مؤسس جمعية محبي الشيخ إمام يفتح خزينة الأسرار سيد عنبة: فيلم الفاجومي.. "اتسلق".. وظلم الشيخ إمام

«يا مصر وانتى الحقيقة وانتى اغترابى وشقايا.. انتى الجراح الرهيبة وانتى اللى عندك دوايا.. علمنى حبك عبارة سهلة وبسيطة وعفية.. شرط المحبة الجسارة شرع القلوب الوفية».. بهذه الكلمات يمكن أن يكون الشيخ إمام الذى تحل اليوم الاثنين ذكرى مئوية ميلاده، لخص سيرة حياته كلها فى كلمات بسيطة تغنى بها وطربت لها الأفئدة والقلوب، فإذا بها عاشت طوال هذه العقود وتخلد نفسها فى وجدان الشعوب العربية.
شهدت حياة الشيخ إمام محمد أحمد عيسى، كثيرا من التحولات والتقلبات والصدمات التى كان يمكن بها أن تغير مجرى حياته، إلا أنه كان صلبا لا يلين، لم يرفع الراية البيضاء طوال حياته، رغم الظروف الصعبة التى وجدها وشظف العيش الذى يلاقيه، بداية من فقدان ضوء عينيه فى فترة مبكرة من حياته، ومرورا بتصديه للكثير من الوقائع السياسية التى كان يتأثر بها لدرجة الانكسار فور وقوع النكسة، إلا أنه كان يرفع شعار «الذل شين والأرض بكر عفية يوم الحصاد وعروسة متحنية إن شفتها بالقمح متغطية افرش عبايتى وأقابل أم السنابل»، فقد استخدم الشيخ إمام الكثير من المفردات المصرية الخالصة فى أعماله التى اختارها بعناية.
حبه لمصر تصدر جميع أغانيه؛ حتى العاطفية كان يجمع من حبه للوطن رمزا يضعها فى سياق رصين، ولا أدل على ذلك من بعض أغانيه التى تحولت إلى أيقونات رفعها الشعب المصرى خلال ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وكان عام 1962 نقطة فارقة فى حياته حيث كان اللقاء مع رفيق دربه الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، وكونا معا ثنائيا فنيا، ذاع صيته فى مصر وخارجها وخاصة بعد نكسة عام 1967؛ حيث قدما عدة أغان فيها نقد صريح لنظام الحكم فى ذلك الوقت مما أدى لدخولهما السجن عدة مرات، وهذا لم يمنعهما من تقديم فن تنويرى ساهم فى إنقاذ الوجدان المصرى والعربى من الهزيمة بعد النكسة.
«البوابة» تفتش فى أوراق الشيخ إمام خلال هذا الملف، وتستضيف كاتم أسراره ورفيقه فى آخر أعوام عمره، ليكشف الكثير من الأسرار خلال السطور المقبلة..
سيد مهدى عنبة؛ كاتم أسرار الشيخ إمام ورفيقه فى آخر أعوام عمره، ومؤسس جمعية محبى الشيخ إمام، يقول، إننى تعلقت بالشيخ إمام قبل أن ألتقيه بفترة طويلة، منذ أن سمعت عام 1975 بالصدفة أغنية فاليرى جيسكار ديستان، وقرأت أن الشاعر أحمد فؤاد نجم كتبها إثر زيارة للسادات الذى بالغ مبالغة كبيرة فى استقباله والحفاوة به شأنه شأن استقبال نيكسون عام 1974 وشدتنى بساطة الكلمات وعمقها والأداء الكاريكاتيرى العظيم للشيخ إمام، ومن بعدها بدأت أبحث أين أسمع هذا الرجل.
يضيف «عنبة»: فى هذا الوقت كانت توجد إذاعة مصر العروبة وإذاعات ليبيا وبدأت أتتبعه، وفى عام 1990 كان اللقاء المباشر وجها لوجه شخصيا، وفى منزلى مع الشيخ إمام، وكان عقب صلاة المغرب حدثنى صديق لى أنه سيأتى ليزورنى ومعه الشيخ إمام، وبعد المقابلة بدقيقتين أذن المغرب وصلى الشيخ إمام، وكانت بالنسبة لى مفاجأة لأنه كان يتردد وقتها أن الشيخ إمام شيوعي، ومع أول لقاء بينى وبينه عرفت أن روحه خفيفة ومقبل على الحياة وسريع البديهة، فمبجرد أن قدمت لهم العنب غنى قائلا: «عنبوا عنبوا عند الأستاذ عنبة» وكانت أول أغنية غناها الشيخ إمام تحت اسم «الطنبورة»، وبالصدفة فى هذه المقابلة جاء الفنان عدلى فخرى ومعه أخاه لزيارتى فى نفس التوقيت الذى أتى فيه الشيخ إمام، وكان أخو الفنان عدلى فخرى مدرسا معى عندما كنت أعمل بالتربية والتعليم، ومنذ ذلك اليوم تفاعلت مع الشيخ إمام وأحببته جدا.
