سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
السلاح الخفي في نصر أكتوبر.. الخطاب الإعلامي أعاد الثقة المفقودة بعد النكسة وألهب مشاعر الجماهير.. مراسل حربي: شاركت في 3 معارك.. والذكريات تسعد بقدر ما تدمي
ضربت الصحافة والإعلام المصري المثال في تجسيد المشهد العظيم لحرب أكتوبر، فحفلت الصحف بعشرات المانشيتات البديعة التي انهالت بصورة يومية يرافقها البيانات التي بثت عبر الإذاعة المصرية، ولم يقتصر دور الصحافة على وصف مشهد العبور على المستوى المحلي وإنما تعدى هذا إلى المستوى الإقليمي والعالمي فقد أفردت الصحف العالمية مساحات للحديث عن انتصار أبطال مصر في حرب 73. وفي هذا السياق كان من الضروري أن يكون هناك حديث حول الدور الذي لعبته الصحافة خلال حرب أكتوبر مع استعراض لأبرز المشاهد التي مثلت السمت العام لتلك المرحلة المهمة من تاريخ الوطن. دور المراسلين الحربيين محمود مراد مراسل حربي، عاصر حرب أكتوبر، كان يعمل مراسلا حربيًا لجريدة الأهرام لمدة 13 عامًا عاصر خلالها حرب النكسة مرورًا بحرب أكتوبر، يقول "الذكريات عن حرب أكتوبر وما قبلها بقدر ما تسعد بقدر ما تدمي وهذا شعور لا يعرفه إلا من كابد واعتصرته التجربة فعرف وتنفس معنى التضحية بالعرق والدموع والدم". يؤكد أن الأقدار ساقته إلى المجال العسكري ولم يكن هذا رغما عنه بل كان محببًا له لافتًا إلى أن الحروب الثلاثة التي عاصرها لا تعكس سوى الإبداع المصري والشهامة العربية المشتركة. ويروي مراد أنه يوم 6 أكتوبر كان يوم عمل روتيني بالنسبة له وللجميع حيث توافق مع يوم العاشر من رمضان، وكانوا صائمين ولكن في الساعة 1.30 ظهرًا سمعوا بيان في الراديو وفي التليفزيون يقول أن مدفعية العدو الإسرائيلي تطلق النار على موقع الزعفرانة في قطاع البحر الأحمر. وتابع: بدأنا نقلق ونجري اتصالات لمعرفة أي معلومات للحصول على إجابة شافية ولم نعرف شيئًا إلا أنه بعد أقل من ساعة صدر البيان الأول من بيانات حرب أكتوبر المجيدة والذي نص على أنه في الدقيقة الخامسة بعد الساعة الثانية انطلقت 222 طائرة من طائرات القوات الجوية المصرية وعبرت قناة السويس حيث هاجمت مراكز القيادة ومخازن الأسلحة والذخيرة ومهابط الطائرات الخاصة بالعدو وعادت كل الطائرات سالمة إلى قواعدها بعد تحقيق مهماتها فيما عدا طائرتين منهم طائرة الطيار عاطف السادات شقيق الرئيس أنور السادات. ولفت إلى أنه بعد ذلك وبعد عودة الطائرات بدأت نيران المدفعية وسط صيحات "الله أكبر" التي كان يرددها الجنود وبعد 6 ساعات كان علم مصر يرفرف فوق خط بارليف ولم يتجاوز عدد الشهداء 600 شهيد رغم أن بعض التوقعات كانت تقول بأنه سقط 20 ألف شهيد. الدكتور عبدالقادر حاتم وفي تصريحات للدكتور عبدالقادر حاتم نائب رئيس الوزراء، وزير الإعلام الأسبق، حول حرب أكتوبر، جاء فيها "طبقت بنجاح خطة الإعلام أثناء الحرب وهي الجزء الثاني من الخطة فجمعت رجال الإذاعة والتليفزيون الساعة 12 ظهر يوم السبت 6 أكتوبر 1973 وكان البيان الأول قد أعد في قيادة القوات المسلحة وطلبت من المذيعين عمل بروفة لإذاعة البيان، ووضعت الخطوط الرئيسية في هذه الخطة على نحو الآتي: 1- لا خطابة ولا إثارة ولا حماس بالنسبة لكل البيانات العسكرية، فالإعلام هو لنقل الأخبار وليس من عمله صنع الأخبار ومن المهم أن يتفادي كل أخطاء إعلام 1967. 2- تقتصر إذاعة البيانات على المذيعين فقط، ولا داعي لأن تقوم المذيعات بالإذاعة خشية الانفعال، خصوصا وقد تقع أحداث ليس بها انتصارات فيصعب عليهن التحكم في مشاعرهن، وقد سمحت بإذاعة المذيعات للبيانات بعد يوم 10 أكتوبر بعد أن تحقق النصر 3- إذاعة الأغاني الهادئة مثل "على الربابة أغني" وأضاف وزير الإعلام الأسبق: استعان الإعلام المصري في حرب 1973 بمبادئ الإعلام الإسلامي، متخذا من الحديث الشريف "اسْتَعِينُوا عَلَي قَضَاءِ حَوَائِجِكُمْ بِالْكِتْمَانِ" أسلوبا لتحقيق المفاجأة الاستراتيجية في