على مدار أيام الشهر الفضيل نصطحبكم فى رحلة عطرة، نغوص خلالها فى تاريخ الأسرات المصرية القديمة.. لنرصد كيف بدأت عبادة التوحيد، وكيف آمن الفراعنة بالإله الواحد، فالمراجع تعددت والكتب سُطرت فى إيمان الفراعنة، ولكن بين أيدينا وعلى مدار الشهر كتاب «قدماء المصريين أول الموحدين» للدكتور نديم السيار، والذى بحث ودقق ليصل إلى حقيقة ثابتة، وهى أن قدماء المصريين أول من قال «لا إله إلا الله». فى الحلقات السابقة تناولنا دخول خليل الله إبراهيم إلى مصر، وأنه لم يكن نبيًا مرسلًا إلى قدماء المصريين، وإنما كان نبيًا داعيًا الهكسوس الذين حكموا مصر، ولم يمكث بمصر كثيرًا فتزوج «هاجر المصرية» ورحل بها إلى واد غير ذي زرع عند بيت الله الحرام، وتحدثنا على كرامات «هاجر» أم الأنبياء، التى تفجر بئر زمزم تحت أقدام ولدها إسماعيل، وخلد الله سبحانه سعيها بين الصفا والمروة، ليكون شعيرة من شعائر الله فى الحج، كما تناولنا دخول يعقوب إلى مصر حينما استقدمه يوسف عليه السلام إلى مصر وعاش بها 17 عامًا دعا خلالها الهكسوس إلى عبادة التوحيد، وفى هذه الحلقة نتعرض إلى أحد أشهر أنبياء الله فى مصر، وهو يوسف الصديق عليه السلام، وقصة يوسف معروفة للجميع، حيث ألقاه إخوته فى البئر فالتقطه بعض التجار وباعوه فى مصر، ليتربى ويكبر فى بيت عزيز مصر وتحت رعايته، ويرى الدكتور أحمد شلبى أن السلطان كان لا يزال فى أيدى الرعاة الهكسوس حينما وصل يوسف إلى مصر، ويذكر الؤرخ عفيف طبّارة أن إحداق قصة يوسف وقعت فى مصر إبان عهد الملوك الرعاة، وأكد المؤرخ الفرنسى موريس بوكاى فى كتاب «دراسة الكتب المقدسة» أنه بعد النظر إلى كل الاحتمالات نجد أن عصر الهكسوس يتواكب مع وصول يوسف إلى مصر، وفى كتابه «أضواء على السيرة الذاتية»، يذكر عبدالحميد جودة السحار أنه فى عصر الهكسوس جاء يوسف إلى مصر وجعله الملك على خزائن الأرض». يذكر ابن كثير فى «قصص الأنبياء»، أن الذى اشترى يوسف عليه السلام كان من أهل مصر وعزيزها، وكان ملك مصر حينها من الهكسوس الرعاة، ويؤكد الدكتور عطية القوصى أن سيدنا يوسف عاش فى عهد الهكسوس أنفسهم، وأن فرعون مصر بالتالى لابد أن يكون أحد ملوك الهكسوس وليس فرعونًا مصريًا. ويؤكد المؤرخ عزة دروزة فى موسوعة تاريخ الجنس العربى، أن أحمد كمال باشا أحد أوائل علماء الآثار المصريين، قال فى خبر يوسف عليه السلام أنه بيع لوزير الملك «ابيبى رع كنن» الهكسوس، وأن هذا الملك هو الذى أطلقه من السجن وعينه أمينًا على خزائن الأرض كما جاء فى القرآن الكريم، مشيرًا إلى أن كل رجال الحكم آنذاك كانوا من الهكسوس، ومنهم العزيز الذى اشترى يوسف، والذى كان أحد الوزراء، وكذلك امرأة العزيز حاصبة قصة يوسف المشهورة فى التوراة والقرآن. ومن المعروف أن الهكسوس كانوا منتشرين فى مصر بأعداد رهيبة، قدرها الطبرى فى تاريخه، بحوالى 2 إلى 3 ملايين، أى أنهم كانوا يمثلون شعبًا كاملًا جاثمًا على صدر الشعب المصرى، ورغم ذلك ظل الشعبان «المصرى القديم والهكسوسى»، منفصلين مُتمايزين لم يندمجا ولم يمتزجا حتى تم طرد الهكسوس جميعًا فيما بعد، وإلى الشعب الهكسوسى الوثنى المشرك كانت دعوة يوسف إلى التوحيد فى مصر، أى أنه لم يكن مرسلًا إلى أهل مصر القدماء والسكان الأصليين للبلاد نظرًا لأنهم كانوا يدينون بعبادة التوحيد. ونجد فى القرآن الكريم والمراجع التاريخية ذكرًا لبعض من توجه إليهم نبى الله يوسف بالدعوة، مثل صاحبيه فى السجن، والملك وكلهم كانوا من الهكسوس. فماذا كانت قصتهم وفق المراجع التاريخية؟ هذا ما سنتعرض له فى الحلقة المقبلة.