القضاء الإداري: تأييد إدراج 6 مرشحين لانتخابات الشيوخ.. وترك الخصومة في طعنين    دموع حزبية على صندوق الانتخابات    وزير الري الأسبق: التعنت الإثيوبي بعد إنشاء سد النهضة جاء نتيجة التمويل الأمريكي    المناهج والحصص والمواد المضافة للمجموع.. قرارات عاجلة من التعليم بشأن العام الجديد    سعر الذهب المعلن بموقع البورصة المصرية 15 يوليو 2025    للبيع بالمزاد العلني.. طرح أراضٍ سكنية غرب طريق الأوتوستراد -تفاصيل    بعد موافقة برلمان العصابة …مراكز حقوقية تحذر السيسي من التصديق على تعديلات قانون الإيجار القديم    رئيس الوزراء يتابع إجراءات تنفيذ الخطة الاستراتيجية لتحلية مياه البحر    إيران تعلن استعدادها لاستئناف المحادثات النووية مع واشنطن "على أساس الاحترام المتبادل"    السوداني: القضاء العراقي مستقل ولا يخضع لتهديد    أحمد شريف : الانتقال للزمالك كان حلماً من أحلامي منذ الصغر    «طلباته مجابة».. مصطفى يونس يكشف عن سر انتقاده إدارة الأهلي (خاص)    رسميًا.. مودرن سبورت يضم محمود ممدوح هداف حرس الحدود    كوارث الانقلاب… حريق بمستشفى قنا وانهيار بلكونة منزل بالغربية وحوادث بالإقليمى وشبين القناطر ومشاجرة بكلية التكنولوجيا بالفيوم    عاجل- ارتفاع درجات الحرارة غدًا وأمطار رعدية متوقعة على بعض مناطق جنوب مصر    سماع دوي انفجار داخل محطة وقود برمسيس.. ومصدر يكشف التفاصيل    خمسيني ينهي حياة والدته بعد أن فصل رأسها عن جسدها في قنا    مصدر بالثقافة يعلق على جدل تشكيل لجنة المجلس الأعلى    أبرزهم أمير كرارة وهنا الزاهد.. نجوم الفن يتوافدون على العرض الخاص لفيلم الشاطر    المركز القومي للسينما يعلن بدء التسجيل في ورشة التراث في السينما المصرية الروائية    "حصان وبحر وشلال".. رنا رئيس تستمتع بإجازة الصيف أمام أحد الشواطئ    ب«الحجاب».. ياسمين عبدالعزيز تشارك كواليس زيارتها لمسجد الشيخ زايد الكبير (فيديو)    في ذروة الرواية العربية.. جلال برجس وناصر عراق يفتحان نوافذ المستقبل من مكتبة الإسكندرية    الشيخ خالد الجندي: وصف وجه النبي صلى الله عليه وسلم    هل يصل ثواب ختم القرآن كاملًا للمتوفى؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم اتفاق الزوجين على تأخير الإنجاب؟.. أمين الفتوى يفجر مفاجأة    أمين الفتوى: تنظيم النسل جائز وهذه الوسائل حرام شرعًا (فيديو)    محافظ الجيزة: "100 يوم صحة" تستهدف إيصال الخدمات الصحية لكافة المواطنين    متحدث الصحة يكشف تفاصيل مبادرة "100 يوم صحة".. ماذا تقدم؟    هل القيء الصباحي علامة على جرثومة المعدة؟    بيت الزكاة والصدقات يقدم الدعم ل 5000 طفل بقرى محافظة الشرقية    زيلينسكي خلال الاحتفال بيوم الدولة: أوكرانيا باقية    انفوجراف | شروط ومستندات التقديم للتدريب الصيفي بالبنك المركزي المصري    120 مليون سنويا.. خالد الغندور يكشف انتقال حمدي فتحي إلى بيراميدز    مستشفى سوهاج العام تحصل على المركز الثانى فى إجراء جراحات العظام    سعر ومواصفات MG ZS الفيس لفت الجديدة فى السوق المصرى    لليوم الثالث.. انتظام أعمال تصحيح الشهادة الثانوية الأزهرية بالقليوبية    إنطلاق فعاليات حملة "100 يوم صحة" بميدان الثقافة في سوهاج    نتيجة الامتحان الإلكتروني لمسابقة معلم مساعد دراسات اجتماعية.. الرابط الرسمي    رئيس الطائفة الإنجيلية: الموقف المصري من نهر النيل يعكس حكمة القيادة السياسية وإدراكها لطبيعة القضية الوجودية    