لم يعد يعرف للفسيخ رائحة غريبة أو منفرة كباقى الناس، بل على العكس يشعر بسعادة غريبة فى العمل بهذا المجال، فهى مهنته التى لا يعرف غيرها، حتى بيته وأولاده أصبح الأمر بالنسبة لهم مجرد تجارة ومهنة كغيرها من المهن، يحبونها ويأكلونها فى الأوقات العادية. وبدأ الحاج عبده شاهين، 54 عاما، مشوار حياته فى بيع أصناف الأسماك المملحة الثلاثة «الفسيخ والرنجة والملوحة» كأكلات لشم النسيم، وهى المهنة التى ورثها عن أبيه فأصبح اسمه إحدى العلامات البارزة فى هذا المجال، وتحول مع الوقت إلى قبلة لمحبى هذا النوع من الأكل. ويقول الحاج عبده شاهين عن مهنته: «ورثت المهنة عن جدى الحاج شاهين الذى كان يملك محلا كبيرا فى باب اللوق، وبدأ نشاطه فيه من عام 1910، ودخلت المهنة فى سن صغيرة، تقريبا عشر سنوات، كمساعد لأبى فى المحل هذا الذى ورثته عنه، وصناعة الفسيخ وبيعه من المهن التى تتوارثها الأجيال فنادرا ما تجد تاجرا جديدا فى هذه المهنة، وتعتبر عائلة شاهين من أقدم وأشهر العائلات فى صناعة وتجارة الفسيخ، فلدينا سبع محلات كبيرة منتشرة فى أنحاء القاهرة، ونمتلكها أنا وأخى وأبناء عمي، وسوف يتوارثها أبناؤنا بعدنا، وكلها محلات مشهورة ذات تاريخ طويل وسمعة طيبة». ويضيف الحاج شاهين، أن الفسيخ والرنجة من الأكلات المفضلة لدى الكثير من المصريين توارثناها من طقوس أجدادنا الفراعنه منذ آلاف السنين، ومهما حذر الأطباء منها، فما زال المواطنون يقبلون عليها طوال العام خاصة فى أعياد الربيع وشم النسيم، وأيضا بالشتاء، ولكنها فى الصيف يقل البيع قليلا نظرا لحرارة الجو وطبيعة هذه الأكلة الدسمة، كما ينعدم البيع طوال شهر رمضان والعيد الكبير. ويتابع: أما بالنسبة لشم النسيم فهو من أهم المواسم لبيع الأسماك المملحة فى السنة كلها، حيث يتضاعف البيع لأكثر من أربع أضعاف الأيام العادية، لذا تزداد الرقابة والتفتيش على محلات الفسيخ قبل هذا الموسم، وهى متعلقة بالصحة والسلامة المهنية المطلوبة دائما، فدخول الباعة الجائلين فى هذه المهنة أفسدها، وتسببوا فى زيادة حالات التسمم نتيجة بيع الفسيخ والرنجة الفاسدة. وأضاف: «كنا نصنع الفسيخ بأنفسنا قديما، ولكن مع تشديد الرقابة أصبحنا تجارا فقط، ولا يتم تخزينه، ومنذ 30 سنة ونحن نشتريه من مصنعين معروفين فى رشيد ودمياط وأسوان وكفر الشيخ، أما القاهرة فلا توجد بها هذه الصناعة، لذا اكتفينا بالبيع فقط وقد نجحنا والحمد لله فى اكتساب السمعة الطيبة». ويبتسم الحاج عبده بفخر وهو يؤكد أن من يتذوق الفسيخ لا ينسى طعمه ويعود مرات كثيرة للشراء، حيث أصبح لنا اسم وشهرة، ومما يدل على جودة منتجاته أنه لم تحدث حالة تسمم أو إصابة واحدة لزبائنه طوال فتره عملنا، مشيرا إلى أنه يحمل أكثر من شهادة من وزارة الصحة تثبت جودة منتجاته ونظافة بضاعته، فخبرته فى هذه المهنة تجعله يستطيع أن يعرف البضاعة الجيدة من الفاسدة من مجرد شكل السمكة ولونها وحتى رائحتها، فحسب كلامه هناك فرق بين رائحة السمك المملح والفاسد، وعن صلاحية المنتج يقول إن صلاحية الرنجة 4 شهور وعن تمليحها، فتعلق داخل أفران بالتدخين البارد مع نشارة ناعمة لمده 6 أيام، أما الفسيخ فيتم تمليحه لمدة 45 يوما فى برميل خشبى ثم يأخذ «راق ملح وراق سمك».