوعا ما وصولا إلى بداية القرن ال21، حيث أصبح بإمكان الأسرة الصينية تناول الطعام الطازج والصحي وهو ما يعكس قفزة نوعية في مستوى معيشة المواطن الصيني ورفع مستوى الوعي الغذائي لديه. ومع بداية تأسيس جمهورية الصين الشعبية في خمسينيات القرن ال20، كانت ظروف معيشة المواطن الصيني صعبة للغاية، كما واجهت الصين ثلاث سنوات من الكوارث الطبيعية لذلك لم يكن بإمكان المواطن الصيني أن يأكل ما يريد، وكان أقصى طموحه أن يجد ما يمكنه أكله. وفي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، تحسن مستوى معيشة المواطن الصيني لكن الموارد كانت لاتزال محدودة للغاية لذا ظهر ما يسمى "التذاكر" المختلفة مثل تذاكر للطعام وتذاكر للقماش للحد من الاستهلاك وضمان الإمدادات التي تكفي جميع المواطنين، وكان الفجل والكرنب الصيني الأطباق الرئيسية على مائدة الأسرة الصينية، ولم يكن تناول الأرز أو الدقيق أو اللحم أو الزيت أو السكر وما إلى ذلك متاح إلا بالتذاكر، وكان الصينيون حينها يدخرون الأموال طوال العام، لإعداد وجبة شهية للعائلة خلال عيد الربيع الصيني. وبعد تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح في ثمانينيات القرن الماضي، بدأت الأطباق المتواجدة على مائدة الأسرة الصينية في التنوع تدريجيا، حيث منذ أوائل التسعينيات، أصبحت الأسماك واللحوم التي كانت رفاهية شيء يمكن تناوله في أي وقت، وطبقت الحكومة الصينية "برنامج سلة التسوق" من عام 1988 إلى عام 1999، لملء سلال الشعب الصيني بالخضروات والفواكه على مدار السنة. وفي القرن ال21، أصبح لدى الأسر الصينية حرية اختيار ما يأكلون، فيختار من يريدون إنقاص وزنهم تناول كميات أقل من الزيت وتناول الأطعمة منخفضة السعرات الحرارية، ويختار الذين يرغبون في بناء عضلات تناول الأطعمة الغنية بالبروتين، وأصبحت الأسرة الصينية تختار الأطعمة المتواجدة على المائدة بشكل انتقائي ، وتحول الوضع من "تذاكر" للحصول على الطعام وادخار نصف الدخل الشهري للحصول على وجبة جيدة إلى دفع الكتروني يمكن من خلاله الحصول على أشهى وأشهر المأكولات العالمية. وبالنسبة للملابس .. فقد شهدت تغيرات خلال 70 عاما من البساطة إلى التنوع، ومن التعميم إلى الخصوصية، حيث في الخمسينيات كان معظم أبناء الشعب الصيني يعملون في المصانع ويرتدون زي العمال في معظم الأحيان، وفي الستينيات كانت ملابس الصينيين أحادية اللون أما في السبعينيات فقد بدأت تصميمات الملابس الصينية تتغير تدريجيا، وفي منتصف إلى أواخر الثمانينيات أصبحت تصميمات الملابس الصينية متنوعة ومختلفة الألوان والأشكال، وفي التسعينات زادت التصميمات خصوصية وتنوعا ما دفع الأزياء الصينية للدخول إلى عصر جديد، وبحلول القرن ال21، لم تعد أزياء وتصميمات الملابس الصينية موضة محلية فحسب بل تجاوزت ذلك لتصبح اتجاها عالميا. وبالنسبة لجهود مكافحة الفقر، استطاعت الصين انتشال أكثر من 700 مليون مواطن من تحت خط الفقر، حيث بنهاية عام 2018، انخفض عدد سكان الريف الصيني الواقعين تحت خط الفقر الوطني إلى 6ر16 مليون شخص وسط توقعات أن يتم انتشالهم جميعا من الفقر بحلول عام 2020. والملاحظ أيضا أنه قبل 70 عاما، لم يكن يزور الصين سوى عدد قليل من الأجانب ولكن حتى يوليو 2019 أقامت الصين علاقات دبلوماسية مع 178 بلدا وارتفع عدد زوارها من الخارج إلى ما يزيد على 141 مليون شخص خلال العام الماضي كما تجاوز الناتج الاقتصادي الصيني 90 تريليون يوان (57ر12 تريليون دولار) مع اقتراب نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي من 10 آلاف دولار إلى جانب مساهمة الصين بنحو 30% من نمو الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة فضلا عن بلوغ عدد الأفراد العاملين في مجال الأبحاث والتطوير في الصين 18ر4 مليون شخص عام 2018، وهو أعلى معدل للعاملين في هذا المجال على مستوى العالم. وبحلول الذكرى السنوية السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، فإن ما يثير الدهشة ويجعل الصين الجديدة نموذجا هو أن دولة كانت بالكاد تستطيع إطعام شعبها قبل 70 عاما، تحولت إلى دولة تعمل حاليا على إنجاز بناء مجتمع رغيد في جميع نواحي الحياة.