برينتفورد يضم جوردان هندرسون في صفقة انتقال حر لمدة عامين    اليوم نظر محاكمة عامل متهم بقتل زوجته فى الطالبية    زوجة تلاحق زوجها بدعوى حبس بعد طلبه تخفيض نفقات طفلتها    كل ما تريد معرفته عن كأس العالم للأندية 2029    برج السرطان.. حظك اليوم الثلاثاء 15 يوليو: احذر    إلهام شاهين عن صورة لها بالذكاء الاصطناعي: زمن الرقى والشياكة والأنوثة    "الأونروا": ارتفاع معدلات سوء التغذية في قطاع غزة    بحافلة متعطلة.. إسرائيل تلجئ نازحا من طولكرم إلى مأوى من حديد    جيش الاحتلال: اعتراض مسيرة أطلقت من اليمن دون تفعيل صفارات الإنذار    وزارة العمل: 3 فرص عمل في لبنان بمجالات الزراعة    نيسان تعتزم إغلاق مصنعها الرئيسي في أوباما بحلول مارس 2028 لخفض التكاليف    الصحة: بدء تدريب العاملين المدنيين بوزارة الداخلية على استخدام أجهزة إزالة الرجفان القلبي (AED)    ثنائي بيراميدز ينضم إلى معسكر الفريق في تركيا    محمد حمدي: هذه أسباب عدم نجاحي مع الزمالك    محامي المُعتدى عليه بواقعة شهاب سائق التوك توك: الطفل اعترف بالواقعة وهدفنا الردع وتقويم سلوكه    الحكم محمد الحنفي يعلن اعتزاله    تعرّف على عقوبة إصدار شهادة تصديق إلكتروني دون ترخيص وفقًا للقانون    مشاركة الرئيس السيسي في قمة الاتحاد الأفريقي بمالابو تؤكد دعم مصر لأمن واستقرار القارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"طه حسين".. رائد التنوير والعدل المعرفي
نشر في البوابة يوم 30 - 01 - 2014

"طه حسين"، خالد ومتجدد كما النيل، وأعماله كالآثار المصرية القديمة تزداد قيمة كلما مرّ عليها وقت، وما زالت في حاجة إلى من يكتشف المزيد منها، صنع العظيم أسطورته الشخصية بما يملكه من فكر صدّره إلى العالم وكان سببا في الهجوم عليه، لكنه كان يعرف حقيقة وجوده وجوهر رسالته التي لا بدّ أن تصل إلى الجميع في جميع أقطار الأرض، بينما تحتفظ بهويتها المصرية، وذلك في آن واحد.
" طه حسين رائد التنوير"، هذا هو عنوان الندوة التي أقيمت في القاعة الرئيسية في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخامسة والأربعين، أمس الأربعاء، وتحدث فيها ثلاثة عمالقة، هم: الدكتور سيد ياسين، الدكتور جابر عصفور، وتلميذ طه حسين الدكتور عبد المنعم تليمة.
خاطب الدكتور عبد المنعم تليمة الحضور بما كان يخاطب به الراحل العظيم جمهوره: آنساتي، سيداتي وسادتي، صمت "ياسين" وساد القاعة هدوء الإنصات وانطلق صوته من جديد: إن طه حسين لا يكذب، وكان حسنا صادقا مع أهله، وإذا أردنا أن نلتمس بيانا للنهضة نلتمسه عند جملة واسعة من رواد تركوا خوالد من إبداعات ودعاوى أن طه حسين حين صاغ بيان النهضة بموهبة فريدة وتنزيل من التنزيل، ويضيف تليمة: "كان البيان النهضوي والتنويري ساطعا لديه في الإبداعات الأدبية، بينما منهجه القويم المستقيم امتد ليكون منهجا لتراثنا الفكري والحضاري، وهو من سعى إلى وضع مصر في قلب العالم عبر بدايات مبكرة وممتدة وخالدة، وكأنه ليس أديبا ولا ناقدا، وإنما كان يضرب في كل حاجات النهضة ليلبّي غاياتها، وطه حسين - رائدا للتنوير - يمكن الحديث عنه من خلال نهرين: المنهج النقدي والتقويمي، حيث كان هناك منهج محمد عبده في تأسيس علم الكلام الحديث، وكان المنهج القديم يثبت الدين، أما علم جديد الكلام فيناقش المتغيرات الثقافية والاجتماعية، ولم يكن طه حسين يعمل العقل في الأمور الشرعية ولكن في الأمور الحضارية والإبداعية والفلسفية.
