تحل اليوم الأربعاء، السابع والعشرين من مارس، ذكرى تعيين الإمام الثالث والأربعين لمشيخة الأزهر الراحل الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي، والذي يحمل الشهر الثالث من العام الميلادي مناسبات كبرى في حياته تبدأ بذكرى الرحيل في العاشر من الشهر، قبل أن يختتم بذكرى التعيين شيخا للأزهر يوم 27. ولد الدكتور محمد سيد عطية طنطاوي، شيخ الجامع الأزهر، بقرية سليم الشرقية في محافظة سوهاج 28 أكتوبر 1928، تعلم وحفظ القرآن فى الإسكندرية، توفي في الرياض بالسعودية صباح يوم الأربعاء 10 مارس 2010. وعقب حصوله على درجة الدكتوراه في الحديث والتفسير عام 1966، تم تعيينه مدرسًا في كلية أصول الدين عام 1968، ثم تدرج في عدد من المناصب الأكاديمية بكلية أصول الدين في أسيوط حتى انتدب للتدريس في ليبيا لمدة 4 سنوات، وفي عام 1980 انتقل إلى السعودية للعمل رئيسًا لقسم التفسير في كلية الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية، وإلى جانب العمل الأكاديمي تولى الكثير من المناصب القيادية فى المؤسسة السنية الأولى فى العالم، كما عُين مفتيًا للديار المصرية فى 28 أكتوبر 1986 حتى تم تعيينه فى 27 مارس 1996 شيخًا للأزهر حتى رحيله فى مارس من عام 2010 عن عمر ناهز 82 عامًا. وعن نشأته يقول: «والدتى توفيت بعد ولادتى بأشهر قليلة، لم أرها، وتزوج والدى بسيدة فاضلة أنجبت ستة ذكور سواي، وهذه السيدة الفاضلة التى تزوج بها والدى رحمه الله بعد وفاة والدتى كانت رحمها الله تعاملنى كما تعامل أبناءها تمامًا هذه المعاملة الكريمة من جانب تلك السيدة أثرت فى نفسى تأثيرًا عميقًا». الارتقاء الأول للمنبر يروى الشيخ الراحل اللحظات الأولى من صعود المنبر قائلًا: «أذكر بأننى نظرًا لأن المرحلة الابتدائية والثانوية وهى 9 سنين قضيتها فى معهد الإسكندرية، وكنت أسكن فى حى يسمى بحى الحضرة، وتصادف بأن إمام وخطيب المسجد الذى كنت أصلى به – وهو مسجد صغير– توفى، كنت فى أول المرحلة الثانوية – أذكر بأنى كنت فى أولى ثانوى – فأهل المنطقة كلفونى بأن أتولى خطبة الجمعة، وأتولى – أيضًا- إمامة الناس فى الصلوات، ووفيت بوعدى معهم، وكنت حريصًا على أن أؤدى صلاة الجماعة، وكنت حريصًا – أيضًا- على أن أؤدى صلاة الجمعة معهم». ما بين وكالة المشيخة وقيادة الإفتاء روى الإمام الأكبر رحلته حول الصعود إلى قمة دار الإفتاء فى 28 أكتوبر 1986، قائلًا فوجئت باتصال من الشيخ جاد الحق - رحمه الله- يطلب حضوري، فلما حضرت أخبرنى بخلو وظيفة وكيل الأزهر وأنه يريد ترشيحه لها، فاستبشرت وشكرته على ذلك، وبينما انتظر ما ستؤول إليه الأمور وبعد مرور أسبوع من الاتصال الأول، كان الاتصال الثانى الذى تبعه مفاجأة ألا وهى منصب الإفتاء»، مضيفًا: «والله أنا لا أعرف أين دار الإفتاء؟