يتابع عنبة: بعد ذلك بأسبوع ذهبت إلى «حوش آدم»، وكنت كل أسبوع أذهب للصلاة بمسجد الشيخ يحيى الملاصق لمنزل الشيخ إمام، وكان وقتها قارئ خطبة الجمعة فى سنواته الأخيرة، حتى إنه ذكر هذا المسجد فى قصيدة حوش آدم، وكان يترك سيارته فى أبعد نقطة ممكنة عن المسجد، لأنه يحب المشى جدا وكنا نجلس سويا وننتظر الأصدقاء ونعمل سهرة إلى أن توفاه الله، لا يفوتنى أن أقابل الشيخ إمام كل أسبوع فى حفلة أو أمسية أو سهرة عند أى منا فى المنزل، وأصبحت هذه المسألة عادة، حتى أننى لو تأخرت عليه بعض الوقت يبدأ عليه القلق.
وبينى وبين الشيخ إمام علاقة متينة، وفى يوم من الأيام طلب منى أن أطلب له نمرة كانت لأسرة فى المعادي، وقال لى أن هذه الأسرة اهتموا بى من 1972 وحتى وفاته أسرة نور الدين تجمع كل فواحل وأغانى الشيخ إمام وبعض الأشياء من البدل ونظارته والأوسمة والشهادات التى حصل عليها موجودة لديهم، وهم كانوا فاتحة خير بالنسبة لى وكنزا بالنسبة لى وتوطدت بينى وبينهم علاقة قوية وجمعت من عندهم كل أغانى الشيخ إمام.
أسلوب فريد
وكان لدى الشيخ إمام ميزة عجيبة أن لحن الأغنية يكون حسب الجلسة والسهرة، وجمعت كل الأغانى والشرائط للشيخ إمام وسجلت له شريطي فيديو منها حفلة فى سقارة للفنان محمد، والشريط الآخر عند واحد صديقي، وجمعت له الفيديوهات التى كانت فى تونس، ودائما ما أذيعه على صفحتى الشخصية على فيس بوك وصفحة الشيخ إمام.
أكثر ما ميز الشيخ إمام أداؤه، فقد كان بتعبير الراحل أحمد فؤاد نجم «يمسرح» الكلمات، أى يضفى عليها أداءً مسرحيًا تجسيديًا يبث فيها الحرارة والحياة ويجعل المتلقّى يشعر وكأنه لا يسمع الكلمات فى الراديو وحسب، وإنما يشاهدها أمامه على التليفزيون، وهو يشترك فى ذلك مع الشيخ زكريا، وسيد درويش، فقد كان يسعى دومًا أن يجعل الجمهور جزءًا من اللحن حتى يتفاعل معه بشكل أكبر.
مواقف
الشيخ إمام أبدع ألحانا كثيرة داخل السجن، واشترك فى السجن مع أحمد فؤاد نجم فى إنتاج الكثير من الأغاني، وقد ساعدته ذاكرته الحديدية فى تذكر خواطر نجم التى كان يخبره بها ليحفظها ويبحث لها عن الألحان المناسبة.
كان الشيخ زكريا أحمد ملحنًا بارعًا، ولكنه لم يكن عازفًا متميزًا على العود، وقد كان يطلع الشيخ إمام على الألحان التى يبدعها لأم كلثوم مبكرًا، فكان الشيخ إمام يحفظها، ويسأل الناس ما إذا كانوا يريدون الاستماع إلى ألحان أغنية أم كلثوم المقبلة، وقد عرفت أم كلثوم ذلك وأغضبها بشكل كبير، لذا فقد قطع الشيخ زكريا أحمد علاقته بالشيخ إمام.
وما يحكم علاقتى بالشيخ إمام حاجة أعيش بها اسمها «الحب الإيجابى» بمعنى أنك تفعل شيئا ممتعا وأول ما عملته منذ ذلك الوقت أنى جمعت كل أغانيه، وثانيا: فكرت فى إشهار جمعية تحت مسمى «محبى الشيخ إمام»، وهذا كان، فبعد وفاته بعام جمعت أصدقائى لننشئ جمعية باسم «محبى الشيخ إمام» وواجهتنى مشكلة مقر الجمعية، وفى عام 2014 تلقيت مكالمة من المرحوم أسامة برهان، رئيس النقابة العامة للاجتماعيين، يدعونى لحفلة فى الجمعية لإلقاء كلمة، وهناك تحدثت عن أنى أعتزم إقامة جمعية باسم الشيخ إمام، وبعدها قال لى، لا تقلق سوف نشهر الجمعية من مقر النقابة، وأنشانا الجمعية ومقرها بعمارات العرائس وجمعت 24 مؤسسا، منهم محمد أبوالغار وعزة بلبع وأحمد بهاء الدين شعبان والشاعر محمود الشاذلى وكثيرون من محبى الشيخ إمام وأشهرت الجمعية فى 15 يناير 2015.