الحرب. الدكتور محمد حاتم، الخبير الإعلامي الذي وضع البنية الأساسية للإعلام المصري في الخمسينات وأنشأ أول وكالة للأنباء وأقام ماسبيرو في الستينيات صاحب كتاب "دور الإعلام فى تحقيق المفاجأة الاستراتيجية"، قال في أحد تصريحاته "بعد حرب 1967 غابت الثقة بين الشعب المصري من ناحية وبين أجهزة ووسائل الإعلام من ناحية أخرى خاصة أنه خلال تلك الفترة أذاعت وسائل الإعلام الكثير من الأكاذيب حول انتصارات الجيوش العربية وهو ما رأه الجميع بمثابة أكاذيب حاولت أن تنسجها وسائل الإعلام". واستدرك: لكن مع قدوم حرب أكتوبر وضعت وسائل الإعلام المصرية لنفسها دستورًا تنتهجه وهو منع بث أي معلومات مغلوطة وكانت إحدى أولوياتي هي استعادة ثقة الشعب في الحكومة وفي وسائل الإعلام الوطنية وعلي هذا الأساس جرى الإعداد والتخطيط الذي حقق النصر وكان إعلام أكتوبر سندا وعونا في نجاح الجهد الدبلوماسي والأداء العسكري في تحقيق النصر النهائي. مانشيتات الصحف القومية 1- جريدة الأهرام على المستوى المحلي نجد أن الصحافة المصرية قبيل اندلاع حرب أكتوبر بيوم واحد برزت داخلها العديد من المانشيتات التي تشير إلى اقتراب عاصفة هائلة من المقرر أن تعصف بالأجواء فنجد جريدة الأهرام التي كان يرأس تحريرها الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل تقول في أحد صفحاتها يوم 5 أكتوبر " توتر حاد على الجبهة السورية يهدد بالانفجار في أي وقت" كما نشرت عنوان آخر يقول "إعلان الطوارئ بين كل وحدات المقاومة" والقوات السورية تقف في استعداد كامل لرد أي هجوم للحشود الإسرائيلية المتزايدة. وفي يوم 6 أكتوبر نشرت جريدة الأهرام مانشيت "التوتر يشمل كل جبهات القتال ويشتد في قناة السويس" وعنوان آخر كان يدل على التوتر الذي سبق انطلاق الحرب، حيث يقول العنوان "إسرائيل تغطي حركاتها العسكرية لتصعيد المواقف بإذاعة أنباء عن نشاط عسكري مصري في القناة" وفي يوم 7 أكتوبر كانت الأهرام تحدثت عن نجاح قواتنا المصرية في عبور القناة تحت مانشيت كبير بالصفحة الأولى يقول "قواتنا عبرت القناة واقتحمت خط بارليف"، "معارك ليلية عنيفة بالدبابات في سيناء بعد نجاح عملية العبور الضخمة". جريدة المساء: وفي ذات اليوم كان العنوان داخل جريدة المساء " "ديان يقول: إغلاق مركز شيناو كارثة لإسرائيل، حشود إسرائيلية على الجبهات السورية والأردنية واللبنانية والكونجرس يحدد سلطات الرئيس الأمريكي في إعلان الحرب". ونشرت يوم 7 أكتوبر العناوين "قواتنا تواصل تقدمها في سيناء"، القوات المصرية تتدفق عبر قناة السويس وتواصل تقدمها صباح اليوم والاشتباكات الأرضية والجوية مستمرة، تدمير 5 قطع بحرية للعدو و27 طائرة و60 دبابة و115 موقعًا حصينًا وأسر عدد من جنود العدو، والقوات السورية تواصل تقدمها في هضبة الجولان وتسقط 10 طائرات وتغرق 4 قطع بحرية". أما جريدة الجمهورية فقد نشرت يوم 6 أكتوبر العناوين "إسرائيل في ذهول" و"قرار زائيري بقطع العلاقات مع إسرائيل ينزل كالصاعقة علي الحكومة الإسرائيلية التي لم تفق حتي الآن من ضربة فيينا" و"إيبان يفقد أعصابه ويتهم الرئيس موبوتو بالخيانة وصحف إسرائيل تطالب الحكومة بتحديد حجم مساعداتها لإفريقيا". وفي يوم 7 أكتوبر صدر للجمهورية المانشيت " يوم 7 أكتوبر قواتنا تقاتل الآن فوق سيناء" و"قواتنا تصد عدوانا إسرائيليا ثم تقتحم القناة علي طول المواجهة وترفع العلم المصري فوق الضفة الشرقية". جريدة الأخبار عناوينها هي الأخرى دارت بطبيعة الحال في نفس الفلك فنشرت يوم 7 أكتوبر "عبرنا القناة ورفعنا علم مصر" و"إسرائيل تعترف بنجاح العبور المصري وتدفق المدرعات المصرية في سيناء"، استولت قواتنا على معظم الشاطئ الشرقي للقناة وتواصل القتال بنجاح، قواتنا البحرية تدمر الأهداف الهامة للعدو علي ساحل سيناء الشمالي، المقاتلات المصرية تضرب مواقع العدو وتتصدي لهجوم جوي كبير، القوات السورية تقتحم مواقع العدو وتحرر جبل الشيخ وعدة مراكز بالجولان".