يتوهج الحضور الثقافي الكويتي في أكبر معرض عربي للكتاب وهو معرض القاهرة الدولي في دورته ال 45 ويشارك فيه 755 ناشرا عربيا وأجنبيا حتى السادس من شهر أبريل المقبل. ويحق القول أن الكويت أنتجت على مر الأعوام زاد ثقافيا ومعرفيا عربيا بتوجه قومي نقي يوحد ولا يفرق وهي على هذا المضمار لديها العديد من أوراق الاعتماد الثقافية في الحياة العربية من المحيط إلى الخليج وعبر سلسلة من الإصدارات والأنشطة الثقافية والشخصيات الوازنة ثقافيا ناهيك عن المواقف القومية المشرفة التي يقدرها المصريون. ولعل احترام حرية التعبير بصورة واضحة وتاريخية في الكويت كان وراء هذا الزخم الثقافي الخلاق والإبداعات المتنوعة للثقافة الكويتية التي تتجلى في معرض القاهرة الدولي للكتاب وخصوبة عطاء مثقفيها وتعدد أجيالهم بمخرجات إبداعية وفيرة في الرواية والقصة والشعر والمسرح وبانفتاح على كل الثقافات. وكما شكلت استضافة ليبيا في معرض القاهرة الدولى للكتاب في العام الماضي فرصة لمزيد من الانفتاح الثقافى المصرى على الإبداع العربى فإن المعرض الذي يعد أكبر معرض للكتاب في العالم العربي يكتسب هذا العام المزيد من العمق الثقافي العربي باختيار الكويت ضيف الشرف. ونوه طلال الرميضي الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين بأن الكثير من أعضاء هذه الرابطة الثقافية يحرصون على حضور فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب على نفقتهم الخاصة بهدف التعرف على جديد الكتب والإصدارات والتواصل مع المثقفين المصريين والعرب. ومن الطريف والدال حقا على خصوصية المكانة الثقافية للكويت في الذهن المصري العام أن يقوم مقهى ريش القاهري الثقافي الشهير بتخصيص جانب في هذا المقهى الذي عرف روادا من اشهر المثقفين المصريين للثقافة الكويتية طوال أيام المعرض. وإذا صحت نبرة العتاب على ألسنة مبدعين عرب للثقافة المصرية كثقافة مكتفية بذاتها لحد الانعزال عن الواقع الثقافى العربى أو عدم الاهتمام الكافى بتطورات هذا الواقع فإن هذه النبرة المنطلقة من الحب لمصر وتقدير مكانتها لن تنطبق على الكويت التي حظت ثقافتها دوما باهتمام ومتابعة من جانب المصريين. فبالفعل يعرف المصريون وعلى وجه الخصوص الجماعة الثقافية المصرية الكثير عن الثقافة الكويتية ذات الحضور المتوهج بأسماء الرواد والآباء الثقافيين والرموز المعاصرة والأجيال الحالية على صعيد العطاء الثقافي في هذا البلد العربي. والقائمة الثقافية الكويتية تطول وتتضمن على سبيل المثال لا الحصر أسماء كحمد الرجيب وخالد العدساني وزيد الحرب وصقر الشبيب وعبد العزيز حسين وأحمد مشاري العدواني وفهد العسكر وعبد الله خالد الحاتم وإسماعيل فهد إسماعيل ومحمد الرميحي وإبراهيم الشطي ويعقوب الغنيم والدكتورة سعاد الصباح وليلي العثمان وحصة الرفاعي وسليمان العسكري وسعدية مفرح ومنى الشافعي وفاطمة يوسف العلي وثريا البقصمي وسليمان الشطي وطالب الرفاعي. وكانت الأنشطة الثقافية للكويت قد انطلقت الإثنين الماضي في معرض القاهرة الدولي للكتاب بلقاء فكري للأديب إسماعيل فهد إسماعيل الذي يوصف بأنه "مؤسس حداثة الرواية الكويتية" وبمشاركة الأديبة ليلي العثمان والأديب طالب الرفاعي وتقديم الأديب المصري سعيد الكفراوي وبحضور سفير دولة الكويت في القاهرة سالم الزمانان ووكيلة وزارة الإعلام الكويتية رئيسة الوفد المشارك الدكتورة