كان المفكر والأديب الراحل ثروت عكاشة وزيرًا للثقافة ونائبًا لرئيس الوزراء؛ لم يكن الرجل فقط عسكريًا يعرف التعامل مع السلاح والخطط الإستراتيجية، وإنما كذلك وضع إستراتيجية كبرى للنهوض بالثقافة المصرية، فأنشأ العديد من الصروح الثقافية، وألف العديد من الكتب في الفن والفكر والثقافة. شهدت القاهرة أولى صرخات "عكاشة" المولود في عام 1921، وانخرط في دراسته حتى تخرج في عام 1939 من الكلية الحربية، وتدرج كذلك في السلك العسكري حتى درس في كلية أركان الحرب في الفترة بين عامي 1945 إلى 1948؛ وبعد ذلك حصل على دبلوم الصحافة من كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1951، ثم درجة الدكتوراه في الآداب من جامعة السوربون بباريس عام 1960. عقب ثورة يوليو 1952 عمل عكاشة ملحقا عسكريا بالسفارة المصرية في بون، ثم تنقل في العواصم الأوروبية، فكان ملحقًا عسكريًا في باريس ومدريد من 1953 إلى 1956 وكان سفير مصر في روما من عام 1957 وحتى 1958، ثم جاء وزيرا للثقافة والإرشاد القومي في الأعوام من 1958 إلى 1962، كما كان رئيسًا للمجلس الأعلى للفنون والآداب -والذي صار فيما بعد المجلس الأعلى للثقافة- في عام 1962، فضلا عن عضويته في العديد من الهيئات الأخرى ومنها المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو في باريس من 1962 إلى 1970. استطاع عكاشة أن يحدث تغييرًا جذريًا في المشهد الثقافي في مصر أدى إلى نهضة ثقافية حقيقية خاصة على المستوى الفكري، ويراه الكثيرون الشخصية الثقافية الأولى في مصر، وكان اسمه يتردد صداه على امتداد الوطن العربي الكبير، وفى عواصم الثقافة في أوروبا، وحين تولى وزارة الثقافة في عهد الرئيس جمال عبدالناصر أنشأ هيئات تعمل على نهضة الحياة الثقافية والفنية استمرت إلى يومنا هذا، مثل المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب "المجلس الأعلى للثقافة" والهيئة العامة للكتاب، ودار الكتب والوثائق القومية وغيرها، كما أنشأ أكاديمية الفنون عام 1959 بمعاهدها الفنية المتخصصة المختلفة، وأسس فرق دار الأوبرا المختلفة مثل أوركسترا القاهرة السيمفوني وفرق الموسيقى العربية، والسيرك القومي ومسرح العرائس، وأنشأ قاعة سيد درويش بالأكاديمية لعمل الحفلات بها، ووجه اهتمامه للآثار المصرية، ووضع الأساس لمجموعة متاحف هي من أعظم المتاحف المصرية حتى الآن، كما بدأ بتقديم عروض الصوت والضوء، كما كان له دور وطني بارز من خلال إقناع المؤسسات الدولية بالعمل على إنقاذ معبدي فيلة وأبو سمبل والآثار المصرية في النوبة. حصل عكاشة على العديد من الجوائز منها وسام الفنون والآداب الفرنسي عام 1965م ووسام اللجيون دونير ووسام جوقة الشرف الفرنسي بدرجة كوماندور عام 1968 وعلى الميدالية الفضية لليونسكو تتويجًا لإنقاذ معبدي أبو سمبل وآثار النوبة، والميدالية الذهبية لليونسكو لجهوده من أجل إنقاذ معابد فيلة وآثار النوبة عام 1970م، وجائزة الدولة التقديرية في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة في 1987 وجائزة مبارك في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام 2002، ولثروت عكاشة العديد من الكتب والموسوعات الفنية تقترب من 45 كتابًا مترجمًا، من أشهرها ترجمة للشاعر جبران خليل جبران، وأعمال الروماني أوفيد، كما يعتبر كتابه "مذكراتي في السياسة والثقافة" وأيضًا مجموعة كتب "العين تسمع والأذن ترى" بأجزائها المختلفة، والتي تعبر عن الفنون في عصورها المختلفة، بمثابة موسوعة فنية متكاملة في الفن والحياة وإعصار من الشرق والقيم الجمالية في العمارة الإسلامية، وقد توفى عكاشة في 27 فبراير 2012 عن عمر يناهز 91 عامًا.