سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سمير الفيل يتحدث ل"البوابة نيوز": ولعي بالواقعية صاحبني منذ بدأت الكتابة.. الجماعات السلفية والمتشددة تؤثر على التحول المدني للدولة.. هناك حركة إبداع قوية ولكن لا يوجد نقد موازٍ لها
سمير الفيل، كاتب مصري تخصص فى مجال إبداع القصة القصيرة، وقد حققت أعماله ذيوعا وانتشارا منذ بدأ الكتابة وهو شاب فى عمر 23 سنة. قدم للمكتبة العربية مجموعته القصصية الرابعة عشرة بعنوان «حذاء بنفسجى بشرائط ذهبية».. كما ترجمت له فى مكتبة «أمازون» مع مجموعة من كتاب القصة عملين هما: «مشيرة» و«انحناء»، عن تجربته كان لنا معه هذا الحوار.. ■ تُصوِّر فى مجموعاتك القصصية الأماكن الواقعية والجو الشعبى بطقوسه.. هل ترى نفسك مخلصًا للواقعية ككاتب؟ - منذ بدأت الكتابة ولدى ولع بالواقعية، فقد عملت منذ طفولتى فى مهن مختلفة، داخل ورش الموبيليا أو دكاكين الأحذية، وتأملت العلاقات الإنسانية المتأزمة، فقد كانت الوقائع تحدث أمامى مباشرة بلا خفاء. تحمل ذاكرتى أسرارا كثيرة، ولدى حدس بما تحمله الأنفس الحائرة من دلائل حيرة وتعب وشعور بالأسى؛ فكل الأفراح مؤجلة لزمن آت، لا يعرف أحد توقيته بشكل صحيح. فى الحارة الدمياطية تغلب علاقات العمل على أى علاقات أخرى وتهمشها، والحياة مليئة بالمآسى التى يتعرض لها الرجل والمرأة على حد سواء. وتلك هى قماشة السرد التى أعمل عليها بدأب وإخلاص منذ بدأت كتابة القصة القصيرة سنة 1974 فقد كنت فى بداية الأمر شاعرا من خلال قصة «فى البدء كانت طيبة» وقد نشرتها مجلة «صباح الخير» عن طريق محررة كانت تكتب بها هى زينب صادق. بعدها تعرفت على لطيفة الزيات وزرت بيتها فى الدقي، وعرفت أنها كاتبة منحازة للوطن، ثم تعرفت على صبرى موسى وبقيت مشدوها لروايته العبقرية «فساد الأمكنة». وكلاهما من مدينة دمياط.. لكن عبدالحكيم قاسم ابن الغربية، أسرنى بروايته «أيام الإنسان السبعة». كان يكتب كصوفى متبتل. كل هؤلاء تعاملوا مع الواقع بطريقتهم. ومنهم استفدت جدا فى أن يكون لى واقعى الخاص الذى أشكله عبر عجينة السرد الطرية. تعلمت أنك لتفهم الواقع بشكل صحيح عليك الابتعاد خطوات وزمن ما لترى أفضل وهو ما أنفذه دائما. ■ كيف ترى وصف أحد النقاد لك بأنك كاتب الحارة الشعبية ومؤرخ الفقراء؟ - لعل العبارة صحيحة فيما يخص التوصيف العابر، فأنا فى كتاباتى منحاز للبشر البسطاء، وأكتب عنهم، ومن حسن حظى أن حياتهم لا تمضى على وتيرة واحدة، فهناك المغامر والمجنون و«البصباص» و«النرجسى» والمتعالم. تلك شخصيات من لحم الحياة، ولم يكن يفوتنى أننى أنتمى طبقيا لهذه الشريحة الاجتماعية حتى بعد عملى كمدرس ابتدائى لمدة 40 سنة متتالية. هذا هو المنجم الذى ظللت أغترف منه حيث يمدنى الواقع دائما بأفكار جديدة، غريبة، لم أكن أتوقعها. لكننى بالقطع استفدت من تجارب العظيم أنطون تشيخوف كذلك يوسف إدريس، ثم إبراهيم أصلان فى «بحيرة المساء»، وكل من يزعم أنه بلا أساتذة فهو مضلل، ويضحك على نفسه. تتعلم من رمز أو كاتب ثم تبدأ فى حفر مجراك السردى حسب اجتهادك ووعيك وفهمك لقضاياك الجمالية. ■ أنت تنثر فى سردك بعض الكلمات العامية وفى الوقت نفسه تحافظ على العامية فى الحوار حتى بين الشخصيات شديدة الشعبية.. لماذا تعمد إلى هذا الأسلوب بالذات؟ وهل هى محاولة للتوفيق بين الفصحى والعامية فى السرد؟ - صدقنى إننى لا أتعمد اختيار اللغة، بل أترك للشخصيات التفاعل وأنصت للصوت الداخلى وأحرره من كل قيد مسبق حتى أفهم كيف تمضى الأمور. قصص مثل «مشيرة» و«نرجس» و«تمر حنة» يغلب عليها الحوار المكتوب باللهجة الدارجة، وفى قصص أخرى تسعفنى الفصحى المبسطة للتعبير عن الفكرة والمعنى. تتحدد البنية النصية من خلال تجاربك، فالكاتب له مشروع فى الكتابة ولا يترك نفسه لتقلبات النفس أو المزاج. مثلا فى تجربة الغربة دونت حكاياتى فى «منامات الدمام» ولاحظت الجو الكافكاوى الذى سيطر على فضاء النصوص. هذا شيء لم أقصده لكنه جاء نتيجة إنصاتى لإيقاع العمل القصصي، وكل قصة لها إيقاعها الخاص، كل ما على الكاتب أن يجيد التقاط الإشارة بشكل واضح وصريح. ■ قلت إن مجموعتك «شمال.. يمين» هى مجموعتك الأحب إليك.. لماذا؟ - هذا ليس كلامي، لكن تقرير وكالة أنباء «رويتر» منذ صدرت المجموعة سنة 2007 بين أن هذه مجموعة تبحث فى الحس الإنساني، لا عن غبار المعارك وصدام الدبابات. هو منهج اخترته منذ بدأت قصصى الأولى، فأنا على يقين من أن نصوص «شمال.. يمين» فيها اقتراب حثيث من تجربة التجنيد فى سن صغيرة خلال التنقل بمواقع المشاة فى سرابيوم والدفرسوار والمحسمة وتبة الشجرة، وهى الأماكن التى خدمت بها. أما الشخصيات فهى موغلة فى الواقعية لكن لديها مكر ودهاء فطري. أنا مؤمن بما تمنحه الكتابة للمؤلف من لذة تفوق كل متع الحياة. فهو فى موقع الخلق بالمعنى الفنى لا الدينى طبعا، وهذا شيء يبعث على الابتهاج. ■ كيف ترى موضة الكتابة الفانتازيّة المنتشرة حاليًا؟ - لا أحب التعميم، ولا أضع النصوص جميعا فى «شيكارة»، وأمضى بها فى الشوارع والأزقة، الفانتازيا ليست تهمة، لكن السؤال المنطقي: أى فانتازيا تقصد؟ تلك التى تبعدك عن الحياة لتعلو الواقع أم هى الخبرات التى تجعل لكتاباتك طعما ولونا ورائحة؟! خذ مثلا فرانتز كافكا، هذا الكاتب التشيكى الداهية. لقد جعل الفانتازية تجسد الواقع بشكل فى غاية القوة والتماسك. ما يهمنا هو حرفة الكاتب وامتلاكه لأدواته. هناك كاتب أصيل، وكاتب يلفق النص وينفخه بالهواء الفاسد! ■ حصلت على جائزة الدولة التشجيعية.. كيف ترى هذه الذكرى؟ - هى ذكرى غالية لأننى فوجئت بالفوز، فأنا أعيش بعيدا عن العاصمة، ولا توجد تربيطات مع أى لجان.. المسألة تخص محكمين قرأوا «جبل النرجس»، ووجدوا فيها شيئا من الرقة والنفاذية وطرح كثير من الأسئلة فيما يخص القضايا الحية التى تعنى الناس. ■ كتبت فى قصتك «أم إحسان» عن الزوجة التى تضرب زوجها، وهى حادثة نسمع بها الآن كثيرًا.. كيف ترى أسباب هذه الظاهرة اجتماعيًا ونفسيًا؟ - أنا كاتب، ولست مخولا أن أشرح أسباب ضرب النساء للرجال أو العكس. ما لفت نظرى أن الزوج المضروب كانت له مهابة وله شنب يقف عليه الصقر، ورغم ذلك كنا نراه من الشراعة الزجاج يئن، يعوى كذئب جريح ؛ لأن اللطمات كانت تطوله وهو منكمش على ذاته يكتفى فقط بإبعاد الأذى عن نفسه. ■ لماذا فعلت «أم إحسان» ذلك؟ - يبدو أن فقدان الحس الأخلاقي، وضيق ذات اليد، وقوة شخصية المرأة ووجود مصدر رزق خاص بها، كلها عوامل أدت لحدوث «الضرب»!. ■ كيف ترى المشهد الثقافى المصرى الحالي؟ - حضرت فى أبريل الماضى ملتقى الرواية العربية، واستمعت لشهادات عدد كبير من الكتاب. هناك حركة إبداع قوية، لا يوجد نقد موازٍ لها. كما أن الجامعات إلا فيما ندر تعيش مع الماضى أكثر من الحاضر. نتيجة لذلك حدثت قطيعة بين النص وبين القارئ. من جهة أخرى، يوجد فى مصر حضور قوى للسلفية والجماعات المتشددة، وهذا أمر خطير لن يتزحزح إلا بتعليم حديث متطور، وثقافة أصيلة تذهب للناس فى أماكنهم؛ تعلمهم تذوق القصيدة والقصة واللحن، ومعرفة أسرار اللوحة التشكيلية والأوبرا والغناء. كل شيء فى وطننا مؤجل حتى ننعم بدولة لا سيطرة فيها للفقهاء على أدمغة بقية الخلق. وهذه قضية طرحتها فى الكثير من نصوصى القصصية، خاصة مجموعتى الأخيرة «حذاء بنفسجى بشرائط ذهبية».