سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
توافق "روسي - صيني" لمواجهة الضغوط الأمريكية.. بكين توقع اتفاقية تعاون مع شركة "STM" لتخفيف حدة خسائر "هواوي".. و108.2 مليار دولار حجم التبادل التجاري بين البلدين في 2018
تواصل الصين سياساتها السلمية فى مواجهة الضغوط الأمريكية فى تطوير قدراتها فى مجال الذكاء الاصطناعى والتعلم الآلى والعمليات فى الفضاء. وعلى الرغم الضغوط التى مارستها الإدارة الأمريكية عليها فى الآونة الأخيرة، جاءت أخيرها فى فرض عقوبات على شركة «هواوي»، ومنعها من بيع التكنولوجيا إلى الولاياتالمتحدة، ومنع الشركات المحلية من توريد أشباه الموصلات إلى بكين، إلا أن الرئيس الصينى «شى جين بينج» أوضح أن العلاقات التجارية بين الصينوالولاياتالمتحدة قوية جدًا، واصفًا الرئيس «دونالد ترامب» بكونه صديقه، وذلك فى منتدى بطرسبورج الاقتصادى يومى 6 و7 يونيو 2019. كما نفت بكين الاتهامات الموجه إليها بشأن استخدامها لبعض الشركات التكنولوجية الخاصة بنقل المعلومات للتجسس على الولاياتالمتحدة، والقوى الغربية. فى المقابل استطاعت الصين إدارة هذه الأزمة بكفاءة وفعالية من خلال توقيع اتفاقية تعاون مع شركة الاتصالات الروسية «STM» بهدف تطوير شبكة الجيل الخامس «G5» لتخفيف حدة الخسارة التى ستعانى منها شركة «هواوي» فى الآونة الأخيرة نتيجة العقوبات الغربية عليها. بجانب ردع محاولات واشنطن لعزل الشركة دوليًا، ما أوضحه الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» ونظيره الصينى «شى جين بينج» فى سان بطرسبرج. نمط التقارب أكد «شى جين» على تطور العلاقات الصينية الروسية بقوة، كما أنها تعيش حاليًا طفرتها، كما أن العلاقات الثنائية بين البلدين تتميز بروابطها التاريخية، وشراكاتها الاستراتيجية، فضلًا عن تعاونهم الدبلوماسى، وتوافقهم حول عدد من الملفات المثارة على الساحة الدولية، علاوة على تقاربهما فى عملية صنع واتخاذ القرار داخل المنظمات الدولية والإقليمية، وذلك إبان زياراته لموسكو لحضور «منتدى سان بطرسبرج الاقتصادى الدولي» تجسد ذلك فى توقيع الرئيس الروسى ونظيره الصينى عددًا من الاتفاقيات حول التعاون فى العديد من القطاعات، وفقا لما ذكرته وكالات الأنباء الروسية الرائدة. من الواضح أن موسكووبكين ستواصلان العمل على تعزيز علاقاتهما متبادلة المنفعة. وفى هذا السياق؛ تعد الصين فى الوقت الحاضر الشريك التجارى الرئيسى لروسيا. ففى عام 2018، بلغ حجم التبادل التجارى بين الجانبين أكثر من 108.2 مليار دولار، بزيادة قدرها 24.51 ٪ مقارنة بعام 2017. لا يمكن لجهود الحكومتين الوطنيتين وحدهما أن تفسر تطور هذا الاتجاه الديناميكى وحده؛ حيث تُظهر روسياوالصين اليوم أمثلة رائعة للتعاون متعدد الجوانب على المستوى الإقليمى. كما تعد الصين شريكًا استراتيجيًا مهمًا لروسيا فى مجالات الهندسة، والأجهزة، والإلكترونيات، والإنتاج الكيميائى. فيما شاركت الصين فى مناورات عسكرية روسية على حدودها الشرقية فى سبتمبر 2018، ما يمثل نقطة تحول فى تاريخ المنافسين العدائيين لعصر الحرب الباردة. دوافع التوجه الصينى تتقارب كل من روسياوالصين فى علاقاتهما وفقًا لعدد من المحددات البرجماتية فكلاهما يدرك جيدًا مدى إمكانية الاستفادة من الآخر فى سياق مصالحهم الوطنية؛ حيث تبدو روسيا واقعية حول النفوذ الاقتصادى الصينى المتنامى فى آسيا بشكل عام وفى منطقة آسيا الوسطى تحديًدا التى تمثل العمق الاستراتيجى لموسكو، ومجالها الحيوى، وذلك بفضل الاستثمارات الصينية الضخمة فى البنية التحتية فى إطار مبادرة الحزام والطريق. علاوة على ذلك، فإن التعاون الصينى سيثبت أنه مهم لخطط روسيا التفصيلية لاستغلال طريق البحر الشمالى على طول القطب الشمالى كمركز بديل للنقل. وفيما يتعلق