"قضايا الفساد المالي.. ورفض مشروع قانون لإحكام السلطة على القضاء.. اتساع الهوة مع الرئيس عبد الله جول.. وتصاعد حدة التظاهرات في الشارع التركي.. وتهديدات كولن "أسباب تضع المستقبل السياسي لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على المحك وتجعله على وشك توديع أحلامه السياسية التاريخية من تزعم إمبراطورية إخوانية، وذلك قبل أشهر من انتخابات تكاد فيها حظوظه أن تتلاشي علي الإطلاق. ففي أحدث ضربة لجهود رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في احتواء الفضيحة المالية اعتبر المجلس الأعلى للقضاء مشروع الإصلاح الذي قدمته الحكومة غير دستوري. وقال المجلس في بيان له إن "الاقتراح يخالف مبدأ دولة القانون"، وندد برغبة الحكومة التي تشهد فضيحة سياسة - مالية ظهرت قبل ثلاثة أسابيع بما وصفه بالمساس "باستقلاليته". وكان أعضاء البرلمان التركي قد اشتبكوا بالأيدي وتراشقوا بزجاجات المياه أمس أثناء مناقشة القانون المقترح والذي يمنح صلاحيات للحكومة في تعيين القضاة وممثلي الادعاء، حيث قفز أحد النواب على طاولة وأخذ يركل برجله في الهواء في حين تشاجر آخرون وتبادلوا اللكمات بينما تطايرت في الهواء ملفات أوراق وعبوات مياه بلاستيكية بل وأيضا جهاز آي باد. ويأتي ذلك في الوقت الذي وصلت فيه الخلافات القائمة بين حركة فتح الله كولن وحزب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ذروتها وأصبحت تهدد بتقويض قاعدة التأييد لحزب العدالة والتنمية، حتي أن مجلة دير شبيغل الألمانية نشرت معلومات تؤكد أن التهديد الأكبر الذي يتعرّض له أردوغان في الوقت الحالي آتٍ من حليفه السابق كولن. فرغم التحالف الذي ظل قائمًا لمدة طويلة بين كولن وأردوغان، إلا أن الأوضاع ساءت خلال الأشهر الأخيرة بين الطرفين، بعد إعلان أردوغان عن أنه سيقوم بإغلاق كل مراكز الدروس التي تديرها حركة كولن، واتهم أردوغان أنصار كولن بأنهم يقومون بإنشاء "دولة داخل دولة"، متهما حركة كولن بالتحكم في الشرطة والنظام القضائي. فيما هددت الحركة بأنها تمتلك قدرًا كافيًا من الوثائق الفاضحة التي ستعمل على الإطاحة بأردوغان في الصراع الذي لن ينتهي قريبًا. وفي ظل هذه الأزمات السياسية التي يواجهها رئيس الوزراء التركي، اغتنم الرئيس التركي عبد الله جول الفضيحة السياسية والمالية التي تهز الحكومة ليبرز ما يميزه عن رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، الى حد بات يظهر في موقع المنافس له قبل ثمانية اشهر من الانتخابات الرئاسية، فبينما يحمل اردوغان بإسهاب في خطب طويلة على جميع أعدائه ويتهمهم بمحاولة إطاحته وبزعزعة استقرار البلاد، يلزم غول الصمت ولا يخرج عنه الا الدعوة الى التهدئة والجمع بين الأتراك. وكما أظهر جول أنه يتبع منهجا مختلفا عن أردوغان، مؤكدا في أكثر من مناسبة أنه "لن يغض النظر ولا يمكن غض النظر" عن الفساد، كما أعلن في الأول من يناير الجاري أثناء حملة التطهير الشديدة التي استهدفت الشرطة والقضاء أنه"علينا أن نمتنع عن كل المواقف والتصرفات التي قد تضر بدولتنا دولة القانون الديموقراطية". وعلي الرغم من أن جول واردوغان لطالما كانا رفيقا درب واحد وأسسا معا حزب "العدالة والتنمية" في 2001، لكن مع انتخاب جول رئيساً في 2007، بدأ مسارهما يتباعدان تدريجياً حتي أن خلافاتهما ظهرت جلية في يونيو الماضي عندما صرح جول بأن"على قادة البلاد ان يبذلوا مزيداً من الجهود للاصغاء الى مختلف الآراء والمخاوف" عندما كانت الحكومة تنعت المتظاهرين "بالمخربين" و"اللصوص". كل هذا في الوقت الذي خرج آلاف الأتراك في أنقرة أمس للتظاهر ضد فساد حكومة "أردوغان" مطالبين إياه بتقديم استقالته احتجاجا على فساد الحكومة، واكتفى المتظاهرون برفع لافتات مكتوبا عليها "كذاب وسارق" تنديدا بفساد أردوغان ورفعوا صور دولارات مزيفة تحمل صورة أردوغان. يذكر أن الفضيحة المالية التي تواجه الحكومة الحالية في تركيا دفعت بعض الوزراء والنواب إلى الاستقالة، كما أن الاتهامات طالت نجل أردوغان نفسه وسط حملة تصفية تقودها الحكومة ضد منافسيها، حيث يتوقع الكثيرون أن تؤدى التصفيات إلى تسعير الخلافات بين الحكومة ومنافسيها.