وقال: ضعنا لجمعية «محبى الشيخ إمام» للفنون والآداب أهدافًا مكتوبة، وفى ذكرى افتتاح الجمعية نقوم أيضًا بإحياء ذكرى رفيق دربه الراحل أحمد فؤاد نجم، وقد طوّرنا نشاط الجمعية هذا العام من خلال التقدم بطلب للهيئة العامة لقصور الثقافة لإصدار كتاب «الشيخ إمام.. الإنسان والفنان»، الذى أتحدث فى جزئه الأول عن الشيخ إمام، ويحتوى جزؤه الثانى على النوتة الموسيقية لأشهر ألحانه، والواقع أنى ضمّنت فيه عشرين نوتة كنت قد أخذتها من أحد الكتب التى صدرت عن الشيخ إمام فى تونس، وفى هذا الصدد ينبغى أن أقول، إننى عانيت مع الملحنين المصريين الذين ينتظرون المقابل المادى من أجل الكتابة، ورغم كل الصعوبات لدىّ الآن مسودة كتاب النوتات الموسيقية لألحان الشيخ إمام الذى يفترض أن يصدر بمناسبة مئويته، وأنا فى مرحلة مراجعة الكتاب على الكمبيوتر. بالإضافة إلى أن هناك مطلبًا آخر يتمثل فى إقامة حفل بدار الأوبرا تحييه الفرقة العربية التابعة لهيئة قصور الثقافة، ومن المنتظر أن تتم الموافقة عليه خلال هذا الأسبوع، ومن المنتظر أن يتضمن الحفل أمسية فنية للعزف، ومعرض صور، وندوة يتم الحديث فيها عن قيمة وقامة الشيخ إمام، بالإضافة إلى الحديث عن أحمد فؤاد نجم أيضًا، فوجود كل منهما برفقة الآخر عظّم من موهبة الآخر وبلورها بشكل أكبر.
ولفت إلى أنه وفى هذا الصدد أريد أن أشير إلى أهمية الحديث فى تلك الندوة عن الآثار الفنية التى تركها كل من الاثنين، فالناس حين تتحدث عن الشيخ إمام إنما تلقى الضوء عليه كثورى كان يقف دومًا على يسار السلطة دون أن تسلط ما يكفى من الضوء على إنتاجه الفنى وإسهامه الكبير فى مجال التلحين، وكذلك الأمر بالنسبة لأحمد فؤاد نجم، فهم يتحدثون عن شحذه وإشعاله لمشاعر الناس الثورية دون الالتفات بجدية لإسهاماته الشعرية، وهذا خطأ كبير، لأن الجانب الثورى لديهما لا يمكن بأى حال من الأحوال أن ينفى الجانب الفني، فهذا الثنائى قام بنحت تعبيرات لم تكن موجودة فى شعر العامية قبل وجودهما، ولذلك يجب الاحتفاء بهما على النحو الذى يستحقونه فى هذا المضمار.
حلم المقر
لديّ أيضًا أحلام خاصة بالجمعية، هكذا يقول عنبة، أولها أن يكون لها مقر دائم، ففى أى أوراق تخص الجمعية أكتب أمام العنوان كلمة مقر مؤقت، وهذا شيء يزعجنى دون شك، وهذا لا يعنى أنى أجحد جهود من يستضيفوننا، فلهم كل الشكر والثناء على فضلهم، غير أننى أنظر إلى مستقبل الجمعية وليس فقط حاضرها، وفى هذا السياق يجب أيضًا أن أذكر الراحل أسامة برهان بكل الخير، فقد ساعدنا بكل محبة فى إشهار الجمعية وفى إيجاد مقر لها، ولكننا اليوم فى حاجة إلى مقر دائم، وأناشد كل من يهمه الحفاظ على تراث الشيخ إمام وفى وسعه المساعدة أن يوفر للجمعية غرفة تصلح لأن تكون مقرّا يتضمن مقتنيات الشيخ إمام وأوراقه، وجهاز كمبيوتر، ومكتبة تحتوى على كل ما يخص الشيخ إمام، فتلك المقتنيات الآن فى حوزتي، ولكننى لن أبقى وأريد أن يظل هذا التراث حيًا، ولما لا تتسع نشاطات الجمعية لتنظم كورسات لتعليم ألحان وكورال الشيخ إمام، فكلها مطالب مشروعة، ومن خلالكم نناشد من يستطيع أن يعطينا مكانًا للإيجار يصبح مقرّا للجمعية، أو يعطينا مبلغًا ماليًا كافيًا نضيفه على مبلغ قيمته 50000 جنيهًا كنّا قد وضعناه فى البنك باسم الجمعية لنحصل على مكان يصبح ملكًا للجمعية.