، فأنا خريج أصول دين وفى السلك الجامعى وجرت العادة أن المفتى الذى توفى من كلية الشريعة، والذى قبله من كلية الشريعة وهو من كلية الشريعة وكل المفتين منذ 70- 80 سنة كلهم من كلية الشريعة (تخصص)» وبعد مراجعة قال له الإمام إن الإفتاء «ليس تخصصي، أنا مدرس تفسير ولست مدرس فقه، والمفتى يكون من خريجى كلية الشريعة لأنه يجب أن يكون ملمًا بالأحوال الفقهية وأنا لم آخذ الفقه إلا فى المرحلة الابتدائية والثانوية كلية أصول الدين تخصصها تفسير وحديث وفلسفة وعقيدة وتاريخ وهكذا. وتابع: كل هذه التبريرات لم تغير شيئًا وانتهى الأمر إلى أن الشيخ جاد الحق قال له: «سأعطيك 24 ساعة لتفكر». فقال له «طنطاوي»: «يا مولانا بدل أن تعطينى 24 ساعة، اسمح لى من الآن. أنا أعتذر. لا أستطيع. أنا عميد لكلية ولا أشعر أنى كفؤ لهذه الوظيفة»، ومع كل ذلك طلب منه الحضور فى الغد فذهب إليه فأطلعه على أنه عرض هذه الوظيفة على عدد من الأساتذة خريجى كلية الشريعة ولكنهم اعتذروا، وأضاف: «إن الإفتاء أمانة فى رقبة العلماء وإن لم تقبل ربما تُلغى هذه الوظيفة لإشكالات معينة» أطلعه على جانب منها فما كان من الإمام - رحمه الله- إلا أن قال له «يا أستاذنا مادام الأمر كذلك وما دامت المسألة لخدمة الدين، أنا أستعين بالله وأقبل». الفقه الميسر يعد كتابه «الفقه الميسر» واحدًا من أعلام المؤلفات التى تركها الإمام الأكبر فى المؤسسة الأزهرية حتى عام 2010، والتى من بينها «بنو إسرائيل فى القرآن والسنة عام 1969، التفسير الوسيط للقرآن الكريم عام 1972، القصة فى القرآن الكريم عام 1990، معاملات البنوك وأحكامها الشرعية عام 1991، السرايا الحربية فى العهد النبوي، آداب الحوار فى الإسلام، الاجتهاد فى الأحكام الشرعية، تنظيم الأسرة ورأى الدين فيه، المنهج القرآنى فى بناء المجتمع، مباحث فى علوم القرآن الكريم، والحكم الشرعى فى أحداث الخليج»، وشهد لها بالوسطية ونبذ التطرف والتشدد. ترميم الجامع الأزهر فى 7 من يونيو 1998، كان افتتاح الجامع الأزهر بعد ترميمه وتجديده بالكامل لأول مرة منذ تاريخ إنشائه وإعادته إلى حالته التى كان عليها منذ أكثر من ألف عام، واستغرقت عملية الترميم 24 شهرًا، شملت ترميم وصيانة ودعم أساسات الجامع بطريقة علمية وطبقا للمعدلات والمواصفات الدولية التى تنظم أعمال ترميم المآذن الخمس للمسجد وجميع المداخل والأبواب والأحجبة الخشبية بالإضافة إلى معالجة الأرضيات ضد الرشح وارتفاع مستوى المياه الجوفية كما تمت معالجة الشروخ التى كانت قد انتشرت فى جميع أجزاء الجامع وفى إطار افتتاح الجامع الأزهر بعد ترميمه عُرِضَ فيلم قصير عن عملية الترميم وأظهر الفيلم الحالة السيئة التى كان قد وصل إليها المسجد قبل تطويره ثم مراحل الترميم التى تمت بعد عمليات دراسة علمية مستفيضة للتربة، وكذلك عمليات استبدال الأجزاء التالفة بنفس الخامات التى استعملت فى بناء الجامع من قبل وبنفس طريقة البناء. وقال «طنطاوي»: إن الأزهر الشريف سيبقى بإذن الله خادمًا للأمة الإسلامية.. ويتعاون مع الغير بكل إخلاص ليظل الأزهر الوعاء الأمثل لحفظ القرآن ولدراسة السيرة النبوية وكل العلوم الحديثة دراسة خالية من الانحراف والخرافات. ودعا الله أن يرزق مصر وشقيقاتها والعالم أجمع نعمة السلام والاطمئنان. بناء المشيخة قال الدكتور طه أبوكريشة عضو هيئة كبار