رحيل أمين فخري عبد النور، سليل عائلة عبد النور، أبرز الأسر الوفدية في مصر، كان خسارة كبيرة لمصر عامة وللمجتمع القبطي خاصة، نظرًا لما قدمته هذه العائلة من شخصيات سياسية أَثْرَت العمل الوطني في مصر طوال 100 عام. عبد النور، هو ابن فخرى بك عبد النور الذي خرج من قلب جرجا بسوهاج، وكان من قيادات حزب الوفد في فترة توهجه إبان ثورة 1919، ورئاسة الزعيم سعد زغلول، ورافق عبد النور زغلول في كفاحه أيام الاستعمار، والمطالبة بالاستقلال الوطني، وساهم القطب الوفدي في مشاركة الأقباط بالحياة السياسية والالتحام مع الجماعة الوطنية المصرية في تعزيز دعائم المواطنة. فخري بك عبد النور كان نائبًا برلمانيًّا معروفًا بمشاغباته السياسية كأحد الوفديين المعروفين، وجاء بعده أمين عبد النور الذي تسلم الراية ولعب دورًا وطنيًّا وسياسيًّا كبيرًا، كما لعب دورًا كنسيًّا مهمًّا؛ حيث ساهم في الترتيب لزيارة تاريخية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية والعودة بجزء من رفات القديس مارمرقس، في عهد البابا كيرلس السادس، وتحديدًا في 20 يونيو 1968؛ حيث ذهب وفد كنسي من عشرة من المطارنة والأساقفة، منهم الأنبا مرقس مطران أبو تيج وطهطا وطما وتوابعها رئيسًا، والأنبا ميخائيل مطران أسيوط وتوابعها، والأنبا أنطونيوس مطران سوهاج والمنشأة وتوابعهما، والأنبا بطرس مطران أخميم وساقلته وتوابعهما، والأنبا يوأنس مطران تيجراي وتوابعها بإثيوبيا، والأنبا لوكاس مطران أروسي وتوابعها بإثيوبيا، والأنبا بطرس مطران جوندار وتوابعها بإثيوبيا، والأنبا دوماديوس أسقف الجيزة وتوابعها، والأنبا غريغوريوس أسقف عام للدراسات اللاهوتية العليا والثقافة القبطية والبحث العلمي والأنبا بولس أسقف حلوان وتوابعها. وركز كثيرًا على هذه الزيارة قداسة المتنيح الأنبا شنودة الثالث، في كثير من عظاته ولقاءاته مع عائلة عبد النور، وكذلك في كلمته أثناء صلوات الجنازة على أمين فخري عبد النور ركز البابا تواضروس الثاني على دور أمين فخري الوطني والكنسي أيضًا، وأهمية هذه الزيارة في جلب رفات قديس له أهمية كبيرة للكنيسة القبطية؛ حيث يعد أول من بشر بالمسيحية في مصر، وكرسي الإسكندرية يحمل اسم كرسي مارمرقص. وتحولت صلوات الجنازة لملحمة وطنية كبيرة، وشارك بها أطياف المجتمع المختلفة حتى المختلفين معًا، ما بين ممثلي حزب الوفد العريق الذي تربى فيه الراحل وأحزاب اليسار والأحزاب الليبرالية المختلفة، كما حضر عدد من المنتمين للتيارات الإسلامية، وكبار الكتاب والصحفيين والفنانين، وجموع الشعب، ليتحول وداع القطب الوفدي إلى ملحمة وطنية داخل الكنيسة في حدث سيتذكره التاريخ كثيرًا، في ظل تناقص العائلات القبطية التي تعزز من مشاركة الأقباط سياسيًّا، ومنها عائلة بطرس غالي، ومكرم عبيد. ولا شك أن رحيل عبد النور، يوم الجمعة 21 ديسمبر الجاري، كان خسارة حقيقية باعتباره واحدًا من رموز العمل الوطني، والذي ظل شاهدًا على مصر فترة ازدهار الوحدة الوطنية ضد الاستعمار.