تونس فى حياة الشيخ
أكثر الدول العربية التى يحظى فيها الشيخ إمام بشعبية كبيرة هى تونس، فهم لديهم ذائقة فنية مميزة ويقدرون الفن بشكل كبير، وهى تعتبر أكثر الدول التى زارها خلال حياته بواقع 4 مرات، فى سنوات 1984، و1989، و1991، ولى صديق تونسى يعمل صحفيًا ويعيش فى كندا يسمّونه «مجنون الشيخ إمام» من فرط حبّه له ولفنه، وفى 19 يوليو الجارى سنقيم احتفالية المئوية للاحتفاء بالشيخ إمام ببيت السناري.
موقف الدولة
موقف الدولة من الشيخ إمام وتراثه يعد موقفًا إيجابيًا بشكل إجمالي، فنحن لم نواجه صعوبات كبيرة فى استخراج تصريح نشاط الجمعية، كما أن لا أحد يتدخل ليملى علينا ما يمكن وما لا يمكن أن نفعله، ولكن عليّ أن أقول، إن بعض المسئولين فى الدولة تظل أيديهم مرتعشة بسبب ما يثار حول اسم الشيخ إمام، فالجميع يعرف أنه كان ثوريًا ظلَّ دومًا على يسار السلطة، ومن هنا فهو صاحب اسم محفوف بالمخاطر، وفى هذا الصدد أيضًا أنا أطالب من خلالكم بوضع أغانى الشيخ إمام بكل أشكالها الثورية، والوطنية، والعاطفية، على خارطة الغناء الرسمى بمصر، لأنها كانت خير معبِّر عن الوطن، وخير معبِّر عن روح صاحبها الشيخ إمام رائد موسيقى الرأي، وغناء الرأي.
فيما يخص استجابة وزارة الثقافة لنا، فنحن نسير بتعسُّر فى طريق إصدار كتاب الشيخ إمام، ولكننى أثق أن تلك الخطوة ستتحقق، وبالنسبة للاحتفالية الخاصة بالاحتفاء به، فالوزارة لم تستجب لنا إلى الآن، ولكننا على أمل أن تتم الاستجابة فى أقرب فرصة.
فيلم الفاجومي
انتقد «عنبة» فيلم الفاجومي، مؤكدا أنه «اتسلق» وظلم الشيخ إمام ولم يقدِّره بالشكل الكافى، كما أنه صور أحمد فؤاد نجم، بتعبير أحد الأصدقاء، كمناضل على سرير، وهذه نقطة سلبية ومجحفة بشكل كبير. وقال: الشيخ إمام لديه شخصية ومدرسة فنية أسميها «الإمامية»، فقد كان صاحب حضور فنى قوى يمكِّنه من امتصاص النصوص الشعرية التى تُكتب، أيًا كان صاحبها، ليخلع عليها بصمته ويصبغها بلونه الفني، فتبدو وكأنها كُتبت له هو بالذات، فالشيخ إمام أقلع عن التدخين وشرب المخدرات فى 1976 بشكل نهائى وحتى نهاية حياته.
26 شاعرًا قدم لهم أعمالا فنية
وقد نجحت جمعية «محبى الشيخ إمام» فى أن تتوصل إلى 26 شاعرا قدم لهم الشيخ إمام أعمالا غنائية، كان أبرزهم فؤاد قاعود، حيث قدم له 14 أغنية أهمها «العزيق- وهبت عمرى للأمل- البياع لبان دكر- أحزان القرد- لكل فعل رد- الماريونيت - امسك يا بوليس- حى على الكفاح- الشجرة بتخضر- بنات الأنفوشى- شايفه القمر يا خضرة- الحمام الحر- حبيبتى بنت أرض- دردشة- على الربابة»، وأبو الحسن سلام، والذى قدم له الشخ أغنية «بنادى على كل واحد فى مصر»، وكذلك بيرم التونسى الذى قدم له أغنيتى «صوت العرب»، « موال بالحق بالعقل»، «زين العابدين فؤاد»، والذى قدم له «اتجمعوا العشاق»، « الفلاحين»، «يا شمس يا للى هله»، «أنا الشعب»، وسيد حجاب الذى قدم له أغنية «حطة يا بطة»، و«عبد الرحمن الأبنودي»، الذى قدم له أغنية «صحيت مدينتنا»، وغيرها.