العلماء الراحل،«مما أذكره لفضيلته أنه باشر بنفسه بناء مشيخة الأزهر، منذ أن كانت أساسا على الأرض، حيث كان يتابع العمل لحظة بلحظة، إلى أن تم بناء المشيخة التى نراها بأعيننا الآن، والأمر نفسه مع مبنى دار الإفتاء، وأيضا مركز الأزهر للمؤتمرات، الذى توقف البناء فيه سنوات متعددة، إلى أن جاء فضيلته فتابع بنفسه إكمال بناء المركز من خلال المتابعة الشخصية اليومية إلى أن أصبح بالصورة الشامخة حاليا فى مدينة نصر بالقاهرة، وهذه المعالم تحسب لفضيلته وتذكر له وتحكى شخصيته التى تعددت مواهبها فى جميع المجالات العلمية والحياتية، نسأل الله تعالى أن تكون فى ميزان حسناته». مركز الأزهر للمؤتمرات أنشأ الإمام الراحل «مركز الأزهر للمؤتمرات» هذا المبنى الضخم المتعدد القاعات والحجرات والمميزات قد أصبح على رأس الأماكن التى تقام فيها أهم المؤتمرات والمحاضرات فى المناسبات وقد تكلف بناء هذا المبنى أكثر من خمسين مليون جنيه، وقد تم افتتاح هذا المبنى المتعدد الأغراض سنة 1998 م بعد أن ظل مجرد مجموعة من الأعمدة الخرسانية أكثر من عشرين سنة. الاهتمام بالمعاهد اهتم طنطاوي، بالمعاهد الأزهرية فزاد عددها زيادة مطردة مع التحسين والتنظيم لها كما اهتم بالمناهج التى تدرس بها فأنشأ اللجان العلمية التى تراجعها وتضيف إليها أو تحذف منها ما تراه مناسبا لإعداد الطالب الأزهرى الفاهم لما يجب عليه من أمور دينه ودنياه. وقد أثمرت هذه الجهود القوانين التى سوت بين الطالب الأزهرى وبين طلاب مدارس التربية والتعليم فى دخول الكليات العسكرية وكلية الشرطة. من أقواله قال الإمام الراحل، إن عدم وجود إعلام إسلامى متميز قادر على الرد على اتهامات أعداء الإسلام هو السبب الرئيسى فى ازدياد الحملات المناهضة للعالم الإسلامي. ويجب علينا أن نتنبه إلى أن هناك عوامل ترسخ الصورة المشوهة عن العرب والمسلمين فى الغرب ومنها الدعاية الصهيونية المغرضة ومؤلفات المستشرقين الحاقدين على الإسلام وحضارته العظيمة لذا فإن المسئولية تحتم علينا - أفرادا ومؤسسات أن نتصدى لذلك كله بالمنطق والعقلانية بعيدا عن العصبية والمهاترات. الرحيل أثيرت حول الإمام الأكبر موجة من الانتقادات السلفية حول كثير من مواقفه وفتاواه، إلا أن رحيله فى 10 مارس 2010 م، عن عمر يناهز 82 عامًا، إثر إصابته بنوبة قلبية تعرض لها فى مطار الملك خالد الدولى عند عودته من مؤتمر دولى عقده الملك عبدالله بن عبدالعزيز لمنح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام للفائزين بها عام 2010، أخرست كثيرا من الألسنة خاصة بعدما تم دفنه بمنازل الصحابة والتابعين بمقابر البقيع بالمملكة العربية السعودية، حيث صلى عليه العشاء بالمسجد النبوى الشريف بحضور أمير المدينةالمنورة الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز، والمشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع، نائبًا عن الرئيس الأسبق حسنى مبارك، قبل أن يوارى جسده التراب بمقبرة البقيع، وصلى عليه صلاة الغائب فى المحافظات المصرية، كما نعاه العالم الإسلامى أجمع.