اشتهر الأديب محمد حسين هيكل بروايته «زينب» التى صنعت جدلا كبيرا، وأوجدت حالة من الثورة الأدبية فى فن كتابة الرواية والقصة، وتميز أيضا بكتاباته السياسية والفكرية البليغة، بالإضافة لتميزه فى الكتابات الإسلامية التى تستند للعقل وجرأة البحث، فكتب السيرة النبوية من منظور عقلى تأملى تحت عنوان «حياة محمد»، وقد قدم للكتاب شيخ الأزهر الشيخ مصطفى المراغي، وفيها استمد هيكل السيرة من مصادرها الأولى ونفى الكثير من الخرفات التى وضعت على نبى الإسلام الكريم، ولقد كتب أيضا «الصديق أبوبكر» و«الفاروق عمر». ويتناول كتاب فى منزل الوحى الموضوع من خلال ستة أبواب وخاتمة، الأول فى فرض الحج، الثانى فى البلد الحرام، الثالث فى الطائف وآثارها، الرابع فى بين الحرمين، الخامس فى مدينة الرسول، السادس فى أوبة الرضا. وفى فصل له بعنوان «دخلت الكعبة» يحكى هيكل عن فراغه من أداء فريضة الحج، ورغبته فى دخول جوف الكعبة، وكانت تفتح قديما أمام الزائرين فى أوقات محددة، فيحتشد الناس لدخول المكان الطاهر والمقدس، وقد انتظر هيكل حتى غادر الحجيج أم القرى، فدخوله الكعبة وسط زمرة الناس قد تلهيه عن أجواء التأمل والتفكير والخشوع فى حضرة البيت الحرام، وظل ينتظر حتى جاء سادن الكعبة ذات مرة بتسهيل من صديق له، فوضع السلم وصعد ففتح الباب وصعد خلفه هيكل. يقول واصفا تلك الزيارة: «وقف السادن بالباب وأشار لي، فتقدمت نحو هذا الدرج الذى يوضع كلما فتحت الكعبة ويرفع بعد تمام زيارتها، تقدمت ممتلئ النفس خشوعا وإكبارا، وأنا أعلم مما قرأته بأن الكعبة ليس بداخلها شيء منذ أن طهرها النبى العربى من الأصنام يوم فتح مكة.. كان شعورا قويا عميقا آخذا بمجامع القلب صادرا من أعماق الروح، ملك على كل وجودى فجعلنى أتعثر فى مشيتى وأنا أخطو إلى الدرج وما أكاد أرفع بصرى إلى باب الكعبة وكيف لا يأخذنى الخضوع والإكبار وأنا أصعد إلى بيت الله وأنا أؤمن بأن الله أكبر من كل كبير فى الأرض أو فى السماء». ولقد وقف هيكل متأملا كل ذلك التاريخ الذى شهدته مكة فقد هاجر منها النبى ولاقى ما لاقاه من جفوة أهلها وصدهم وفتحها دون أن يريق الدماء وعفى عن أعدائه وخصومه وأعطى مفاتيح البيت الحرام إلى بيت بنى شيبة لا ينزاعهم فيها إلا ظالم. فصلى فى الموضع الذى صلى فيه رسول الله عندما دخلها وصلى فى المواضع التى صلى فيها الخلفاء الراشدون من بعده، ووصف جدرانها البسيطة والخالية من بهارج الزينة ومختلف الألوان فكانت بساطة تليق بنبى التوحيد فهى عقيدة تدعو للصفاء وتزيل كل ما يعلق بالبال ويشغل النفس عن جوهر تلك العقيدة السامية. ووصف «هيكل» تلك الأعمدة الخشبية الموجودة بالداخل والتى بقت من تجديدات عبدالله بن الزبير للكعبة فى الزمان القديم، والأستار المذهبة التى غطت تلك الجدران البسيطة، واستعاد تاريخ بناء الكعبة من زمن القبائل العربية القديمة جرهم والعماليق بعد إبراهيم عليه السلام وذكر الخلاف حول من قام بالتجديد بعد النبى إبراهيم عليه السلام ورجح أنه قصى بن كلاب جد النبى الذى جعل سقفها من خشب الدوم وجريد النخل. وقد مزج «هيكل» فى كتابه بين وصف الواقع وطريق الحجاج والطواف والكعبة والمدينة والطائف فقد مزج كل هذا باستعادة اللحظات التاريخية المناسبة للحدث مع ذلك الحس الصوفى النقى الذى يتناول به تلك الشعائر الدينية.