النائب العام يوقع مع نظيره الروسى مذكرات تعاون في مجال مكافحة جرائم الإرهاب والتطرف وغسل الأموال    مدرب رومانيا: الجيل الحالي من المنتخب لا حدود له    أخبار الأهلي : أول رد من الأهلي على المفاوضات مع نجم الرجاء المغربي    رجال الشرطة يوزعون الزهور والهدايا على المواطنين بالمحافظات إحتفالا بعيد الأضحى "فيديو"    التخطيط : 31.2 مليار جنيه قيمة الاستثمارات الموجهة لبورسعيد خلال 2023/24    شروط القبول في برنامج البكالوريوس نظام الساعات المعتمدة بإدارة الأعمال جامعة الإسكندرية    الرئيس الروسي يعفي ثلاثة نواب لوزير الدفاع من مناصبهم    مرض العصر.. فنانون رحلوا بسبب السرطان آخرهم الموزع الموسيقي عمرو عبدالعزيز    "تضامن الدقهلية" تواصل توزيع اللحوم على الأسر الأولى بالرعاية    حقق حلمه.. إشبيلية يعلن رحيل سيرجيو راموس رسميًا    الفلبين: الصين تنفذ مناورات بحرية خطيرة أضرت بمراكبنا    تفاصيل جديدة حول الطيار المصري المتوفى خلال رحلة من القاهرة إلى الطائف    أسقف السويس يهنئ قيادات المحافظة بعيد الأضحى المبارك    في اول تعليق له على شائعة وفاته .. الفنان حمدي حافظ : أنا بخير    إطلاق مبادرة «الأب القدوة» في المنوفية.. اعرف الشروط    تفاصيل إنقاذ طفل اُحتجز بمصعد في عقار بالقاهرة    مصر تحصد المركز الخامس عربيا في تصدير البطيخ    وزيرة التضامن تتابع موقف تسليم وحدات سكنية    في ذكري وفاته.. الشيخ الشعراوي إمام الدعاة ومجدد الفكر الإسلامي    حماس: إقدام الاحتلال على إحراق مبنى المغادرة بمعبر رفح عمل إجرامى فى إطار حرب الإبادة    سميرة عبد العزيز تكشف مفاجأة عن سبب تسميتها «فاطمة رشدي الجديدة»    تعرف أفضل وقت لذبح الأضحية    دعاء يوم القر.. «اللهم اغفر لي ذنبي كله»    ارتفاع حالات البكتيريا آكلة اللحم في اليابان    رئيس وزراء الهند يهنئ السيسي بعيد الأضحى    هيئة نظافة القاهرة ترفع 12 ألف طن مخلفات في أول أيام عيد الأضحى    بالترددات وطرق الاستقبال .. 3 قنوات مفتوحة تنقل مباراة فرنسا والنمسا في يورو 2024    وزارة المالية: تخفيف الأعباء الضريبية عن العاملين بالدولة والقطاع الخاص    حصول مركز تنمية قدرات جامعة أسيوط على رخصة تدريب معتمد من الأعلى للجامعات    عاجل.. تطورات مفاوضات الأهلي لحسم بديل علي معلول    بالصور.. شواطئ بورسعيد كاملة العدد ثاني أيام العيد    محمود الليثي ينهار من البكاء في أول تعليق له بعد وفاة والدته    الكرملين: تصريحات الناتو بشأن نشر أسلحة نووية تصعيد خطير    حمامات السباحة مقصد الأطفال هرباً من درجات الحرارة في كفر الشيخ    بعد إعلان رغبته في الرحيل.. نابولي يحسم مصير كفاراتسخيليا    ثاني أيام عيد الأضحى 2024.. طريقة عمل كباب الحلة بالصوص    مدير صحة شمال سيناء يتابع الخدمات الطبية المجانية المقدمة للمواطنين    إسرائيل تقرر زيادة عدد المستوطنات بالضفة الغربية بعد اعتراف بلدان بدولة فلسطين    الإسكان: تنفيذ 1384 مشروعاً بمبادرة «حياة كريمة» في 3 محافظات بالصعيد    26 عامًا على رحيل إمام الدعاة.. محطات فى حياة الشيخ الشعراوي    القبض على شخص بحوزته أقراص مخدرة بالخصوص    الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر.. الأنواع والشروط    التحقيق مع حلاق لاتهامه بالتحرش بطفلة داخل عقار في الوراق    كيفية تنظيف الممبار في المنزل بسرعة وبطريقة فعالة؟    وزيرة الهجرة تطلق «بودكاست» لتعريف المصريين بالخارج تاريخ حضارتهم    سعر الريال السعودي في بداية تعاملات ثاني أيام عيد الأضحى    روسيا: لن نسمح بإعادة آلية فرض قيود على كوريا الشمالية في مجلس الأمن    30 مليون مستفيد من خدمات التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    «لست محايدًا».. حسام فياض يكشف صعوبات مسرحية النقطة العميا    أسعار العملات العربية في بداية تعاملات ثاني أيام عيد الأضحى    وفاة خامس حجاج الفيوم أثناء طواف الإفاضة    مصرع طفل صعقا بالكهرباء خلال شرب المياه من كولدير في الفيوم    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    مانشستر سيتي يحدد سعر بيع كانسيلو إلى برشلونة في الميركاتو الصيفي    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب جنوب البيرو    حكم الشرع في زيارة المقابر يوم العيد.. دار الإفتاء تجيب    مصطفى بكري يكشف سبب تشكيل مصطفى مدبولي للحكومة الجديدة    في ثاني أيام العيد.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الإثنين 17 يونيو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تراجع جيل طه حسين؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 02 - 2014

ذهب لويس عوض إلى أن حكومة الوفد بقيادة النحاس باشا تراجعت عن بعض ثوريتها القديمة، عندما قامت بالتوقيع على معاهدة 1936 مع بريطانيا العظمى فى ذلك الوقت،
كى تنال استقلالا شكليا، حاولت التغطية على قصوره بإطلاق اسم معاهدة الشرف والاستقلال على المعاهدة التى منحت مصر حق التمثيل الكامل فى المنظمات والمحافل الدولية. مع بقاء قوات الاحتلال البريطانى على التراب الوطنى الذى لم ترحل عنه إلا عام 1954، بعد قيام ثورة يوليو 1952، وما فرضته من واقع جديد، أدى إلى مفاوضات جلاء جذرية، انتهت برحيل المحتل البريطانى فى التاسع عشر من يونيو 1954.