بالعقوبات فقد استطاعت موسكو بفضل حلفائها فى التحايل عليها، وأثبت عدم فعاليتها فى عزلها. لذا تسعى موسكو للتخلص من حالة العزلة التى تحاول الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة فرضها عليها منذ أن بدأ الخلاف مع روسيا نتيجة ضمها لشبه جزيرة القرم فى عام 2014، واستمرار المواجهة فى شرق أوكرانيا. تنبع التوترات الروسية مع الولاياتالمتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبى أيضًا من معارضتها لخط أنابيب الغاز Nord Stream 2 الذى يبلغ طوله 1200 كيلومتر من روسيا إلى ألمانيا. ويرجع ذلك لأن واشنطن تهدف إلى استمرار تدفق صادرات الغاز الطبيعى المسال إلى أوروبا بشكل جزئى، بما فى ذلك إحباط طموح موسكو للسيطرة على سوق الطاقة فى المنطقة، فضلًا عن الاتهامات الموجهة إلى الرئيس «ترامب» بشأن التدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية، وفتح تحقيق فى هذا الشأن برئاسة المستشار الخاص «روبرت مولر». الأمر الذى انعكس على توجهات الإدارة الأمريكية بشكل سلبى تجاه موسكو والتعاون معها. تناقضات التقارب لا يمكن فهم التقارب الروسى الصينى على إنه تحالف استراتيجي يمكن أن يسهم فى تغير نمط التفاعلات الدولية، وتحول بنية النظام العالمى دون التطرق إلى تاريخ العلاقات بينهم الذى شهد تحولات جيواستراتيجية نتيجة المتغيرات المتلاحقة على الصعيد الإقليمى والدولى. بالرغم من التقارب الأخير نتيجة توافق مصالحهم إلا أن هناك عداوة قديمة بينهم تتمثل بشكل جلى فى المظالم التاريخية العالقة بينهم، والاختلال الديموجرافى الكبير، علاوة عدم اتساق القوة المتزايد الذى يؤدى إلى تفاقم انعدام الأمن فى روسيا. فمع انخفاض قوة روسيا على الصعيد الديموجرافى والاقتصادى مقابل تنامى قوتها العسكرية والدفاعية، يفترض أن روسيا تشعر بالمرارة والاستياء من القدرات الاقتصادية والسياسية والعسكرية المتنامية للصين، ووجودها المتزايد فى المناطق التى لا تزال موسكو تتطلع إليها باعتبارها مجال نفوذها الحصرى. علاوة على المكانة الفائقة والتفاوت الكبير فى القوة سيؤدى فى النهاية إلى تفكيكهما. وبالتالى يُفترض على نطاق واسع أن التقارب الأخير فى العلاقات بين القوتين، بشكل واضح خاصة منذ عام 2014 على أنه توافق للمصالح لمواجهة القوى المنافسة. ومن المؤكد أن الصينوروسيا تتطلعان سويًا فى نفس الاتجاه نحو أوراسيا؛ حيث تدرك كلتا القوتين الوجود الغربى على جانبى منطقة أوراسيا بجانب التحالفات مع الإدارة الأمريكية فى إطار منظمة حلف شمال الأطلسى والقوة المعيارية للاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى تمركز النفوذ الصينى فى شرق آسيا للصين، الأمر الذى يمثل لروسيا-تهديد لاحتوائها وتقويضها فى نهاية المطاف. لذا فقد أطلقت كلتاهما مبادرات طموحة لتعزيز نفوذها فى المنطقة، مثل الاتحاد الاقتصادى الأوروبى الآسيوى والشراكة الأوراسية الكبرى لروسيا والحزام الاقتصادى لطريق الحرير -المكون الأرضى لمبادرة الحزام والطريق. - للصين. ويرجع ذلك نتيجة اشتراكهما لنفس المخاوف المماثلة المتعلقة بشأن الاستقرار السياسى والأمن فى أوراسيا، والأهداف الشاملة المماثلة فيما يتعلق بالشكل الذى ينبغى أن يبدو عليه النظام الإقليمى فى المستقبل. فى المقابل تدرك بكين الطموحات التوسعية لموسكو على الصعيد الإقليمى والدولى ورغبتها فى استعادة مكانتها الدولية، ومخاوفها بشأن النوايا الاستراتيجية للصين، وعدم ارتياحها لخلل توازن القوى المتزايد. وفى الوقت نفسه، ترى بكين أن تفوقها الإقليمى لا يمكن أن يتحقق إذا كانت روسيا تستعد وتقف فى طريقها. وعليه فمن المتوقع أن نشهد فى الفترات المقبلة مزيدًا من التعاون والتنسيق المشترك النابع عن توافق المصالح، ومواجهة القوى الغربية المنافسة لهم.