تحتفل الكنيسة الكاثوليكية في 28 مارس من كل عام، بعيد القديسة تريزا الافيلية: فمن هي؟ القديسة تريزا، أو مُجددة رهبنة الكرمل - الميلاد والنشأة: وُلِدَت تريزا في 28 مارس 1515م، بمقاطعة "جوتارندورا" التابعة لمدينة "أڤيلا" غرب إسبانيا. جَدّها لأبيها هو "خوان سانشيز دي توليدو" وهو يهودي تحول إلى المسيحية ويُطلق على هذه الفئة بالإسبانية "مارّانو Marrano". ووالدها هو "ألونسو سانشيز دي سبيدا" أجاد الفروسية واندمج مع المجتمع المسيحي، أما والدتها فهي "بياتريز دي أومادا إي كويڤاس" وهي سيدة تقيّة حرصت على تربية إبنتها لتصير مسيحية صالحة. كانت تريزا منذ صغرها مفتونةً بسيَر القديسين، وتأثرت كثيرًا بالشهداء منهم لدرجة دفعتها للهرب وهي في السابعة من عمرها برفقة شقيقها "رودريجو" لتذهب نحو معسكرات العرب في الأندلس (المور Moor كما يطلق عليهم بالإسبانية) وتعترف بإيمانها بيسوع المسيح فتنال الشهادة عن يدهم. إلا أنهما قابلا عمهما العائد من سفره وما إن لاحظهما خارج أسوار المدينة عاد بهما إلى أخيه. عندما بلغت تريزا الرابعة عشر من عمرها توفيت والدتها، فعاشت حالة حزن عميق لم يساعدها في عبورها سوى اهتمامها بأن تصير ابنة للعذراء مريم، فاهتمت بإكرامها كثيرًا لتنال رعايتها كأم روحية لها. كانت أيضًا تحب الملاحم والقصص الشعبية، وتعيش بخيالها مع أبطالها من الفرسان. وقد كانت هذه إحدى أساليب التسلية في تلك العصور. ومن الواضح أن تريزا كانت تعشق البطولة منذ صغرها ولا تحب الحياة العادية. - الارتقاء للعالم الروحي: أرسلها والدها لتتعلم لدى الراهبات الأغسطينيات فيما يشبه المدرسة الداخلية بمدينة أڤيلا، وهناك مرضت تريزا جدًا، وخلال فترة المرض بدأت أولى تجاربها مع النشوة الروحية في لقاء يسوع، بينما كانت تصلي من كتاب صلاة شهير يُسمى "الأبجدية الروحية الثالثة Tercer abecedario espiritual" وهو كتاب صدر عام 1527م لمؤلفه الراهب الفرنسيسكاني الإسباني "فرنسيسكو دي أوسونا". وهو كتاب يحمل طابع التصوُّف الروحي والرغبة في الاتحاد بالرب يسوع المسيح دون أي شيء آخر في الوجود، حيث ينفصل الإنسان بالصلاة والتأمل عن الحث الجسدي ويعيش حالة روحية من التحليق والانخطاف في كيان الرب، وهي طريقة كانت سائدة كثيرًا في العصور الوسطى لدى النُسّاك، كذلك صلّت وتأملت من كتاب لراهب فرنسيسكاني متصوف آخر من إسبانيا يُدعى "بيدرو دي آلكنتارا" (القديس بيدرو دي آلكنتارا فيما بعد) وكان كتابه "مقالة في الصلاة والتأمل Tractatus de oratione et meditatione" من ضمن الإلهامات الروحية التي ساعدت تريزا كثيرًا في صباها على العُمق الروحي. وقد وصفت النشوة الروحية، بأنها حالة ارتقاء/ انخطاف حدثت لها من أدنى درجة نحو القمة وهي الصمت العذب في حضرة الرب يسوع، وأن حبّ الرب كان سهمًا اخترق قلبها، وفي نهاية هذه الحالة أخذت تنهمر دموعها وشعرت بأنها دموع بركة ونعمة، ومن هنا رأت أنها مدعوة للتكرُّس الصامت من أجل يسوع وحده. كما أصبحت ترى الخطر الكبير المرعب للخطايا، وضعف الخطيئة الأصلية المتأصِّل في الإنسان. وأصبحت واعيةً بضعفها الشخصي في مواجهة ومقاومة الخطايا، ورغبتها في الخضوع الكامل لله. حوالي عام 1556م، بدأ أصدقاء تريزا يقنعونها بأن ما يحدث لها ومعارفها الجديدة ليست من الله، بل هي من الشيطان. فكان رد فعلها أن ازدادت في عيش الإماتات والزهد والصبر على الألم إلى حد تعذيب الجسد بما فوق طاقته إلى حد تجريحه. إلا أن أب اعترافها ومرشدها اليسوعي "فرنسيسكو دي بورخا" (القديس فرنسيسكو دي بورخا فيما بعد) عاد وطمئنها على أن مصدر إلهاماتها ووعيها الروحي هو من الله بكل تأكيد. في عيد الرسل 29 يونيو عام 1559م، تأكدت تمامًا تريزا من أن ما يحدث لها من تجليات ومشاهدات للرب يسوع المسيح جعله ظاهرًا لها وإن كان بهيئة غير مادية، وأحيانًا غير مرئية. واستمرت هذه الرؤى لمدة تزيد عن العامين. - الوفاة والتكريم: كان مرضها الأخير قد أصابها في رحلتها بين بورجوس وألبا دي تورميس. فتوفيت بالمصادفة في منتصف ليلة 4 أكتوبر 1582م، في التوقيت الذي تم فيه الانتهاء من تصحيح التقويم اليولياني إلى التقويم المصحح (الغريغوري) وهو ما استلزم تقديم الأيام 11يومًا فصار تاريخ وفاتها بعد التصحيح هو 15 أكتوبر 1582م. ويُذكَر ان آخر كلماتها كانت ((يا ربي وحبيبي.. لقد آنت الساعة التي أتوق إليها، لقد حان وقت لقائنا الأبدي بل اتحادنا الأبدي)). تم دفن جثمانها المبارك بكنيسة دير البشارة بمدينة ألبا دي تورميس، أحد أديرة الإصلاح الكرملي وأصبح هو المزار الرئيسي لها.