اجتماع القبائل الليبية لدعم الجيش الليبى والدولة المدنية، خطوة مهمة ستعزز الخطوات نحو الاستقرار، فالقبيلة تُعدّ النواة الأولى للعمران عند ابن خلدون، الذى جعل من القبليَّة والمال دعامتين أساسيَّتين فى قيام الدولة، ولم ينكرها كوحدة مكونة لها. ومخالفة الناموس والقانون الإنسانى وسُنّة الله فى خلقه هى التى أضاعت المجتمعات، وجعلتها رهينة لأحزاب وتنظيمات جمعتها المصلحة والنفوذ والاحتكار، فالشعوب جعلها الله مكوَّنة من قبائل وليس من أحزاب، كما ورد فى القرآن. وقد كان الرسول عليه السلام يعقد الرايات فى الحرب للقبائل، ولكنه فى الوقت نفسه كان يرفض التعصب لها. وهناك صورة نمطية بائسة للقبيلة، تنشرها الأحزاب ومَن يدور فى فلكها، مستشهدين بحروب داحس والغبراء والبسوس وغيرها، لإلقاء اللوم على القبيلة، بينما الحقيقة غير ذلك، وهذا اختزال وتسطيح لحقيقة القبيلة، التى شكّلت حاضنة مجتمعية ورافد استقرار مهمًا فى أى بلد تركيبته المجتمعية قبلية، وليست حزبية، وليبيا أحد المجتمعات التى مكونها الرئيسى بل والأوحد هو القبائل. ولكن تبقى أهمية أن تنتقل القبيلة من مفهوم القبلية إلى الدولة بشكلها الحديث؛ فالقبيلة هى وحدة اجتماعية تربط الإنسان بالتراب والتراث والتاريخ، وبالتالى من الصعب، بل من المستحيل، أن تفرِّط القبيلة فى التراب والتراث والتاريخ، ويصعب اختراقها من سماسرة الأرض. فالمشهد فى ليبيا لم يتملكه أى نزاع بين القبيلة والدولة، بل بالعكس كانت القبيلة مؤسّسةً للدولة، فالقبيلة والقبائل هى التى شكلت ليبيا بجغرافيتها الحالية باتحاد ولاياتها الثلاث، برقة وفزان وطرابلس، فالوطنيون هم مَن كتبوا دستور الاتحاد، ولم تكتبه الأحزاب السياسية، التى لا وجود يُذكر لها، ولا أى قوى أخرى، وبالتالى فإن القبائل كتبت عقدًا اجتماعيًا تعايش عليه الليبيون سنوات ضمن سلم مجتمعى لم يُسجل فيه أى حروب أهلية، بل إن ما شهدته ليبيا من حروب كان بسبب التناطح الحزبى بين أحزاب وتنظيمات وكيانات مؤدلجة وأخرى وافدة، ولم تشهد ليبيا أى حرب قبلية أو نزاع قبلي، حتى تلك التى حدثت فى فبراير (شباط) كانت بين مؤيد للنظام وآخر معارض له، فتجد الأخ فى طرف والآخر فى جانب آخر، وحتى التى حدثت فى الجنوب كانت بين مهرّبين وقُطّاع طرق وخليط من الطرفين كانت تجمعهم المصلحة والنفوذ لا القبيلة. القبائل الليبية، وعبر تاريخ طويل، منذ زمن مقاومة الاستعمار والاستيطان الإيطالي، تعرضت للقمع والزج بها فى المعتقلات الجماعية، عقابًا لها على دعم المقاومة، كما أثبتت أنها محور الاستقرار فى ليبيا، وأنها مؤسِّسة وحدتها، فى زمن الاستقلال وصياغة الدستور، ولهذا يُعتبر التعويل عليها فى حل الأزمة الليبية الخيار الأصوب، رغم تجاهل البعثة الدولية للأمم المتحدة لدور القبائل، وركونها إلى أحزاب كرتونية لا تمثل 3 فى المائة من المجتمع الليبي. القبائل الليبية فى أغلبها قبائل عربية متجانسة اجتماعيًا، وأغلبها ينحدر من بنى سليم، وحتى قبائل المشواش والليبو تعود فى أصولها إلى ملوك التبابعة العرب. بمعنى أن هذه القبائل منسجمة فى ما بينها. القبيلة فى ليبيا كانت حاضنة مجتمعية لمظاهر الدولة، فالقبائل هى التى احتضنت الجيش الليبى والشرطة عندما حاول تنظيم «الإخوان» الإرهابى إسقاط مظاهر الدولة المدنية، إذ سارعت إلى الالتفاف حول الجيش الوطنى والشرطة المدنية اللذين يُعتبران أهم عناصر تكوين الدولة المدنية، فى حين تكالب تنظيم «الإخوان» الإرهابى وإخوته على طمس تلك المظاهر، بل وإحلال ميليشيات مؤدلجة، وجعلها موازية للجيش الوطنى المكون من جميع مكونات القبائل، ليستبدل به التنظيم الإرهابى عناصر ميليشيات ولاؤها للتنظيم والمرشد العابر للحدود، وأصبحت ميليشيات الدروع الإخوانية قوى موازية للجيش الوطني، وأصبح ولاؤها عابرًا لحدود الوطن، مما يؤكد أن من باع الوطن وتاجَر بأرضه وتاريخه وتراثه هو التنظيم والحزب الإخوانى الإرهابي، وليس القبائل. القبائل الليبية سبق أن قالت كلمتها فى الشرق والجنوب، والآن فى الغرب الليبي، وفى اجتماع مدينة ترهونة قالت مجتمِعةً: نعم للجيش الوطني، ولا للميليشيات. نقلًا عن عن «الشرق الأوسط»