للعقيدة الإسلامية أثر بالغ فى نفوس معتنقيها لسماحتها وملاءمتها للنفس البشرية، وهو الذى انعكس بشكل كبير على الفنون فى شتى مجالاتها، كان أبرزها العمارة الإسلامية. فعلى مدار شهر رمضان المبارك تأخذكم «البوابة» فى رحلة بين مساجد مصر وأضرحتها، لنتعرف على تاريخ نشأتها، وتأثيرها الروحانى فى قلوب مُرتاديها. أنشأت يا مولى الأكابر مسجدًا.. ولواء نصرك فى البرية يسعد ولك العناية بالسعادة أرخت.. حاز الفضائل والكمال محمد يُعد مسجد محمد بك أبى الذهب من التحف المعمارية النادرة، وهو من نوع المساجد المعلقة، حيث بُنى على طراز جامع السنانية «جامع سنان باشا» ببولاق»، وقد أنشأ هذا الجامع ليكون مدرسة تساعد الأزهر الشريف على استيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب الوافدين من جميع أنحاء العالم الإسلامى، لا سيما بعد سقوط بغداد فى يد المغول وذلك فى عام 656 هجريًا، ومن ثم سقوط الأندلس فى 897 هجريًا. وشرع محمد بك ابى الذهب فى بناء المسجد فى عام 1187 هجريًا، وانتهى من تشيده فى عام 1188 هجريًا أى فى القرن الثامن عشر الميلادى، وقد تم إلحاق به مكتبة تضم نحو 650 كتابًا فى شتى العلوم والفنون، والكثير من كتب التاريخ والكتب النادرة والتى بلغ عددها نحو 1292 مجلدًا، كما تم إلحاق بالمجسد تكية لمتصوفى الأتراك، وسبيلًا لشرب الدواب. وأطلق على المسجد ب«المُعلق» حيث يوجد أسفله من الجهة الشرقية والشمالية مجموعة من الحوانيت، وكان يُصعد إليه من بابه الشمالى بسلم مزدوج من الرخام الملون، وأمام بابه الشرقى سلم مستدير، وكلا البابين يؤديان إلى دهليز مكشوف يحيط بالمسجد من جميع الجهات عدا جهة القبلة، وهذا الدهليز هو الجزء الوحيد الذى يحيط بمكان الصلاة، ويقع مسجد محمد بك أبى الذهب بجوار الأزهر فلا يفصل بينهما إلا الطريق، وزخرفت أبوابه وشبابيكه بالعديد من الكتابات والأبيات الشعرية، كما يوجد به ثمانية شبابيك مصنوعة من النحاس، ومنبر مشغول بالصدف، أما خارج المقصورة من الجهة اليسرى يوجد مدفن الأمير محمد بيك أبوالذهب، وعليه مقصورة من النحاس الأصفر، وعلى القبر تركيبة من الرخام عليها نقوض وزخارف وآيات قرآنية. ويتكون المسجد من مستطيل يبلغ طوله من الشمال إلى الجنوب ب 33 مترًا وعرضه من الشرق إلى الغرب تبلغ 24 مترًا، ويبلغ عرض الدهليز الذى يحيط بالمسجد تبلغ 3 أمتار، وقد قسمت أروقة المسجد إلى مربعات صغيرة يبلغ عددها أربعة وخمسة فى الضلع الطويل، وتقوم فوق المربعات قباب ضحلة، وتعتمد على مثلثات كروية، وزخرفت القباب من الداخل برسوم زيتية نباتية كانت غاية فى الدقة والجمال، ويتوسط المسجد مكان الصلاة، وهو عبارة عن مربع يبلغ طوله 15 مترًا، وتقوم فوق المربع قبة كبيرة ترتكز على منطقة انتقال مكونة من أنصاف قباب صغيرة محمولة على عقود ومقرنصات متكئة على أكتاف وأعمدة من الرخام، وقد حولت زوايا منطقة الانتقال إلى شكل ثمانى قامت عليه القبة الضخمة. كما زخرفت زوايا المربع بالكثير من الزخارف النباتية والكتابية كما كتب عليها لفظ الجلالة بالحجر الأصفر، ويعلوها إفريز خشبى يحتوى على كتابات قرآنية مذهبة على أرضية زرقاء داكنة، ويعلو الإفريز دوائر مفرغة برسوم نباتية وهندسية جميلة التكوين، وتتخل نافذتين معقودتين يعلوها مقرنص كبير، كما تعلوها نوافذ قنديلية، وكانت القبة من الداخلية حافلة بالنقوش الملونة والمذهبة وبها الكثير من الكتابات القرآنية، كما يوجد بجوار المحراب منبر خشبى صنعت ريشته بطريقة الحشوات المجمعة على شكل الأطباق النجمية، والتى زخرفت بالعاج والصدف والزرنشان، والتى صنعت بطريقة الخرط البديعة التكوين، وهى تشبه مئذنة مدرسة الغورى، وكان يعتقد أن «الزلع» التى تعلو الطابق الثالث مليئة بالذهب ويحرسها أفعى كبيرة.