فى ذكرى إعلان استقلال «الجزائر» رسميًا فى مثل هذا اليوم، 5 يوليو من عام 1962، بعد فترة احتلال فرنسى دام 132 عامًا، وبعد اندلاع ثورة التحرير المجيدة فى الفاتح نوفمبر 1954، عرضت فضائية «المنار» مؤخرًا، فيلمًا وثائقيًا بعنوان «الثورة الجزائرية» عن الأسباب الحقيقية لاحتلال «بلد المليون ونصف شهيد» من وجهة نظر عدد من المفكرين والسياسيين الجزائريين. يبدأ الفيلم الوثائقى باستعراض إحدى الحكايات الرائجة، التى يُعتقد أنها سببًا فى تعرض الجزائر للاحتلال الفرنسي عام 1830 حتى نالت استقلالها، حيث وقف «الداى حسين» والى الجزائر، فى ساحة قصره مطالبًا القنصل الفرنسى بسداد ديون متأخرة على بلاده، فرد القنصل بعنجهية، فلوح «الداي» بمروحة فى وجهه «وسيلة تهوية»، مما اعتبرته فرنسا إهانة لشرفها، ولا يمكن محوها بأقل من احتلال البلاد: ويُعقب محمد الميلى الوزير السابق بالحكومة الجزائرية، بأن الحادثة مفتعلة؛ مشيرًا إلى أن المخطط كان موجودًا من قبل من عهد نابليون. كانت هناك محاولة للفرار من الديون الجزائرية على فرنسا، حسب وصف محيى الدين بن عميمور، الوزير السابق بالجزائر، مشيرًا إلى أن الجزائر كانت تدين فرنسا منذ حكم نابليون؛ وهو ما أكده بوعمران الشيخ رئيس المجلس الإسلامى الجزائري، فى إشارة منه للكتاب الذى صدر مؤخرًا لأحد الباحثين الفرنسيين، تحت عنوان «كيف استولت فرنسا على الجزائر»، موضحًا أن السبب الرئيسى حسبما جاء فى الكتاب، يكمن فى الاستيلاء على كنوز الجزائر التى كانت فى قصر «الداي» وغيرها من المناطق الجزائرية. إلا أن هذه الحكاية ليست الوحيدة المتداولة عن أسباب احتلال الجزائر، فهناك حكاية أخرى لصراع طويل، كانت الجزائر المسلمة طرفًا فيه، حيث تعرضت لاستهداف قارب الثأر من دورها فى الفتوحات الإسلامية، حيث كانت شريكًا فى الفتوحات الإسلامية التى وصلت إلى الأندلس، وفق ما ذكره أحمد بن محمد بحزب الجزائر المسلمة. ومن هنا وبعد انتهاء الوجود العربى الإسلامى فى إسبانيا تعرضت شواطيء وموانيء المغرب العربي، وضمنها الشواطئ الجزائرية، لهجمات متكررة من الأساطير الإسبانية والبرتغالية، ولكم يكن الفرنسيون بعيدين عن هذه الهجمات، ونجح البحاران المسلمان عروج وخير الدين برباروس، فى تشكيل قوة بحرية إسلامية مرهوبة الجانب، سرعان ما تلقت دعمًا من جيوش السلطنة العثمانية، وفرضت حضورها فى البحر المتوسط، وطردت الإسبان من بعض المناطق التى نجحوا فى احتلالها سابقًا. فى عام 1515م أصبحت الجزائر جزءًا من الدولة العثمانية، ومع الوقت تمتعت بدرجة كبيرة من الاستقلالية، على غرار الولايات العثمانية فى شمال أفريقيا، ونجحت فى بناء قوة قادرة على حمايتها وتمتعت باقتصادر مزدهر ونشاط ثقافى وتعليمي. تجددت المطامع الفرنسية فى الجزائر، وحصلت فرنسا من السلطان العثمانى على امتيازات لصيد المرجان فى الشرق الجزائري، ومن هناك حملت السفن الفرنسية مختلف أنواع الحبوب المنتجة فى البلاد إضافة إلى المرجان، وقد حرك الغنى الجزائرى شهية الفرنسيين لاحتلال البلاد، ولا سيما بعد أن فشلت حملة نابليون على مصر والشام، وعادت الملكية إلى فرنسا، ليستأنف الملك شارل العاشر الخطط القديمة لاحتلال الجزائر، والتى كانت قد وضعت قبل الحملة على مصر، والتى رأى أنها قد تخفف الأزمات الداخلية فى فرنسا، فى ذلك الوقت استنجدت السلطنة العثمانية بالأسطول الجزائرى الذى لبى النداء، لمساندة الأسطول العثمانى فى معركة «نافارين» عام 1827م، إلا أنه دُمر بالكامل فى هذه المعركة التى وقعت بالتزامن مع حادثة «المروحة» فتوفرت الذريعة للغزو الفرنسى للجزائر. على الشاطئ المعروف ب«سيدى فرج» بدأ الانزال للقوات الفرنسية يوم الرابع عشر من يونيو عام 1830م، وحاولت القوة الجزائرية من منعه، لكنها لم تنجح فى ذلك، وبعد أربعة أيام خاضت القوات الجزائرية معركة غير متكافئة مع القوات الفرنسية، ولكنها مُنيت بالهزيمة حسبما يقول المؤرخ العربى الزبيري، لأن القيادة العليا لم تنفذ الخطة العسكرية التى وضعها أحمد باي، والتى كانت تهدف لجر الجيوش الفرنسية تجاه الغرب.