تميز بتواضعه الجم مع كل المحيطين به سواء فى دائرته الخاصة أو فى الدائرة العامة، وهو تواضع جمع معه عزة النفس وشموخ العالم الذى يرى أن على العالم أن يكون صورة دالة على حقيقة دينه، وكان ينظم وقته تنظيما دقيقا لا يتخلف أبدا فى أى يوم من الأيام، حيث كان يبدأ يومه منذ طلوع الفجر، ويذهب مبكرا إلى مكتبه فى المشيخة قبل مواعيد الموظفين، مما جعل منه قدوة حسنة فى الوفاء بالعهد فى العمل. إنه الإمام الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر السابق، الذى يعد بحق من الأئمة المجددين الذين خاضوا معارك فكرية كثيرة ومتعددة، حيث قدم اجتهادات جديدة لاقت قبولا وعالجت مشكلات حياتية، وفي الوقت نفسه لاقت اعتراضات، كما قام بتطوير الدراسة بالأزهر الشريف مرتين لتواكب التطورات والعصر الحديث، وهو ما لاقى استحسانا أحيانا ولاقي كذلك معارضة. ويعتبر الامام الراحل أحد أبرز علماء الأزهر، حيث تميز بكونه عالم دين معتدلا، كما أصدر خلال فترة توليه دار الإفتاء في مصر العديد من الفتاوى التي أثرت العالم الإسلامي، وله إسهامات متعددة في العمل الديني، حيث قام بتفسير مبسط لسور القرآن، وله حديث إذاعى على شبكة القرآن الكريم «مع القرآن» فسر فيه آيات القرآن الكريم بطريقة سهلة ميسرة. ولد الدكتور محمد سيد طنطاوي يوم 28 أكتوبر لعام 1928م في قرية سليم الشرقية بمحافظة سوهاج، تعلم وحفظ القرآن ثم حصل على الليسانس من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1958م، عمل بعدها كإمام وخطيب في وزارة الأوقاف عام 1960م، وعقب حصوله على درجة الدكتوراة في الحديث والتفسير عام 1966م تم تعيينه مدرسا في كلية أصول الدين عام 1968م، ثم تدرج في عدد من المناصب الأكاديمية بكلية أصول الدين في أسيوط حتى انتدب للتدريس في ليبيا لمدة 4 سنوات، وفي عام 1980م انتقل إلى السعودية للعمل كرئيس لقسم التفسير في كلية الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية، عين مفتيا للديار المصرية في 28 أكتوبر 1986م حتى تم تعيينه في 27 مارس 1996م شيخًا للأزهر. قدم الإمام الراحل، التراث فى مؤلفاته تقديما جديدا يلائم قراء العصر، فله على سبيل المثال، «التفسير الميسر»، الذى كتبه بأسلوب سهل ومبسط، وأيضا «الفقه الميسر»، الذى قدمه للناس وجمع فيه بين المذاهب الفقهية وقدمه للقراء بلغة عصرية سهلة مفهومة بعيدة عن اللغة التى كتبت بها المؤلفات القديمة، ولكن بطريقته الرصينة، كما قدم «الوسيط فى الفقه الميسر» لطلبة المعاهد الأزهرية حتى يكونوا على علم بكل الآراء الفقهية، فكان مجددا بحق، كما أنه باشر بنفسه بناء مشيخة الأزهر، منذ ان كانت أساسا على الأرض، حيث كان يتابع العمل لحظة بلحظة، الى ان تم بناء المشيخة التى نراها الآن، والأمر نفسه مع مبنى دار الافتاء، وأيضا مركز الأزهر للمؤتمرات، الذى توقف البناء فيه سنوات متعددة، الى ان جاء فضيلته فتابع بنفسه إكمال بناء المركز من خلال المتابعة اليومية الى ان أصبح بالصورة الشامخة حاليا فى مدينة نصر بالقاهرة، وهذه المعالم تحسب لفضيلته وتذكر له وتحكى شخصيته التى تعددت مواهبها فى جميع المجالات العلمية والحياتية. كان -رحمه الله- عاشقا للأزهر الشريف، يتفانى فى العمل من أجل تنميته وبنائه وتقدمه، وقد أنشئ فى عهده الكثير والكثير من المعاهد الأزهرية، وكان يحرص دائما على التواصل مع إخوانه من العلماء وارتباطه بهم واستشارتهم وأخذ رأيهم فى كثير من الأمور المتعلقة بالأزهر، وكان ودودا محبا للعلماء، وعالما متواضعا، لا يتعالى على أحد وإنما يترك بابه مفتوحا لكل من يأتى اليه سواء من العلماء او العاملين فى المشيخة وايضا من المواطنين، حيث كان ميسرا وليس معسرا فى شئون خدمة الجميع. وفي 10 مارس 2010م توفي الامام الراحل عن عمر يناهز 81 عاما، إثر نوبة قلبية تعرض لها في مطار الملك خالد الدولي بالسعودية عند عودته من مؤتمر دولي، لمنح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام للفائزين بها، ودفن في مقبرة البقيع، فكانت بحق مسك الختام، لعالم جليل قدم الكثير لأمته ووطنه وتلاميذه وأهله.