انشغل العالم مساء الجمعة الماضى بمراقبة «القمر الدامي»، والذى وصفته وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» بأنه «أطول خسوف كُلّي» للقمر فى القرن الحادى والعشرين، حيث بلغ ولأول مرة 130 دقيقة، ومرّ القمر عبر مركز ظل الأرض، وأصبح على خط واحد خلف الكرة الأرضية والشمس، وأتاح فرصة للراصدين لرؤية كوكب المريخ، أقرب جيران الأرض، والذى ظهر فى أقرب نقطة إلى كوكبنا منذ خمسة عشر عامًا، فبدا أكثر سطوعًا بعشر مرات مما يكون عليه عادة. الخسوف واحد من الظواهر الكونية التى أثارت حيرة الإنسان منذ وقعت عيناه عليها، وعبر التاريخ، تراكمت العديد من الأساطير فى الوجدان الجمعى للبشرية حول تلك الظاهرة، ومع حدوثها كانت الشعوب تجتمع لتتلو الصلوات رهبة من مشهد القمر، الذى يتحول من أكثر الأسطح اللامعة فى السماء إلى ذلك اللون الأحمر المُنذر بالخطر، ألهم «القمر الدامي» المخيلات فى عدد من الثقافات، وتراوح تأثيره بين الرعب والتشاؤم مع الكثير من النبوءات، هناك من تحدث عن الغضب الإلهي، وآخر اعتقد فى كارثة قريبة تحل بالبشرية، فيما قرعت فرقة ثالثة الطبول بانتظار أن يحلّ السلام على العالم، فقد كان بعض الشعوب تخشى من تلك الظاهرة لأنها، حسب اعتقادهم، تسبب تشوه الأجنة والمرض، وخرجت بعض النبوءات التى تقول بهلاك الأرض عبر كارثة طبيعية. أساطير الخسوف كان العقل العربى قبل ظهور الإسلام يمتلئ بحكايات من الفلوكلور بشأن ظاهرة الخسوف الكلى للقمر، فقد ساد اعتقاد قديم بأن حوتًا قام بابتلاع القمر، وهو ما أعطاه ذلك المظهر الأحمر، فيما يعرف ب«القمر المخنوق»، وشكّلت الظاهرة مناسبة اجتماعية يتحدث حولها الناس، وفيما كان يخرج الرجال والأطفال، كانت النساء تعتلين أسطح المنازل ليشاهدن القمر المخضب باللون الأحمر، وهن يطرقن الأوانى النحاسية لإبعاد الوحش أو الحوت عن القمر. وعلى الناحية الأخرى من الكرة الأرضية، كانت قبيلة «الهبا» من الهنود الحمر، والتى سكنت شمال كاليفورنيا قديمًا، تعتقد بأن للقمر عشرين زوجة والكثير من الحيوانات الأليفة، والتى كان من بينها الأسود الجبلية والثعابين. كانوا يعتقدون أن هذه الحيوانات عندما لا تجد ما يوفره لها القمر من الطعام بما يكفى فإنها تهاجم سيدها، مما يجعله ينزف. وفى جنوب القارة الأمريكية الشمالية، تعتقد قبيلة لويزينو- التى كانت تقطن جنوب ما يُعرف الآن بولاية كاليفورنيا- أن القمر يمرض ويصبح أحمر، وهو ما يستدعى الصلوات من أجل أن يسترد عافيته. أما فى أمريكاالجنوبية، فقد كان الخسوف القمرى مدعاة للتشاؤم لدى شعوب الإنكا، القبائل التى حكمت القارة لعقود طويلة بالحديد والنار، والذين كانوا يعتقدون أن نمرًا هاجم القمر محاولًا التهامه. عاش شعب الإنكا فى حالة رعب من هذه الظاهرة، اعتقادا منها أن هذا النمر العملاق سيأتى إلى الأرض ويأكل البشر جميعًا بعد الانتهاء من القمر؛ وفى مواجهة ذلك كانوا يقرعون الطبول ويحدثون ضوضاء كبيرة ويضربون الكلاب من أجل دفعها للنباح والعواء من أجل إخافة هذا النمر وإبعاده عن القمر. ورأى المهتمون بالعقل الجمعى للبشرية أن القدماء اعتقدوا دومًا بأننا نعيش فى عالم تحكمه الشياطين، وهذا هو الوصف الذى استعمله عالم الفلك الأمريكى الشهير، كارل ساجان، لوصف عالمنا، رأى ساجان أن هذا العالم ملىء بالخرافة والكائنات الخفية التى نربط بها كل ما لا نستطيع تفسيره. فدومًا هناك كائنات خرافية شريرة تُنسب إليها الكوارث الطبيعية والأعاصير والبرق والكسوف والخسوف؛ رحلة طويلة من الخرافة خاضتها البشرية قبل الوصول إلى اعتبار الفيزياء والكيمياء علومًا خالصة لا دربًا من الهرطقة. الكسوف.. غضب الآلهة اعتبرت بعض الشعوب القديمة الكسوفَ، وهو الظاهرة العكسية التى تؤدى لاختفاء قرص الشمس، إشارة لغضب الآلهة ونذيرًا للشؤم، فكانت تبدأ فى تقديم القرابين عندما يحدث الكسوف الشمسى خوفًا من اختفاء الشمس وضيائها إلى الأبد، فيما رآه آخرون علامة لسعادة الآلهة ليصير بداية الاحتفال لديهم. اعتبرت بعض القبائل الأفريقية القديمة الكسوف صراعًا بين الشمس والقمر، واعتقدت أن الأخير يبذل كل ما فى وسعه ليصبح أجمل من الشمس، قبائل أخرى من القارة السمراء رأت فى الكسوف طلاقًا بين الشمس التى كانوا يرونها فى هيئة ذكورية، والقمر الذى كان يُمثّل الأنثى التى تهرب من الشمس وتهجره إلى عشيق آخر. وفى شمال القارة، حيث ترسخت لآلاف الأعوام الثقافة الفرعونية، اعتبر الكسوف صراعًا بين «أبوفيس»، الأفعى الشريرة فى الميثولوجيا المصرية القديمة، والتى تعتبر رمز الشر والفوضى، وبذلك فهى عدو لرمزى الخير وهما الإله «رع» المتمثل فى قرص الشمس، وماعت التى كانت تُجسّد كلًا من الحقيقة والعدل. هكذا تحاول الأفعى جاهدة إغراق المركب الشمسى الذى ينقل الشمس، إلا أنها كانت تفشل فى كل مرة. بعيدًا عن أفريقيا، اعتبرت الثقافة العربية الكسوف علامة على موت شخص عظيم أو خسارة لمعركة مصيرية. أما فى الميثولوجيا الأمريكية، فإن الهنود الحمر كانوا يعتبرون الكسوف هو سبب خلق الشعب الهندي، وتشير الأسطورة إلى أن الآلهة تنفخ الطين على ابنها الشمس- الطين سبب حجب الشمس- ليتحول هذا الطين إلى امرأة رائعة هى القمر، والتى تفر هربًا إلى السماء الشاسعة بعد رفضها الاتحاد والزواج بالشمس؛ فيما كانت الثقافة الصينية تعتبر الكسوف بداية ابتلاع التنين للشمس، لذلك كانوا يرمون الرماح فى السماء ويقرعون الطبول لإخافة التنين.