بينما ينظر الدكتور سيد ياسين إلى من يجلس إلى جواره قبل أن يقول: أحسست أن مهمة الحديث في الندوة ليست هينة، ذلك لأنني أجلس إلى جانب الدكتور عبد المنعم تليمة وهو تلميذ مباشر لطه حسين، والدكتور جابر عصفور، الذي كتب حول المرايا المتجاورة لطه حسين، وعلاقتي بطه حسين بدأت منذ كنت طالبا في الثانوية من خلال تقليد المسابقات الذي يضاف إلى المجموع الكلي، ودخلت في مسابقة اللغة العربية وكنا ندرس ديوان حافظ إبراهيم، و"مصرع كيلوباترا"، و"المتنبي" لطه حسين، وعميد الأدب العربي أدخلني إلى عالم المتنبي، فتنت بعالم طه حسين وقرأت كل ما كتبه وأتاحت لي الظروف حضور مؤتمر في كلية الاقتصاد حول السياسة المصرية، وألقيت المحاضرة الختامية حول إشكاليات الثقافة وووضعت إطارا يتحدث في أربعة أمور: استيراد الثقافة، التحولات في الثقافة السياسية المصرية أسبابها وتداعيتها وتجلياتها، سلفية الثقافة السياسية وتجديد الثقافة المصرية، أما في موضوع التحولات فقد قمت بدراسة حالة تحولات المثقفين الليبراليين، وهي مسألة تحتاج إلى تأمل، اطلعت على كتاب عبد الرشيد صادق محمود الذي جمع كتابات طه حسين الفرنسية، ووجدت نصا نادرا لطه حسين يقوم فيه بدور الناقد الثقافي، وهو في الواقع لعب هذا الدور في وقت مبكر للغاية، وفي سنة 1950 ألقى طه حسين محاضرة في اليونسكو حول الكاتب المعاصر، وتحدث عن دور المثقف في المجتمع، وهي الإشكالية التي ناقشها عبد الله العربي وإدوار سعيد، وقدم تحليلا لتحولات الكتاب الليبراليين، والنص الذي كتبه طه حسين حول الاتجاهات الدينية في الأدب المصري يبرر لماذا تحول مع العقاد وهيكل إلى الكتابات الإسلامية، لقد كان يتعقب الحركة التي بدأها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده للخروج بالفكر الإسلامي من الجمود، وتحدث عن تحرير المرأة المسلمة، فخرج كتاب علي عبد الرازق، وكتابه "في الشعر الجاهلي" الذي أثار الضجة، ويقول بالرغم من الضجة التي أثيرت حول الكتابين إلا أنه توقع انتصار حركة التفكير في العالم الإسلامي لا في مواجهة الرأي العام ولكن في مواجهة السلطة، ويشير طه حسين إلى أن تحول الكتاب الليبراليين إلى الكتابة الإسلامية احتجاجا على التعصب، وما إن حصل أنصار الحداثة على حقهم حتى توقفوا وأعادوا النظر في التاريخ القديم للإسلام، وطبق طه حسين وهيكل منهج جمال الدين ومحمد عبده للتوفيق بين العقيدة والحضارة المعاصرة، حيث قدم عميد الأدب العربي تفسيرا ثقافيا، وهناك تفسير آخر قدمه مؤرخ أمريكي هو "سميث" عن سبب تحول هيكل إلى الكتابة الإسلامية، وهو ظهور جماعة الإخوان المسلمين، ما حرّض هيكل على اجتذاب الجماهير التي انسحبت من الميادين.
ومشكلة التحولات في الثقافة المصرية عادت في السبعينيات، ومنها تحول الماركسيين إلى مفكرين إسلاميين - أبرزهم عادل حسين - بينما كانت الثقافة المصرية تمر بأزمة عميقة تكشف عنها هذه التحولات.
يشكر الدكتور عبد المنعم تليمة الدكتور سيد ياسين، ويضيف أنه وقف عند محورين جليلين في تراث الرائد الخالد الدكتور طه حسين: الأول هو تحول الليبراليين المصريين إلى الكتابة في التراث - وخاصة التراث الإسلامي - والثاني هو الجانب العقلي، ويشرح تليمة: "رواد النهضة العربية في مصر رأوا أمرا جديدا في فرنسا، رأى الدكتور محمد حسين هيكل أن مفكرا وفيلسوفا فرنسيا كتب حياة المسيح فأهدى لأول مرة للمسيحيين مسيحهم في صورة عقلية فريدة بعيدة عن الروايات الشعبية المحافظة، وتمنّى هيكل أن يحول هذه التجربة مع رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعندما عاد أخذته هموم الحياة، وكان طه حسين قد سبقه إلى الأمر وخرج ب "على هامش السيرة" الذي لم يشهد تاريخنا سيرة للنبي صلى الله عليه وسلم على أسس عقلية متوازنة مثله، فأهدى للمسلمين رسولهم في صورة بشرية عقلانية متخلصة من هوى القبائل القديمة وقشور المؤرخين الأوائل، وأخرج هيكل بعدها "حياة محمد"، وتوفيق الحكيم مسرحية "محمود"، إضافة إلى عبقريات العقاد، أما طه حسين فأكمل الشوط إلى منتهاه من خلال سلسلة من الكتب تضع التاريخ الإسلامي بمعالجة عقلية منهجية عصرية، والدكتور السيد ياسين مسّ هذا الأمر، بينما عمل منهج طه حسين الذي مده إلى الفكر والحضارة، فقد كان أوسع تطبيقا في مجال الإبداعية العربية وفي مجال الأدب تحديداً.
