أكد الأديب والروائي الكبير بهاء طاهر، أن التصويت ب "نعم" للدستور الجديد يعني نجاح ثورتي 25 يناير و30 يونيو وخارطة الطريق التي يدعمها الشعب المصري، مشيرا إلى أن مشاركة الشعب في الاستفتاء على الدستور تقضي على أنصار الإرهاب إلى الأبد، مبينا - في الوقت نفسه - أن جماعة الإخوان الإرهابية ستسعي كثيرا لعرقلة عملية الاستفتاء، وأن الشعب المصري سيتصدي لها بكل قوة. وأوضح طاهر - في حواره مع "البوابة نيوز" - أن الدستور الجديد متوازن ويحقق أهداف الشعب المصري من ثورته، بعكس "دستور الجماعة الإرهابية" الذي قسم الشعب المصري إلى طوائف ولم يحقق سوى أهداف العشيرة فقط، موضحا أن الدستور حدّد نسبا مئوية من الدخل القومي الإجمالي للدولة لصالح الصحة والتعليم والبحث العلمي، بشكل لم يكن متواجدا في أي دستور مصري من قبل، وإلى نصّ الحوار.. * في البداية.. كيف ترى عملية الاستفتاء على الدستور الجديد؟ - الاستفتاء على الدستور الجديد عمل تاريخي بالنسبة لمصر، وسيكون بمثابة فارق بين عهدين، وفارق بين مرحلتين في تاريخ مصر، مرحلة شهدت انعدام استقرار وإرهابا وكثيرا جدا من العوامل السلبية، وبعد الاستفتاء على الدستور ستنصلح الأمور، وسيوجد نوع من الاستقرار الذي سيقود مصر إلى الوقوف على قدميها مرة ثانية، وبمجرد نجاح الاستفتاء والخروج بالدستور إلى النور سينتهي أنصار الإرهاب إلى الأبد، وستتقدم مصر بخطى حثيثة لتحقيق الأهداف التي حدّدتها خارطة الطريق التي قامت من أجلها ثورتا 25 يناير و30 يونيو من عيش وحرية وعدالة اجتماعية. * هل تعتقد أن هناك ما يميز هذا الدستور عن "دستور الجماعة"؟ - ما يميز هذا الدستور - في رأيي - هو أنه متوازن ما بين الحقوق والواجبات ويحقق الأهداف، بعكس "دستور الجماعة" الذي فتّت النسيج المصري إلى طوائف ولم يحقق سوى أهداف "العشيرة" فقط، فعندما تحدث عن التعليم لم يذكر سوى كلمات الإنشاء التي تعودنا عليها كالنهوض بالتعليم، كما يوجد توازن بين السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، في الدستور الجديد، فلا توجد سلطة تطغى على السلطتين الأخريين. * وهذا لم يحدث في دستور 2012؟ - بالطبع.. فالدستور السابق كان يعطي لرئيس الجمهورية سلطات إمبراطورية، فيستطيع أن يفعل ما يشاء، وقد حاول الرئيس الإخواني أن يستغل هذه السلطات عندما أصدر الإعلان الدستوري الذي حصّن قراراته حتى لا توجد أيّة وسيلة من وسائل التقاضي أو أيّة وسيلة للطعن عليها، وكان يتصرف وكأنه شيء شاذ في التاريخ، ولم يكن من الممكن أن يقبلها الشعب المصري، وكانت من أهم أسباب سقوطه، لكن الدستور الجديد متوازن جدا في توزيعه ما بين السلطات الثلاثة. * وما أكثر المواد التي لفتت نظرك في الدستور الجديد؟ - في المجمل العام، مواد الدستور ابتعدت عن الصياغة الإنشائية عبر بنود محدّدة وواضحة، فعلى سبيل المثال لم يذكر النهوض بالتعليم، وإنما يؤكد على أن يحصل على نسبة محددة تصل إلى 4 % من إجمالي الناتج القومي، أو نسبة مئوية معينة من الناتج القومي إلى أن يصل إلى النسبة العالمية، والصحة 3% من الناتج القومي، أي أن الاشياء محددة جدا في الدستور الجديد، وهذا غير مسبوق في تاريخ الدساتير المصرية منذ دستور 1923 وحتى الآن، كما يؤكد ذلك أيضًا أنه يحدّد الأهداف ويرسم الطريق نحو تحقيق هذه الأهداف. * أفهم من ذلك أنك ستقول نعم للدستور؟ - بالتأكيد "نعم للدستور". * برأيك.. إلى أين يمكن أن تصل بنا "نعم" وإلى أين تصل بنا "لا"؟ - بالتأكيد رفض الدستور معناه أن نستمر في حالة عدم الاستقرار التي يسرح فيها الإرهاب ويمرح، وستصل بنا إلى عدم التقدم خطوة على طريق المستقبل، في حين أن كلمة "نعم" ستعد خطوة على طريق المستقبل، وأعتقد أنه لهذا السبب فإن الجماعات الإرهابية والتكفيرية لا تريد أبدا أن يخرج المصريون للتصويت في الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، ويريدون عرقلة العملية كلها، وستروّج بدلا من المقاطعة، الدعوة إلى التصويت ب "لا"، ولو استطاعوا أن لغوا هذه الصفحة من التاريخ لن يتردّدوا، ولكن هذا لن يحدث أبدا لأن الشعب المصري سيتصدّى لهم ولن يسمح لهم بفرض إرادتهم عليه، لذلك أعتقد أنه سيكون هناك نوع من التحدي للنزول في الاستفتاء، وبالتعبير عن الموافقة على الدستور كنوع من الرد على الجماعات الإرهابية. * هل تعتقد أن المصريين سيخرجون للمشاركة في الاستفتاء مثل خروجهم في دستور 2012، أم أن نسبة المشاركة ستختلف؟ - حقيقة الأمر أنا لا أحب الرجم بالغيب والتكهن بالمستقبل، لكن معرفتي بالتاريخ المصري تقول إنه كلما زاد التحدي زادت نسبة الاستجابة المصرية، ومنذ أول تحدٍّ واجهه المصريون، وهو نهر النيل الذي كان عبارة عن مستنقعات وقنوات ومجارٍ، فكانوا أول شعب في الدنيا روّض هذا النهر وجعله صالحا للزراعة وصالحا للتحديات الكبيرة، لذلك يذكر المؤرخون دائمًا أن أهم شيء فعله المصريون عبر التاريخ هو أنهم قدموا الاستجابة الصحيحة مع التحديات الكبيرة، مثل النهر العاصي غير المروض، وتوجد بلاد أخرى بها أنهار ولكنها لم تنجح في ترويض هذه الأنهار كما نجح الشعب المصري في ترويض نهره، وهناك تحدٍّ آخر في حرب 1973، ففي نكسة 1967 كان المراسلون الأجانب والمحللون السياسيون يؤكدون استحالة عبور مصر لهذا الحاجز المائي وللساتر الترابي الذي يليه، ووصفوا الانتصار بالتحدّي الكبير، هذا التحدي الكبير هو الذي جعل الاستجابة المصرية كبيرة وصنع الانتصار، هذه ميزة الشعب المصري، عندما يكون التحدي جسيما تكون استجابته قوية وموجّهة لمثل هذه المواقف. * رغم حالة العنف في الشارع المصري، والعمليات الإرهابية التي زادت في الفترة الأخيرة، خاصة أن العمليات الإرهابية تشعّبت في كل أنحاء مصر؟ - على العكس تماما.. فهذا يعني أن التحدي يزيد، فكلما زادت العمليات الإرهابية أو زادت حالة العنف التي تمارسها جماعة الإخوان الإرهابية في الشارع، كانت استجابة المصريين للاستفتاء أكثر وأقوى، وأنا لا يمكن أن أنسى رجلا قال لي إنه إذا وجد الإخوان واقفين على اللجان بالمدفع سيدخل حتى يدلي بصوته، هذا هو المصري الحقيقي. * ألا ترى أن ما يفعله الإخوان مجرّد رقصة الوداع؟ - هذا ما أقوله وأؤكده، فالاستجابة الكبيرة هي الردّ عليهم، وشخصيا أتوقع النزول للاستفتاء بأعداد هائلة. كما أن اليهود قد ركّزوا على الهولوكوست في الصحف العالمية، يركز أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية على كلمتي الانقلاب ورابعة في نفس الصحف، من وجهة نظرك الأدبية ماذا تريد الجماعة من ذلك؟ - هذا الأمر واضح وضوح الشمس، فهم لا يريدون أكثر من تنفيذ المخطط الأمريكي في المنطقة، فأمريكا فوضت الإخوان لتنفيذ مشروع "الفوضى الخلاقة"، ورغم فشل الجماعة الإرهابية في ذلك إلا أنها ما زالت تحاول تنفيذ المخطط الأمريكي. * لكن المخطط سقط بالفعل؟ - لكنهم ما زالوا يحاولون، لأنهم إذا سلّموا بأنه سقط كانوا قد كفّوا عن أعمالهم وصمتوا، لكنهم ما زالوا يحاولون ويريدون أن يعود المعزول محمد مرسي مرة ثانية حتى يبدؤوا من نقطة الصفر، وذلك لن يحدث. * في تاريخ مصر مع الثورات منذ الملك بيبي الثاني عام 2184 قبل الميلاد وحتى هذه اللحظة، لم يخرج أحد بثورة ويعود، والجماعة تعلم ذلك حتى أنهم استغنوا عن "مرسي" في خطاباتهم؟ - لم يستغنوا عن "مرسي"، هم ما زالوا يقولون إن "مرسي" سيعود، رغم أنهم تنازلوا عنه فعليا، لأنه أصبح "ورقة محروقة" بالنسبة لهم. * إذن ماذا يريدون الآن؟ - يريدون العودة إلى الحكم أو إفساد الحياة في مصر، حتى يقارن الشعب المصري بين الفترة الكئيبة السوداء التي حكمت فيها جماعة الإخوان الإرهابية وما بعدها، حتى يمكنهم الحصول على نقطة لصالحهم من المصريين. * عاصرت الفترة الأولى من صدام الشعب المصري مع الإخوان في عصر عبد الناصر، بعض المحللين أكدوا أن التعامل بالعنف ومحاولة إقصاء الجماعة كانا سبب انتشار الجماعة، ألا ترى أن هذا السيناريو يتكرر مرة أخرى؟ - الحقيقة كنت قد كتبت مقالا نشر سنة 2005 وموجود في كتابي "أبناء رفاعة"، وطرحت فيه سؤالا وهو كيف وصلنا إلى الإخوان؟، أولا أنا مختلف معك في السرد التاريخي، لأن الإخوان كانوا قد اندثروا بالفعللا لولا أن الرئيس الراحل أنور السادات أعادهم من السجون، ولكن ليست هذه هي المشكلة، المشكلة الحقيقية تكمن في أنه لا يمكنك القضاء على أي فكر إرهابي إلا بفكر مضاد له، أي يجب أن يوجد حزب قوي جدا يقول فيه أفكار معادية أو مضادة لأفكار الفكر الإخواني، وهذا لم يحدث على الإطلاق، ولا بدّ أن يكون هناك نوع من المعارضة الفكرية القوية والمناهضة لأفكار الجماعة الإرهابية. * وماذا عن المواجهات الأمنية؟ - مقاطعا.. محاربتهم فكريا ستقضي عليهم وتجعلهم بلا أنياب حقيقية، خاصة وأن أيّة مواجهة فكرية حقيقة ورصينة سيخسرونها.