أنامله تتحرك وتتحسس ببطء هنا وهناك للامساك أدواته المتناثرة في جميع الاتجاهات التى يراها ببصيرة قلبه قبل عينيه.. يثق في نفسه في مهنته التى تعتمد كثيرًا على حاسة الرؤية، يتعامل بكل مهارة وحرفية لا تقيده إعاقته كونه «ضريرًا» من وإلى حلم الصغر الذى سعى إليه منذ الحادية عشر من عُمره. في إحدى الحوارى الضيقة يقف رجل ستينى على طاولة خشبية مليئة بالمعدات والآليات الحديدية، داخل محل بسيط مرتب، الأتربة تكسو الأرفف من جميع الأركان.. يمسك بيده «مفك» لخلع الوجه الخلفى للكالون وبدء عملية تصليحه وإعادة تجميعه مرة أخرى في عدة دقائق قليلة دون النظر إليه، فقط معتمدًا على لمسه.. بين نظرات اندهاش وغرابة المارة الذين لا يعرفونه. «عاوز اطلع مفتاح على ده.. عندى كالون عاوز أصلحه.. المفتاح اتكسر في باب الشقة»، لم تعد هذه المطالب صعبة على الشيخ «محمد حامد» أشهر صنايعى نسخ مفاتيح وتصليح مثلما عُرف بين جيرانه في المنطقة. التقت عدسة «البوابة» بهذا الرجل الذى قضى أكثر من 43 عامًا في تلك المهنة، ليروى خزائن أسراره معها، يقول عم «محمد» الذى فقد بصره عقب ولادته بعام واحد.. «في العشرين من عمرى عملت بإحدى شركات تصنيع الأقفال لرغبتى الشديدة في تعلم كيفية تصنيع الأقفال والمفاتيح وفكرة عملها». وأضاف: «أصبحت أتقن هذه المهنة، وقمت بتجميع الأموال البسيطة وفتحت «فرش» صغير أمام المنزل، وبدأت في تصليح كوالين المنازل والغرف ونسخ المفاتيح لزبائن وبمرور الوقت والعمر استطعت تكبير «الفرش» وأصبح محلًا». ويستطرد الرجل الستيني: «عمرى ما شوفت شكل المفتاح أو الكالون لكن بعرف أصلحه كأنى شايفه تمامًا»، مردفًا: «ربنا كبير وبيعوض لما بياخد حاجة من حد بيديله حاجة مكانها». وعن حياته الأسرية، يقول عم «محمد» لدى أربعة أبناء اثنين من الذكور ومثلهم من الإناث، يقومون بمساعدتى أحيانًا في عملى، ولكننى أفضل كثيرًا الاعتماد على نفسى في العمل دون مساعدة أحد، مؤكدا أن هذه المهنة ليست فقط مصدر رزقه الوحيد، ولكنها حلم وهواية الذى سعى إليها منذ صغره قائلا: «مبلاقيش نفسى إلا وسط شغلى بين المفاتيح والكوالين.. فبمجرد إمساكى «الكالون» أشعر أننى أراه وأبدأ على الفور بتصليحه».