ويعترف الدكتور جابر عصفور بأن أحب الأشياء إلى قلبه هو الحديث عن طه حسين، ويضيف: "تأسس فكر عميد الأدب العربي على العقلانية والحرية والنزعة الإنسانية والعدل والنظرة المستقبلية"، ويفصّل "عصفور" الخمسة أمور: "العقلانية تعني الاحتكام إلى العقل وجعله أساس الحكم على الأشياء، وهو ما اعتمده المعتزلة في فكرهم، فشاع في الحضارة الإسلامية قبل أن يستعين عليهم أهل السنة بالمتوكل ويسود الفكر السلفي، والعقلانية عند طه حسين لها مصدر إسلامي، وهذا التراث الإسلامي جعل المعتزلة يذهبون إلى مذهب الشك، لا سبيل إلى يقين ما إلا بعد الشك، وهذا الجزء التراثي كان عند طه حسين، وأضاف إليه الميراث الفلسفي الأوروبي ثم عاد إلى مصر، وأول ضجة حدثت من استخدامه لهذا العقل من خلال مصادره الإسلامية والغربية، وكان من الطبيعي أن يصطدم بالمسلّمات ويشك فيها، وهكذا بدأ حاله بأول ثمرة إيجابية هي الشك وأول ما بدأ الشك فيه هو العصر العباسي، ثم انتقل خطوة إلى شعراء الغزل، وكان الشك يؤدي به إلى أن الكثير من شعرهم غير أصيل، وأن العرب اخترعوا حول مجنون ليلى الكثير من الحكايات التي لا أصل لها، ثمّ انتقل بعد هذا إلى الشعر الجاهلي وانفجرت الدنيا وقامت القيامة وأصر على ما قال، وبعد أن هاجت الدنيا وسحب الكتاب من الأسواق وتقدم شيخ الأزهر والنواب باستجواب لوزير المعارف، ذهب إلى النائب العام المستشار محمد نور، الذي أوقف التحقيق وحصل على البراءة، وهكذا سببت العقلانية الصدام الأول، والثاني حدث في الثلاثينيات عندما تأسست جماعة الإخوان المسلمين وتمّ فرض فكرها بمساعدة الاحتلال الإنجليزي والقصر والملك، وكان لا بد من أن تنظر الجماعة المتطرفة إلى طه حسين على أنه كافر ومنحرف، وفي كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" ذهب حسن البنا - مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية المحظورة - إلى جمعية الشبان المسلمين وألقى محاضرة هاجم فيها طه حسين، ونتيجة الهجوم وشعبية الإخوان انتهى طه حسين والمثقفون إلى أنهم أمام جهالة دينية ونقد يؤذي العقيدة الإسلامية، والعقل هو الأساس في الأشياء، فماذا يفعل طه حسين مع الجهالة الدينية، حاربهم بالعقل ولجأ إلى التاريخ الإسلامي وصياغة السيرة صياغة عقلانية، وقدّم للمسلمين سيرة نبوية لا تجافي العقل ولا تصطدم به، وبسبب المد الديني والجهالة الإسلامية والاعتماد على احتكار العقل، كان لا بد أن يثبت طه حسين أن الإسلام يعتمد على مبادئ عقلية عاصرها في الفكر الإسلامي، ومن هنا جاء كلامه عن "عمر بن الخطاب" والفتنة الكبرى، والنتيجة التي انتهى إليها هي النتيجة التي انتهى إليها العقاد وهيكل.