ولقد عمم لويس عوض النتيجة التى انتهى إليها على أعلام الفكر والثقافة، من أبناء جيل 1919 الذى ينتسب إليه طه حسين ومحمد حسين هيكل والعقاد، ذاهبا إلى أن التراجع الثورى للوفد نقل إليهم عدواه، فتوقفوا عن أطروحاتهم الجذرية التى صاغوها فى العشرينيات (ممثلة فى «الإسلام وأصول الحكم» 1925 و«فى الشعر الجاهلى» 1926)، واستبدلوا بها إنجازات أكثر مهادنة، وأكثر إرضاء للفكر التقليدى السائد، خصوصا فى تياراته ومؤسساته الدينية. هكذا، كتب طه حسين «على هامش السيرة»، ابتداء من 1933 إلى أن أصدر الجزء الثالث سنة 1938، وانتقل منه إلى الفتنة الكبرى، ابتداء من «عثمان» فى الأربعينيات، فى موازاة «الوعد الحق» سنة 1949، وأخيرا «مرآة الإسلام» آخر ما كتب عن الإسلام سنة 1959. أما العقاد، فهناك سلسلة العبقريات التى تبدأ بعبقرية محمد، وتشمل عمر وعلى وعثمان والصديق وخالد بن الوليد إلى أن تصل إلى عبقرية الإمام، وتختتم بكتاب «التفكير فريضة إسلامية». والحق أن ما ذهب إليه لويس عوض مردود عليه من أوجه كثيرة. أولها أنه ربط آليا بين السياسى والثقافى. وقد يكون من الحق أن معاهدة 1936 شابتها شوائب عديدة، تضاءلت بمعانى الاستقلال الوطنى بالقياس إلى المطامح المشروعة للنضال الوطنى المصرى. ولكن التقصير فى التفاوض مع قوة الاحتلال، لا يعنى بالضرورة التراجع فى المجال الفكرى الذى ظلت جذريته مستمرة فى كتابات طه حسين وهيكل والعقاد الذين ظلوا على ثوريتهم الليبرالية سياسيا، وجذريتهم الثقافية أدبيا. ولذلك كان من الطبيعى ألا يتغير موقف طه حسين من الشعر الجاهلى سنة 1926، وأن يواجه تحقيق النائب العمومى معه، وأن ينتهى الأمر بإغلاق التحقيق، فقد فعل ما فعل على سبيل الاجتهاد العلمى، فيما كتب محمد نور رئيس نيابة مصر (النائب العام بلغة زمننا). ولم يكن هناك فارق كبير بين كتاب «فى الشعر الجاهلى» سنة 1926، وكتاب «فى الأدب الجاهلى» سنة 1927، سوى حذف عدة جمل وإضافة فصل كامل، يضم أخطر ما كتب عن المنهج وحرية البحث العلمى فى مواجهة العقول الإظلامية. وظنى أن لويس عوض خلط بين منهج الدرس وموضوعه خلطا ما كان يليق أن يقع فيه، فجذرية المنهج أو راديكاليته تظل قائمة، سواء تحدث الباحث عن الشعر الجاهلى أو نصوص التراث الدينى. ولم تختلف جذرية المنهج عند طه حسين ما بين عمله فى تراثه الأدبى أو تعرضه للتراث الدينى الإسلامى، فجذرية المنهج تظل واحدة فى كل الأحوال، محكومة بالمبادئ العقلانية نفسها.