هيلة المكيمي. ولعل التفاعل الثقافي بين مصر والكويت قد تجلى في أروع صوره عبر تأسيس مجلة العربي التي باتت من أهم المجلات والمنابر الثقافية العربية حيث كان العلامة المصري الدكتور أحمد زكي هو مؤسس هذه المجلة الكويتية عام 1958 وأول رئيس تحرير لها فيما تولى المهمة من بعده الكاتب الصحفي والمثقف المصري أحمد بهاء الدين. أجيال وأجيال من المصريين عرفت مجلة العربي بأغلفتها الملونة وصفحاتها المصقولة الزاهية ومضمونها الثقافي الثري كوجبة شهرية شهية من زمن الدكتور أحمد زكي وحتى راهن اللحظة ومن خلال هذه المجلة التي قدمتها الكويت لكل الناطقين بالعربية تترامى البساتين العامرة بكل مالذ وطاب من ألوان الثقافة وثمار المعرفة. وكذلك تحمل مجلة "الكويت" كإصدار ثقافي شهري الكثير من قطوف الآداب وألوان العلوم وكأنها تتناغم مع مجلة "العربي" التي تجاوز عمرها المبارك النصف قرن في منظومة ثقافية كويتية عربية يسهر عليها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وتحوي كتب عالم المعرفة ومجلة عالم الفكر التي اسسها المفكر المصري الدكتور أحمد أبو زيد وسلاسل المسرح العالمي والثقافة العالمية والابداعات الثقافية المختلفة مسدية خدمات جليلة حقا على مستوى التكوين الثقافي المأمول للإنسان العربي من الماء إلى الماء. ويشهد منفذ بيع إصدارات المجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والآداب في معرض القاهرة الدولي الحالي للكتاب اقبالا ملحوظا من الجمهور على اصداراته التي بلغت قرابة ال 280 عنوانا فيما كانت سلستا عالم المعرفة والثقافة العالمية هما الأكثر رواجا حسب المسؤولين عن هذا المنفذ. وتضمن جناح الكويت في معرض القاهرة الدولي للكتاب لوحة بصور الشهداء الكويتيين في حرب السادس من أكتوبر 1973 وتزين اسماء كويتية سجلات الفخر والمجد للشهداء في حربي 1967 و1973 فيما كانت هناك بعض الوحدات العسكرية الكويتية قد رابطت جنبا إلى جنب مع اشقائهم في الجيش المصري على خط المواجهة بامتداد قناة السويس قبل أن تبدأ حرب السادس من أكتوبر لتحرير التراب الوطني والقومي العربي من دنس الاحتلال. وللشاعر الشعبي الكويتي زيد الحرب الذي ولد عام 1887 وقضي عام 1972 قصائد مفعمة بالحب والتقدير للزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي شغف به الشاعر وعده الفارس الهمام للأمة العربية فيما يخاطبه بالشعر النبطي أو الشعبي الكويتي قائلا:"ياسراج وادي النيل وحق العرب نور..نهض بهزم الله والله سعيدك..واطلب لك التوفيق من خالق الحور..يعيد لك بالعز وحقه يعيدك". ويضيف هذا الشاعر الكويتي معبرا عن التوجه القومي العربي الفياض في بلاده والحب الغامر لجمال عبد الناصر ومصر العروبة:"وباقي العرب للنيل درع كما السور..هم ترى يمناك والة عديدك..واطلب لك التوفيق منين ماتدور..كسيك ثوب العز بأيام عيدك..وتحكم على قبرص وطارق مع الطور..ومنين مايممت يقرب بعيدك..وياليتني عندك على الباب ناطور..يشهد على الله قلبي يريدك". وهو ذاته الذي قال:"يا ناصر موسى على جيش فرعون..ويا ناصر جيش الصحابة والأنصار..الا التقينا بين طاعن ومطعون..