ويقول الدكتور جابر عصفور: "لا أؤمن بهذه التفسيرات التي يردّدها الدكتور لويس عوض الخاصة بنكسة تراجع الكتاب عن مواقفهم بكتب إسلامية لتقديم رشوة إلى التيارات الإسلامية، بينما العكس هو الصحيح، فالعقاد نشر أن التفكير فريضة إسلامية، أما المبدأ الثاني فهو أن العقلانية لا تكتمل إلا بالحرية، لكي تعمل العقل في كل المجالات، والحرية هي اللازمة المباشرة للعقلانية، وتعني معنى سياسيّاً وهو الديمقراطية، وطه حسين الكاتب السياسي غير معروف، لأن كتاباته السياسية لم يتمّ جمعها".
وقد أصدرت دار الكتب مجموعة من مقالات طه حسين في التعليم والسياسة، وهي التي أبرزت أنه كان من أشد المهاجمين لحزب الوفد، وتحدث عن ديكتاتورية الأغلبية، وفي فتنة الشعر الجاهلي وقف سعد زغلول موقفا مناقضا لطه حسين، وكان طه وهيكل يتحدثان عن ديكتاتورية الأغلبية بوصفهما ينتميان إلى حزب الأحرار الدستوريين، بينما الحرية في مجال البحث العلمي تعني أن يكون الباحث حرّاً، وهو ما جعله يصدر "الأدب الجاهلي"، وقال: إذا تدخلت الدولة في حرية المؤرخين والباحثين فأولى لهم أن يبيعوا الفجل والكرّاث، والباحث يجب أن يكون حرّاً ولا يعبأ بسلطة رجال السياسة أو رجال الدين.
المبدأ الثالث هو العدل عند طه حسين، عدلان: معرفي بمعنى أنه ليس من المعقول أن تنفرد أقلية بثورة المجتمع، ومن ثم انحاز إلى المعذبين في الأرض وكتب روايته الشهيرة التي تحمل ذات الاسم، والناحية الثانية هي أن العدل لا يكتمل إلا بالمعرفة، والمعرفة يجب أن تكون للجميع ولا تحتكرها فئة بعينها، وكان من الطبيعي - حين أصبح وزيرا للمعارف - أن ينادي بتطبيق مبدأ أن التعليم كالماء والهواء وحق لكل مواطن، ويعلن مجانية التعليم ويظل التعليم مجانيا حتى هذه اللحظة.
ويشير الدكتور جابر عصفور إلى أن الدستور الذي كتب هذا العام وحصل على أعلى نسبة أصوات، بعض الذين صاغوه تأثروا بطه حسين في مفهومه عن العدل المعرفي، فهو بقدر ما يحمي الحريات يتحدث عن العدل المعرفي وهو تحقيق الحلم القديم لطه حسين، بينما الفكر التقليدي السلفي قائم على فكرة العلم المضنون به على غير أهله، ومفاد هذا أن هناك أقلية نعطيها ما تريد وأغلبية منبوذة، وفكرة طه حسين تنسفها وتجعل التعليم متاحا للجميع.
أما عن النزعة الإنسانية فيقول طه حسين: "أنا مصري وعربي ولكنني أنتمي إلى الإنسانية، وأيّة جريمة ترتكب هي جريمة ضده، والنزعة الإنسانية تسبق الميثاق العالمي لحقوق الإنسان"، ويقول عميد الأدب العربي أيضا: "ليس مهما أن تكون مسيحيا أو يهوديا أو مسلما حتى تقرأ الكتب المقدسة وتتأثر بها، لأن كل الكتب المقدسة هي تراث إنساني وهداية للإنسانية"، ولهذا السبب لم يكن الملك فاروق غبيا، وأرسل طه حسين ليكون أول مصري يحضر في تأسيس اليونسكو، وألقى في هذه المؤسسة الكلمة الخالدة التي كتب رشيدي المحمودي ترجمتها.
والنظرة المستقبلية لدى طه حسين: "نحن قوم ننتمي دائما إلى الماضي ونفكر في المستقبل كأنه الماضي، وكان لا بد من تأمل المستقبل وعدم قياسه على أحداث الماضي لخلق الآتي والتقدم إلى الأمام"، وفي المناصب التي شغلها كان يفكر في المستقبل واهتدى إلى فكرة أن تكون لمصر مراكز ثقافية في كل أنحاء العالم، كما انتبه إلى أهمية العلاقات العربية، وافتتح المركز الثقافي المصري في الرباط، وكان يريد أن يؤسس مراكز ثقافية لمصر في كل أنحاء العالم، ولكن يبدو أن بعض أفكار طه حسين لا يجرؤ أحد على التصريح بها، وهو القائل: "لا أمل في ثقافة مزدوجة، لا بد أن يتّحد التعليم المدني والديني ويكون مدنيا فقط، حتى لو احتوى على علوم دينية"، وهنا هاج عليه الأزهر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.