والحق أن طه حسين قد لاحظ خطورة المد الدينى المعادى للعقل الذى تصاعد مع صعود جماعة الإخوان المسلمين التى تأسست فى الإسماعيلية، بدعم من سفارة الاحتلال البريطانى سنة 1928، وسرعان ما انتقلت إلى القاهرة لتعمل تحت حماية الملك فؤاد المعروف باستبداده وعدائه التاريخى للوفد، ولم يكن من المصادفة أن يصطدم طه حسين بوزير المعارف فى حكومة صدقى، الأمر الذى انتهى به إلى الطرد من الجامعة فى مارس 1933، وسط دعاية شارك فيها أصدقاء الإخوان من نواب برلمان صدقى باشا، تحدثوا فيها عن كفره وعدائه للإسلام، وكان على طه حسين أن يقاوم ذلك كله، فاستبدل قاعات الجامعة الأمريكية بقاعات جامعة القاهرة، وعاود نضاله ضد الاستبداد فى الحكم بالهجوم السياسى فى جرائد الوفد التى احتضنته، وعاود نضاله الأكاديمى بتوسيع مجال المنهج العقلانى فى دوائر أكثر اتساعا من الأدب العربى على امتداد عصوره، وظل خارج جامعته إلى أن عاد إليها، بعد تولى محمد توفيق نسيم باشا الوزارة للمرة الثالثة، فأعيد طه حسين إلى جامعة القاهرة، محمولا على أكتاف طلابه فى ديسمبر 1934.
وظنى أن طه حسين فكر فى تضليل المسلمين البسطاء والانحراف بأفكارهم عن الدين، خلال محنة الطرد من الجامعة، واستغلال الإسلام السمح فى قمع محاولات الاجتهاد والتجديد. ومن المؤكد أنه لم ينس المحنة التى مر بها صديقه على عبد الرازق الذى كفروه وطردوه من منصبه القضائى؛ لأنه جرؤ على القول بأن الإسلام لم يحدد للمسلمين نظاما سياسيا يتبعونه، وأن الخلافة ليست ركنا من أركان الإسلام ولا أحد أصوله أو حتى فروعه. وظنى كذلك أن طه حسين أدرك أن واجبه بوصفه مسلما عقلانيا أن يقوم بتنقية الإسلام من أباطيل وأحابيل المتاجرين به سياسيا، وأن يسهم مع أقرانه فى استنقاذ إسلامه السمح من الذين أخذوا يدعون احتكار النطق باسمه، أو ادعاء الذود عنه بما يسىء إلى سماحته. وكانت النتيجة أن يبدأ طه حسين الكتابة عن الإسلام الصحيح الذى يعرفه، تمييزا له عن إسلام التعصب الذى كان يتبعه كارهو الاستنارة وأنصار الحكم الاستبدادى فى آن، وكانت البداية سنة 1933 بإصدار الجزء الأول من كتابه »على هامش السيرة« الذى صدر الجزء الثالث منه والأخير سنة 1938. وفى هذا الكتاب الجميل الذى أرجو أن يقرأه كل مسلم، ترى صورة نبى إنسان، سمح ومتسامح، صادق وصدوق، أفعاله لها منطقها، ورجاحة عقله تؤكد إنسانيته، بالقدر الذى تؤكد به سيرته احترامها للعقل الذى هو حجة الله على مخلوقاته. وتتجلى العقلانية عندما يمسك طه حسين بالخيوط التى حركت «الفتنة الكبرى»، كاشفا عن تشابك المصالح الدنيوية التى أدت إلى الكوارث التى بدأت بقتل عثمان بن عفان، ولم تنته بقتل على بن أبى طالب وبنيه. وتمتد عقلانية طه حسين وتتحول، فتغدو خيالا إنسانيا فى روايته «الوعد الحق» التى يصور فيها نفوس الشهداء الأول من آل ياسر فى سبيل الدعوة الإسلامية. ولم يترك طه حسين تأمله العقلانى فى دينه إلا بعد أن ختم كتابه «مرآة الإسلام»، مؤمنا أنه أدى دوره بوصفه مفكرا عقلانيا، وأديبا إنسانيا، ومؤمنا مؤديا لحق دينه عليه، سواء فى تعريف الناس بفضائل نبيه، أو الكشف عن الذين كانوا أول من ضحى فى سبيل دينه، أو كيف يمكن أن تعمى العيون والنفوس عن مقاصد الشرع بغواية مطامع الدنيا ومصالحها. ولذلك ظل طه حسين فى المنطقة السوداء عند جماعة الإخوان المسلمين بزعامة حسن البنا الذى كان يعرف أن عقلانية طه حسين هى أعدى أعداء دعوته السلفية القائمة على الإيمان، ولم يكن من المستغرب أن يكون حسن البنا رأس حربة جماعة الإخوان المسلمين فى الهجوم على كتاب طه حسين «مستقبل الثقافة فى مصر» سنة 1938، وهو كتاب يؤكد استمرار التجديد الجذرى الذى ظل طه حسين محافظا عليه فى هذا الكتاب الذى لا يزال بعض ما فيه أبعد عن إمكان التطبيق سنة 2014.
لمزيد من مقالات جابر عصفور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.