عبد الناصر تنصره وين ما صار". وزيد الحرب هو والد الشاعرة الكويتية غنيمة زيد الحرب التي تقول إنها تعلمت مع شقيقتها الكثير من الوالد الذي غرس في عقليهما أفكارا جميلة عن العدل والمساواة كقيمة مطلقة "وترجم هذه التعاليم إلى سلوك واقعي تجاهنا واتاح لنا حرية التعبير وحرية الاختيار فلم نشعر قط بأننا اقل شأنا من الرجال". ولم يغفل مهرجان القرين الثقافي الشهير في الكويت تكريم الآباء الثقافيين مثل زيد الحرب وعبد الله الحاتم مع اهتمام ملحوظ بالشعر الشعبي ومبدعي هذا اللون من الأدب فيما يشعر الكويتيون بالعرفان للفنان المصري الراحل الأستاذ زكي طليمات الذي يعتبرونه مؤسس المسرح الكويتي الحديث. فالكويت أحد الموارد العذبة للثقافة العربية فيما عرف أهلها بحب الثقافة وطلب العلم حتى أن بعض ابنائها هاجروا منذ مطلع القرن الثامن عشر لهذه الغاية النبيلة وأولهم كان عيسى بن علوي الذي قصد مصر لتلقي العلوم الدينية في الأزهر الشريف ثم جاء بعده للأزهر الشيخ أحمد بن محمد الفارسي فالشيخ مساعد العازمي. ولن ينسى تاريخ الصحافة العربية اسم عبدالله خالد الحاتم الذي أصدر أول مجلة فكاهية في الكويت والخليج العربي فيما تميزت هذه المجلة التي حملت اسم "الفكاهة" في خمسينيات القرن العشرين بنكهة خاصة وجرأة في طرح القضايا بصورة مرحة تقبلها المجتمع الكويتي بصدر رحب. وشأنه شأن زيد الحرب يوصف عبد الله خالد الحاتم "بالمنارة الثقافية الكويتية" فيما كان قد وضع كتاب "من هنا بدأت الكويت" دفاعا عن أصالة الكيان المستقل لبلاده وجمع الكثير من أشعار كبار شعراء الكويت والجزيرة العربية منذ القرن التاسع الهجري وحتى منتصف القرن العشرين واشرف على ترجمة وطباعة كتاب "كنت أول طبيبة في الكويت" للدكتورة اليلنور كالفري وهي أول طبيبة أمريكية مارست الطب في الكويت عام 1912. وكان الروائي الكويتي الشاب سعود السنعوسي قد فاز بالجائزة العالمية للرواية العربية "جائزة بوكر العربية" في العام الماضي عن روايته "ساق البامبو" وبات اسمه معروفا على نطاق واسع في الحياة الثقافية المصرية فيما وصل للائحة الطويلة للبوكر العربية هذا العام الروائي الكويتي المعروف إسماعيل فهد إسماعيل. ولعل من الدال في هذا السياق أن معرض القاهرة الدولي للكتاب يعقد هذا العام تحت شعار "الثقافة والهوية" وهي قضية مطروحة في ابداعات الثقافة الكويتية وتناولتها على نحو ما رواية "ساق البامبو". ولاجدال أن هناك مايدعو لمزيد من المعرفة والفهم على مستوى التيار الرئيس للثقافة المصرية " للابداعات الثقافية للشباب العربي ومنهم شباب الكويت بل واحتضان المواهب على هذا المضمار ومنحهم كل الدعم وفرص الشهرة. ولعل الشاعر الكبير محمد الفيتورى الذي يحمل دماء مصرية –ليبية - سودانية يعبر أفضل تعبير في تكوينه ومسيرته في الحياة والابداع عن مدى التداخل والتفاعل الثقافى العربي وهو الذي عاش سنوات التكوين والدراسة في مصر وانطلقت شهرته منها. فقصة الفيتورى في الحياة والإبداع دالة لفهم أهمية الدور الثقافى المصرى الذي تجلى على لسان الشاعر الراحل كامل الشناوى وهو يقدم ويزكى الشاب محمد الفيتورى للعمل في مجلة آخر ساعة المصرية في بدايات خمسينيات القرن العشرين ويقول لرئيس تحريرها حينئذ محمد حسنين هيكل: "إن مصر تاريخيا هي صانعة النجوم في الثقافة العربية" متنبئا لهذا الشاب بأنه سيكون نجم جديد من نجوم الإبداع الشعرى تقدمه مصر للعرب. هذا دور مصر فمرحبا بالكويت وثقافتها في أرض الكنانة..مرحبا بكل مثقف عربي في المحروسة..العروبة حاضرة في عطرنا وصلواتنا وجبالنا ووادينا وعقولنا وقلوبنا..مرحبا بمن قاسمونا همومنا ولحظة انتصارنا.